فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      كان ياما كان ..السلفيون والإخوان!

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      كان ياما كان، رجلٌ إبتلاه الله بالفقر وقلة المال، فلا يكاد يجد قوت يومه إلا بالكاد. ما كان بالرجل إلا أن ارتضى هذا الصنف من العيش واحتسب عند الله، وقعد عن أن يصارع الدنيا وتصارعه، وتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والصلاة، وأعرض عن النساء ومواطن الشهرة، إذ كيف يظهر على الناس في هذه المواضع، رثّ الثياب، مرسل اللحية، أشعث أغبر؟ ومن التي تنظر صوبه نظرة، والنظر يخترقه فلا يكاد يراه؟ فكان محل إكبار الكثير من الناس، لدينه وورعه، وبعده عن مواطن الشبهات.

      ثم يريد المولى سبحانه أن يختبر صدق هذا الرجل في تدينه وورعه، وإعراضه عن الدنيا، وفهمه لدينه وأخذه بعزيمته، فقيد له رجلاً أعطاه ورقة "يانصيب" على أنها جنيه! ثم إذا بهذه الورقة تربح ملايين الجنيهات، وإذا بالناس تتوجه اليه بالتهنئة والتكبير، وإذا بهم يرون فيه مخلصاً من فقر الكثير منهم، ومنجياً لهم من مصائب الدهر التي أرخت عليهم بكلكلها، فحطمت آمالهم، وولت عليهم شرارهم، يمتصون دماءهم ويضربون أبشارهم.

      ما كان من هذا الرجل، مُحدث النعمة، إلا أن سعى إلى علية القوم، واشترك في أنديتهم ومجالس ملئهم، زاعماً للناس الذين وثقوا في ددينه وورعه أنه إنما يريد أن يبحث أوضاعهم مع هؤلاء الملأ والعِلية، وأن يتقرب اليهم ليتجنب شرهم!

      توقع الناس، الغلابة من الناس، أن الرجل سيكون عوناً لهم ضِدّ من حرموهم العيش، فإذا به يبدل ثيابه، ويغير خطابه، ويسعى إلى مجالس القوم يسألهم الشّراكة، ويعدهم بالإلتزام بقواعدهم التي وضعوها، ومراسيمهم التي رسموها، وأن لا يخرج عليهم، مهماً فعلوا، به أو بالناس من حوله. أعطاهم الأمان، قبل أن يظهر منهم ما يؤتمنوا به، ومنحهم ثقته وهم لا يزالون يُشهّرون بالفقر والفقراء، وقد كان منهم.

      حين رأي الناس فعل الرجل، عرفوا أنهم قد خُدِعوا فيه، حَسِبوه وَرِعٌ، فإذا به وَرَعاً (بفتح الراء هو الرجل الجبان أو الولد الضعيف الذي لا غناء فيه انظر اللسان). عرف الناس أنّ الرجل ما امتنع عن مخالطة أهل السوء والإعراض عنهم إلا عجزاً لا حجزاً، ووُرْعَا لا تورّعاً. فانفض عنه الناس، وبَعُد عنه أهلُ الفضل ممن حلمهم علم وعلمهم حلم، وحديثهم فعل، وفعلهم قوة وفضل ممن لا يتبدل بهم الحال وإن واتتهم فرصة مداخلة الطُغاة الظلمة.

      هكذا حال الذي بدل ثيابه من الجلباب إلى ربطة العنق، وبايع من حاربوا دين الله، على الطاعة والثقة، وأقرهم على ما هم فيه، متعللاّ بالصبر مرة، وبالثقة مرة، وبدرء الفتنة مرة، وبالتغيير من الداخل مرة. وكيف يتسنّى لمن هو جزء من الفساد أن يغيّره؟ متى وأين حدث هذا في تاريخ البلاد والعباد ؟

      أما أخاه الآخر، الذي صاحب الفساد، وخالل الطغيان، ردحاً من الزمان، متعللاً برغبة في الإصلاح، وأمل في التغيير، فقد تناسى ما لحقه من هوان، ومن لاقاه من ذُلٍّ، على يد هؤلاء الذين يسوقون الناس اليوم لتقنين الفساد وتكريس الطغيان. وهو يظن أنه أذكى من عدوه، لا والله، بل عدوه أذكى وأقوى وأمكر منه، وكيف يقف الأوْراعُ في وجه الخِباّن؟ اللهم إلا القوة والثبات على الحق، لا غير.