أوردت الجزيرة أنّه قد"اختتم أمس في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة مؤتمر"الخليج العربي بين المحافظة والتغيير" الذي تناول حرية الإعلام الخليجي وتحديد مفهوم المواطنة بدول الخليج، ومدى اعتبار العلمنة شرطا لتحقيق الحداثة”[1].
ومما شدّ الإنتباه فيما تحاور فيه المؤتمرون في الجلسة الختامية عما إذا كانت العلمنة شرطا لتحقيق الحداثة!ومع تأكيدهم على عدم تغييب الدين!، فقد أكدواعلى مبدأ المدنية في شكل الدولة!
كما أفصح وزير سابق عن أن النموذج الدينيّ للحكم "مناقضٌ لمواد الدستور الناصة على مساواة الجميع، كما أن الدول الدينية "لا تعترف بالتداول السلمي للسلطة" على حدّ ما نقلت عنه الوكالة!
ولا أدرى والله ما الذي دهى القوم بهذه الدواهي العقلية؟ إن ما يردده هؤلاء ليثير الحيرة والإستغراب ثم الحسرة والإستياء ثم اليأس وفقد الرجاء في أمثال هؤلاء، فماذا يقصد القوم بالتغيير؟ تغيير ماذا؟ إلى ماذا؟ أيكون المقصود بتعبير المحافظة هو التخلق بأخلاق الشرع والتحاكم لكتاب الله أفراداً وجماعات، والتغيير هو الإنخلاع كلية عن كتاب الله سبحانه والإنفضاض من حول سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ أيكون مفهوم المواطنة التي يدعون لها دائر حول أن الأرض هي الجامع المؤسس لحقوق الفرد لا الدين الذي قرر فقهاؤنا بلا خلاف بينهم أنّه وحده الذي يحدد المواطنة وأن المسلم مواطن في الأرض التي تجرى عليها أحكام الإسلام، مع مراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة حسب ما شرع الله تعالى من عدم خفر ذمتهم أو العدوان عليهم أو سلبهم حقهم في العيش والحياة الكريمة بين المسلمين على أرض الإسلام، كما حدث على مدار تاريخنا خلافاً لتاريخ الصليبية المتوحشة التي قتلت اليهود أو الرومانية الملحدة التي قتلت النصارى من قبل؟
وما لنا نضرب أخماساً في أسداس، والوزير السابق قد تكفّل بالإجابة أنّ "نعم" هذا عين ما قصد اليه المؤتمرون، إذ إن النموذج الديني – هكذا! – للحكم يناقض الدستور على مساواة الناس! فسبحان الله، والله الذي لا إله إلا هو إن هذا إلا قول مرتد خلع الربقة، وهل الدستور هو الحاكم على دين الناس أم أنّ الإسلام هو الحاكم على الدستور؟! وهل الإسلام لا يسوّى بين الناس بما يرضى عنه بوش وأتباعه؟! ألهذا الكلام أي محمل آخر ينفي عنه هذه الهرطقة المكشوفة؟! ثم يقول الزير – أقصد الوزير – السابق أن الدولة الدينية - يعنى التي تحكم بما أنزل الله – لا تعترف بالتداول السلمي للسلطة! أي تداول يقصد هذا الزير – أقصد الوزير – السابق، أهو تداول للسلطة بين من التزم بالإسلام دينا وبحكم الله حكماً واختلفت رؤيته فيما هو من قبيل المصالح المرسلة للناس فيما فيه محلّ للإجتهاد؟ وهذا التداول لا يرى به الإسلام بأساً وأمره إلى أهل الحلّ والعقد، يحلون عقداً ويعقدون غيره، أم أنه يقصد تداول السلطة بين المسلمين وبين من خرج عن شرع الله الحكيم وأرادها علمانية لادينية تعادى أولياء الرحمن وتوالى أعداء الإسلام وتتمحك بالإسلام خوفاً من غضب الناس وتفعل خلافه في كلّ خطوة وكلّ قرار؟
التحرر – أيها السادة المؤتمرون – يكمن في حرية القرار بأن يكون نابعاً من عقائد الشعب وموروثاته، لا مما يُسْتَورد من قيم وعادات لا يعرفها الناس ولا يعيشون بها، والتغيير ليس مقصوداً لذاته، وإنما يكون حين يكون هناك حاجة اليه، وأي حاجة لنا في تغيير ما حكم به الله سبحانه من حدود وعقود ومعاملات، ما صالحنا في تبني الربا المحرّم بديلا عما وجّه له القرآن من سبل البيع الحلال؟ لصالح من نبتذل نساءنا وأخواتنا وأمهاتنا فنقنن سفورهن ونفخر بعريهن حتى وإن أبت العفيفات منهن ذلك؟ لصالح من ننشر الفاحشة بين الناس لمجرد أن نخرج عليهم بأن قد "غيّرنا" والحمد لله؟ أهو التقليد الأعمى للغرب فيما ليس فيه صالح للمسلمين؟ أي والله نعم إنه هو بعينه.
ثم لماذا لا نغيّر في مجال الصناعة مثلا بأن نـُعنى بإنشاء صناعات ثقيلة تحرر إقتصادنا من ربقة الحماية الأنجلوأمريكية؟ أيكون معيار التغيير هو علوّ البنيان وإتساع ساحات الملاعب الرياضية ومدى "الخدمات" الترفيهية التي تقدمها الفنادق لروادها صباحاً و"مساءاً"؟ ألا يصحّ أن يوجه هؤلاء المؤتمرون جهدهم لإنشاء صناعات ونشر جامعات ومراكز بحوث تنفق عليها الأموال لتقدم لشعوبنا خلاصة العلم في مجالات الطب والهندسة والزراعة والتقنية بلغتنا العربية فنكون راعين لهذا العلم كما كنّا من قبل بدلا من أن نظلّ عالة عليه؟
إنها والله لحسرة تتفاقم في صدر المسلم يوماً بعد يوم فيمتلآ حزنا وغمّاً، حين يرى بعين أن بلاد الإسلام تمتلك أكثر من 60% من أغلى سلع الدنيا – البترول – ثم يرى بعينه الأخرى مدى التخلف الفكرىّ الذي يعيشه هؤلاء التائهون عن أنفسهم وعمن حولهم، وعن منهج الله سبحانه، سادرين في أحاديث لا يعلمون لها مبدأ ولا منتهى إلا كلاماً خائباً لن يجلب على أهله إلا الذلّ والصغار
[1] مطالب بإقامة دول خليجيةأساسها المواطنة والقانون