كنت كلما قرأت ما يدل على علاقة محتملة بين "حماس" والقوى الرافضية الإيرانية أبت نفسى أن تصدق مثل هذه الأخبار بل وأخذت أردّها إلى قوى معادية للحركة الإسلامية تريد أن تربط بين النقيضين لتضرب الإسلاميين تحت ستار التعاون مع القوى الفارسية، إذ كيف يتوافق مسلم سنيّ يحمل توقير الصحابة ويؤمن بحفظ القرآن الكريم من التحريف ويحفظ للإئمة الأعلام كالبخاري ومسلم مكانتهم، أن يضع يده في يدِ من كفّر الصحابة وسبّ أمهات المسلمين واعتقد تحريف القرآن ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن بخرافات صبيانية كدخول الإمام كهفاّ وانتظار خروجه كلّ عام! ولكن ما زالت الأنباء التي تتحدث عن مثل هذه العلاقة تقوى وتتأكد حتى أصبحت حقيقة لا مفر من الإقرار بها والعمل على فهمها والتعامل معها بشكل أو بآخر.
ومع ما يعتصر النفس من ألم لما يحلّ بغزة الصامدة من حصار صهيونيّ-عربيّ، ومع ما تقدمه حماس من تضحيات في سبيل الموقف الفلسطينيّ المسلم، ومع الخذلان المخزى الذي تقفه الحكومات العربية "المسلمة" من هذا العدوان المجرم، ومع الإنهيار التام للإرادة الإسلامية الجماعية وللأجهزة التي تمثلها كالجامعة العربية – تغمدها الله برحمته – إلا إنه ليس هناك مبرر يدفع إخوة الجهاد من أهل السنة إلى أن يتعاونوا مع من عادى الإسلام قرونا متطاولة وكان يداً للعدوان على أهل السنة طوال القرون الأربعة عشر السالفة، وهم يشهدون ما يحدث على مرمى البصر منهم في العراق، وما حدث من قبل في تآمرهم على طالبان. ولا يغترّن أحد بما تقوم به عصابات مقتدى الصدر فهي ألاعيب يريد بها الصدر أن يحتفظ لنفسه بمكان في التركيبة الرافضية الحاكمة، وأن يكرّس التدخل الفارسيّ في العراق وأن يقوّض ما قد يريده الصليبيون من إدماج بعض القوى المنتمية للسنّة اسماً في الحكومة العميلة لخداع القوى السنية في العراق والعالم الإسلاميّ.
ونحسب أنّ هذه الزلّة إنما تعود إلى سببين رئيسين، أولهما ما ذكرنا من أزورار الحكومات "المسلمة" العميلة عن تقديم يد العون إلى المنكوبين بالعدوان الصهيونيّ، على حين فتحت حكومة الفرس صدرها ويدها لحماس، وثانيهما أنّ الفكر الإخواني الذي تنتمي اليه حماس لا يزال هو الفكر الإخوانيّ الذي يقبل التعامل مع أنظمة وحكومات تتولى أعداء الله وتعادي أولياءه رغم ما ظهر من استحالة أن يقبل أي نظام علمانيّ حاكم في العالم الإسلامي أن يسمح بأي تواجد رسمي إسلاميّ على الأرض التي يبسط سيطرته عليها، ولسنا في حاجة إلى أن نسرد مواقف الحكومات العلمانية الحاكمة من الإخوان في مصر وغيرها لندلل على صحة ما نقولـ ولكنها الجرثومة التي تصيب الفكر فتنحى به عن مسار الحق.
ولا زلت أعتقد أن إخوة حماس سيقوّمون هذه العثرة وسيعلمون أن الرافضة لم ولن يكونوا عوناً لأهل السنة في يوم من الأيام، وأن أهل السنة لا يجب أن يكونوا من السذاجة والبله أن يستظهروا بالشيطان على الشيطان، كان الله في عونهم على محنتهم.