الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
والله، لولا محبتى لقرائي، وارتباطى بهم نفسياً وفكرياً، كأبناء وأخوة في الله، ما سوّدت ورقة في موضوع السياسة المصرية أكثر مما سوّدت، إذ قد بلغ الحزام الطبيين، ووصل البيان إلى ما يُعذِر الكاتب ويُنذِر القارئ، وعاد التكرار مملاً والإعادة مرهقة.
لكن، تعود نفسى تحدثني، أن لا أمر في الدنيا اليوم أهم من هذا الأمر. والله، لو عُرض عليّ إطلاق سَراح ابني المعتقل مدى الحياة في سجون الصليبيين، مقابل أن يستمر الوضع على ما هو عليه في مصر، لاخترت حَبس ابنى، وأجرى وأجره على الله.
الغرضُ الرئيس اليوم، لدى كل مسلم مصريّ، محب لله ورسوله، صادق في دعواه، وفي عهده مع الله، لا مُتخاذل ولا مُتعلل، هو إقامة شرع الله في مصر. وهو الهدف الأعلى والغَرض الأسمى. ولتحقيق هذاالهدف، تأتى أهدافٌ مرحلية، يزيح كلّ منها بعضاً من الركام الخبيث المتكاثف في طريق الشريعة. ولا شكّ أنّ زحزحة المخلوع، ولو صورياً، من مكانه كرئيس دولة، هو خطوة للإمام، يريد لها العسكر أن تكون، بقدرة قادر، خطوات إلى الوراء!
الهدف المرحليّ اليوم هو إزاحة العَسكر من واجهة الحكم، والقضاء على آمالهم في الإستمرار في تحطيم أمال هذا الشعب، وسدّ طريقه غلى الحرية والكرامة والعدالة.
العَسكر اليوم، كما نبّهنا لهذا منذ 11 فبراير الماضى، هم العائق الرئيسُ في وَجه الحُكم العادلِ، الحرِّ، الإسلاميّ، ليس عصام شرف، ولا عدو الله والناس على السِلميّ، ولا بهلوانات العلمانية، من أمثال صاحب الحمالات، أو مروجى الفساد والشذوذ كالأسواني. هم العسكر الذين يقفون وراء كل شَارِدة ووَارِدة على مسرح السياسة المصرية، الذي يراد أن تقام على خشبته مسرحية الإنتخابات، ليصفق بعدها الجماهير للممثلين اللاعبين، ثم ليسدل بعدها ستار النسيان على حرية مصر وكرامة أبنائها ودين أغلبيتها.
الواجب اليوم هو التركيز على إزاحة العسكر من مسرح السياسة المصرية، وأن يكون هناك طريقٌ مرسوم مضمونٌ لنقل السلطة بأسرع وقتٍ ممكن، إلى مدنيين شرفاء. هذا هو الهدف التكتيكيّ اليوم. بل هو اليوم الشعار الوحيد الذي يجب أن يرفعه المتظاهرون، حتى قبل شعار تطبيق الشريعة، الذي هو الهدف النهائي. ذلك لأن هؤلاء العسكر خبّان ماكرون فَسقة. إن قال الناس: نحن نخرج من أجل تطبيق الشريعة، قالوا، على العين والرأس، سنضعها في المواد فوق الدستورية، المادة الثانية، كما هي، دون أن نمسها بسوء، وهم يعلمون تمام العلم أنها ديكوراً لا أكثر ولا أقل. من هما وجب أن يتوحد الهدف يوم التلاقِ في 18 نوفمبر على إزاحة العسكر، ليس إلا. كم أخطر الأمور هو تشتيت الهدف، ولو بشعار تطبيق الشريعة، إذ تحقيق هذا الهدف يفتح الطريق واسعاً إن شاء الله لتطبيقها دون عوائق ولا تلاعب ولا سلميّ ولا طنطاوى.
الأمر أمر إزاحة العسكر من العملية السياسية، وأن لا يكون لهم ناقة ولا جملٌ في وضع الدستور، أو إختيار لجنته، أو أي قانون يخرج عن إطار الإدارة العامة أسابيع قليلة إلى أن يتسلم السلطة مدنيّ منتخب، أو هيئة مدنية استشارية، أيهما أسرع. أن يعود العسكر إلى ثكناتهم، لا دور لهم في حكم البلاد، على أي شكلٍ، ولا أيّ صورة، مهما تعللوا لأعذار الشياطين.
والحق أن العسكر لم يتَعَللوا بأي عذر في سبيل هذه السّيطرة على مقاليد الحكم. بل هم صُرحاء مُباشرون، لم يصدر عن مجلسهم، ولا حتى عن السلمي خادمهم، بيانٌ واحد في هذا الشأن، بل ولا عن النصارى، وياللعجب. إنما هي وثائقٌ تكتبُ وقوانين تُفرض. من يتولى عنهم كبرَ هذه الأعذار والتعلات - وياللعار - طائفتان من المُنتمين للإسلام، أولهما المنافقون من أصحاب اللحى والعمائم، الذين يروجون لبقاء العسكر في الحكم، بقصد أو بغير قصدٍ، فهما سيان في النتيجة، وهم من يطلقون عليهم "المشايخ"، من منافقى السلفيين كمحمد حسان وأمثاله، أو بجهلٍ وغَرَر مثل :الحوينى" وأمثاله.
والطائفة الثانية، هم أولئك الذين ذبحتهم السياسة على نُصُبِها، فالتهوا بها، ونسوا أنهم أصبحوا ترساً في ماكينة الخداع العسكريّ، كالإخوان، الذين رضوا بدور الترس على مر العقود الخمسة السابقة، ومُحْدَثى السياسة من السَلفيين، كحزب النور. هؤلاء - أهل الطائفة الثانية، هم الأبشع جريمة في هذا الشأن المصريّ، إذ يثق بهم الشعب، ويحبهم العامة من المسلمين، الذين يتدينون على الفطرة، ويثقون في صاحب اللحية والجلباب، ومن يتحدث بقال الله وقال رسوله، دون التوغل حقيقة في مضمون الخطاب، وفحواه، وهم أكثر الشباب من اتباع هؤلاء المشايخ، وعامة المسلمين من غيرهم.
الأمر، أن الحق والباطل، على الحقيقة، لا يتبع قانون الأكثرية، فليس صاحب ملايين الأتباع بأقرب إلى الحق من صاحب عشرات الأتباع، وإلا كانت شيوخ الصوفية على الحقّ المبين، بل لكانت الكاثوليكية، الديانة الأكثر أتباعاً في العالم، هي ديانة الحق، معاذ الله، ولما قال تعالى "وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" يوسف 103. من هنا قلنا أن هؤلاء هم الأخطر على مصير مصر، وعلى مصير الشريعة في مصر من غيرهم، مجتمعين. فهم يقودون جمعاً غفيراً إلى حيث يسيطر عليه العسكر ويسحقه الفساد، لمصلحة شخصيةٍ أو خوفٍ من "البهدلة" أو طمعاً في مال وتمويل.
هي بلا شك سِلعةٌ نافقةٌ وتجارةٌ بائرة، تلك التي يروجها هؤلاء بين الناس، فالشيوخ الذين لا يريدون لأنفسهم البهدلة، ويريدون أن يحتفظوا بسمت العلماء وكرامتهم، التي قد يخسرونها إن واجهوا العسكر بكلمة الحق، ويريدون أن يتمكنوا من السفر للحج والعمرة دون أن توضع أسماؤهم على قائم المنع في السعودية، أو الإنتظار في مصر، كغيرهم ممن حُرم هذا وذاك. لكن، هل هذا مبررٌ لقول الباطل، والحث على تخضيع شعبٍ بأكمله لحكمٍ جَبريّ عسكريّ وَضْعيّ كافر. لا والله، بل هي سِلعةٌ نافقةٌ وتجارةٌ بائرة.