فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      طه جابر علواني - عقل البدعة وبدعة العقل - الجزء الأول 1-5

      (1)

      آخر من الآخرين، ومثال من التائهين، وعلمٌ من البدعيين مشين، تسمع لكلامه وتطالع كتاباته فتظن للوهلة الأولى أنك أمام رجل ينافح عن الإسلام وينصر دين الله الذي أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن زيف نقده ظاهر للصيرفيّ العليم بمضارب البدعة ومذاهب الضلال ومناحي الإنحراف، يُقدم سُمّه مخلوطا باسم التجديد والشمولية والإستدلال وما إلى ذلك من معانٍ لا تغنى من جوع إلا إن عُرّفت حدودها وقُيدت مطلقاتها. طه جابر علواني، مدير معهد الفكر الإسلامي "الإعتزالي" بواشنطن.

      والرجل، ومعهده، من أركان الإعتزال وناشطى البدعة في عصرنا الحاضر. والحديث عن البدعة، كما ذكرنا في مقدمة كتابنا عن المعتزلة[1]، ليس ترفا فكرياً أو أثراً من آثار الماضى، بل هو واقع نعيشه ونتجرّعُ غُصَصَه ونعاني من آثاره من رجالات الإعتزال كمحمد عابد الجابري ومحمد عمارة وطه علواني، ومن قبلهم الأفغاني الإيرانيّ ومحمد عبده وأحمد أمين وغيرهم ممن اتخذ هذا النهج هادياً مضلاً.

      وقد بدأ موقع "إسلام اون لاين[2]" نشر لقاءات مع طه يتحدث فيها عن معالم نظرية فكرية جديدة لمراجعة التراث الإسلامي! وهذا هو ديدن هؤلاء، يدْعون إلى المراجعة والتبديل والتغيير وكأن دين الله وحكمه وشرعه قام في أرضنا، وثبت بالتجربة عدم صلاحيته وضرورة تجديده ومراجعة عناصره!

      وقد اتضح من الحلقتين الصادرتين أن الرجل لم يغيّر منهجه الإعتزاليّ في الإعتداء على السنة وإنكار حجيتها والتعدى على مكانتها من التشريع الإسلاميّ، وهو، كبقية البدعيين، يرى في نفسه عالِماً مجدِداً رافعا لشعار العصرية في زمنه، وأنّ الإسلام الذي استقر عليه المسلمون، عامتهم وعلماؤهم، من أهل السنة والجماعة يحتاج إلى عقله الواعي المجدد ليقرر ما يقرر وينفي ما ينفى ويمحو ما يشاء ويثبت من ثوابت العقيدة أو مقررات الشريعة وأصولها. والرجل لا يعلم أن دعوته قديمة قدم الدولة الأموية، فليس لها بالتجديد والجدّة نصيب، وأن أسلافه ومشايخه الذين سبقوه وانقطع بهم الطريق من أمثال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وثمامة بن الأشرس وغيرهم من رجالات الإعتزال لم يكن لهم نصيب من الشهرة إلا في دائرة من هم على طريقهم قديما وحديثاً.

      وسنبين في هذا السلسلة من المقالات خطل ما ذهب اليه طه في حديثه، فالرجل يتخبط فيما يحاوله تخبط التائه الحائر، فمن جهة يحاول جاهدا أن ينكر أنه منكر للسنة أو جاحد لحجيتها، ومن جهة أخرى يردّ السنة رداً صريحاً بل ويخلو استشهاده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما يدل على مذهبه الأعوج بجهة العموم. والرجل يستشهد بالشافعي وينسى أن الشافعي هو ناصر السنة ومؤسس أصول الفقه التي يبغي الخروج من حدودها. كذلك سنوضح بطريق مجمل ما بيناه من قبل من أصول مذهب الإعتزال ليعلم القارئ أن منهج هؤلاء واحد وأنهم وأسلافهم ضالون حائدون عن الجادة التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

      فلا يغرّنك قوله "نعم.. السنة حجة لا يمكن الاستغناء عنها.. كيف يمكن الاستغناء عنها؟"! إذ يبين بعدها – بخبث معهود – أنّ الأمر يتعلق بمفهوم السنة التي يعتبرها حجة!! إذن فالسنة كما نعرفها وعرفها المسلمون على مدى تاريخنا ليست هي الحجة التي لا يمكن الإستغناء عنها!! بهذا الإلتواء يعالج هؤلاء السمّ الذي يخلطونه بالدسم وكأنهم فاتحون في مجال الفكر الإسلاميّ!!

      وأول ما سنبدأ به ما جاء في الحديث عن " مشروع مراجعة التراث الإسلامي" ومفردات ما ذكر من:

      • قضية ختم النبوة ونزول المهديّ والمسيح عليه السلام.
      • مفهوم تداخل الأديان
      • مفهوم السنة وإنكار استقلاليتها بمحاولة إدخالها تحت القرآن وإنكار أنها الحكمة.

      (2)

      وبادئ ذي بدء، نقرر أنّنا لا نعترض على أن يناقش الرجل موضوع المهديّ من الوجهة الحديثية، أو أن يضعّف أو يصحح ما جاء فيه طالما أنه يسير على طريق منهجيّ في هذا الأمر، وطالما أن لديه الأدوات اللازمة لهذا اللون من النقد. لو أنه تحدث عن زيدٍ أبا الحوارى (أو بن الحوارى)، المعروف بزيد العَميّ، أحد رواه حديث أبي داود المعروف عن المهدي، وتضعيف بعض أئمة الحديث له لكان خيراً له ولما أثار حنقاً أو إعتراضاً، ولكن الرجل لا يأبه بضعف سند أو صحته، ولا بما أورد البخاري أو مسلم، بل لا يأبه بمنهج أهل السنة والمحدثين في نقد الحديث جملة وتفصيلاً، إنما هو يقـْدُم إلى هذا المجال بمنهج قديم جديد كما ذكرنا، يضعه تحت عنوان "مراجعة التراث"، ويخرج بتعريف جديد للسنة ويسميها "السنة القرآنية". وهو عرض جديد لمذهب الإعتزال القديم الذي ينكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد بطريق الآحاد.

      ويتلخص مذهب هؤلاء فيما أطلقوا عليه الأصول الخمسة وهي "العدل" ويعنى نفي القدر وأنّ العبادَ خالقون لأفعالهم دون الله سبحانه، ، و"التوحيد" ويعنون به نفي صفات الله سبحانه الثابتة، و"المنزلة بين المنزلتين" وتعنى أنّ العاصى ليس بمسلم ولا بكافر!، "ومبدأ "الوعد والوعيد" وهو أن الله سينفذ وعده ووعيده، ونظرية "الصالح والأصلح" وتعنى أن الله سبحانه لا يفعل إلا الصالح لعباده ولا يفعل الشر بل ولا يقدر علي فعله! ثم قاعدة "التحسين والتقبيح العقلي" وتعنى أنّ الأشياء بها حسن وقبح ذاتيين لا تحتاج إلى تشريع لإثبات حسنها أو قبحها.

      وهذه القواعد الإعتزالية قد قضت على أصحابها نهجاً معيّناً في النظر إلى نصوص الشريعة ليمكن لهم إثباتها، ومن هذا النهج إنكار غالب ما ورد من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها أحاديث آحاد[3]، ولهذا لم يقيموا وزناً لما رواه البخاري أو مسلم أو ما سحّ من سند أو ضعف كما ذكرنا، إذ إن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة لا تقرّ لهم بما أرادوا، فما كان منهم إلا أن ردّوها بزعم معارضتها للعقل، ولا نعلم عقل من بالذات، إذ العقل ليس بكائن خارجيّ متفرد يقبع على رفّ من الرفوف في برج عاجيّ يقبل ويرفض، بل هو عقل من يتحدث ويقبل ويرفض، لا أكثر ولا أقلّ. فإسباغ صفة القدسية عليه بتجريده عن حامله أولا وبإطلاقه عن الموجودات ثانيا خطأ منهجي وقع فيه الكثيرون على مدار القرون. ومنهم، وأرى أنّ صاحبنا طه من هؤلاء رغم إنكاره لذاك، من أنكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها تعارض القرآن، وأنّ المصدر الأصلي للتشريع والعقائد هو النصّ القرآني وحده، ولم يخطر لهم أن القرآن قد نص على ضرورة إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداءاً في قوله تعالى: "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله" إذ إن ذلك يقتضى طاعة مستقلة لله سبحانه وللرسول صلى الله عليه وسلم وإلا كانت الآية تقول أن من أطاع الرسول فيما أمر الله فقد أطاع الله! وهو معنى وفروغ منه لا يستدعى نصّاً قرآنياً لمن عنده عقل! ولم نرد إلى الإشارة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وأبي داود وأحمد: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَابِرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أريكته فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَاِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ‏"‏ الرواية للترمذي.[4]

      وهذا النهج في النظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهّ بما يُظن أنه معارض له من كتاب الله هو ما سنتحدث عنه فيما يأتي من مقال إن شاء الله تعالى.

      (3)

      ونبدأ بذكرٍ مختصرٍ لما يراه أهل السنة في تلك الأصول الخمسة التي يدندن حولها من يدّعى العقل والعقلانية. فمبدأ "العدل" لا يعنى عند السنة إنكار القدر الإلهي، بل يعنى أن الله سبحانه حين يقدّر، يقع قدَرُه وفق العدل المطلق وإن لم نتمكن من رؤيته آنياً. والله سبحانه "خالق كلّ شيئ" خيره وشرّه، حُلوه ومرّه، وخلقه فتنة للناس خيره وشره، حُلوه ومرّه حسب قدره الشرعيّ سبحانه، وأفعال العباد هي من قدره الكونيّ الذي لا يهيمن علي كلّ موجودات الكون بما فيها أفعال العباد، فلا يفعل عبد فعلاً إلا ضدّ إرادة الله سبحانه، وإن كان شراً فالله لا يرضاه كما قال "ولا يرضى لعباده الكفر" وإن ترك العبد يفعله كان قد وقع تحت المشيئة الكونية لا خارجها. أما عن "التوحيد" فيعنى عند أهل السنة توحيد الله في ربوبيته بلا شريك ولا ولد، وتوحيده في العبودية له فلا حكم إلا حكمه ولا ولاء ولا نسك إلا له سبحانه. أمّا عن أسمائه وصفاته فهي ثابتة على ما وصفه سبحانه على لسان رسله نثبت منها ما أثبت كالعلم والسمع والبصر والحياة واليد والوجه والغضب والرضا، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه كالشريك والنظير ونسب البنات والجن والملائكة. أما عن "المنزلة بين المنزلتين" فلا أصل لها إذ إن العاصي المسلم لا يكفر ولا يخلد في النار خلود الكافر المشرك، بل هو في نار الموحدين إلى أن يأذن الله بدخوله الجنة إن كان على التوحيد. والله سبحانه يفعل الصالح لعباده وإن كان قادراً على كلّ شيئ بلا استثناء. أما عن "التحسين والتقبيح" فإن أهل السنة يؤمنون بأنّ الله سبحانه قد خلق في الشياء حسنا وقبحا أصلياً ولكنّ هذا الحسن والقبح قد لا يُدْرَك في بعض الأحيان بمجرد العقل والفطرة، وإنما الشرع هو الحاكم في هذا الأمر، فيؤكد ما استقرت عليه الفطر وما هدى اليه العقل. ذلك هو ما ذهب اليه أهل السنة في تلك الأصول البدعية التي تناسب أغراض المعتزلة.

      ثم، عودة إلى ما قال طه علواني، فقد ورد الحديث بمعناه عن مسلم وأبي داود وأحمد. ففي صحيح مسلم عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَا: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ

      وعَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ ‏‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏زَائِدَةُ ‏ ‏فِي حَدِيثِهِ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ اتَّفَقُوا ‏ ‏حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ‏ ‏يُوَاطِئُ ‏ ‏اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي ‏ ‏زَادَ ‏ ‏فِي حَدِيثِ ‏ ‏فِطْرٍ ‏ ‏يَمْلَأُ الْأَرْضَ ‏ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏فِي حَدِيثِ ‏ ‏سُفْيَانَ ‏ ‏لَا تَذْهَبُ ‏ ‏أَوْ لَا تَنْقَضِي ‏ ‏الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ ‏ ‏الْعَرَبَ ‏ ‏رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ‏ ‏يُوَاطِئُ ‏ ‏اسْمُهُ اسْمِي ‏ . رواه ‏ ‏أَبُو دَاوُد ‏ ‏

      ‏وعَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْمَهْدِيُّ مِنِّي ‏ ‏أَجْلَى ‏ ‏الْجَبْهَةِ ‏ ‏أَقْنَى ‏ ‏الْأَنْفِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ ‏‏ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ -‏ رواه أبو داود

      وعَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَكُونُ مِنْ أُمَّتِي ‏ ‏الْمَهْدِيُّ ‏ ‏فَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ عُمْرُهُ عَاشَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ ‏‏ قِسْطًا وَعَدْلًا وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا وَتُمْطِرُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا - رواه أحمد

      ‏وعَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا ‏ ‏وَجَوْرًا ‏ ‏ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏عِتْرَتِي ‏ ‏يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا - رواه أحمد

      ‏وعَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏قَالَ ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏عِتْرَتِي ‏ ‏أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ‏ ‏يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا ‏ كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا - رواه أحمد

      وما جاء في مسلم، وهو مقطوع له بالصحة عند أهل السنة حسب قواعد الحديث التي لا يأبه بها طه وأمثاله، وإن لم يصرّح فيه بالمهديّ إلا إنه يعضد ما رواه ابو داود وأحمد بلا خلاف.

      وقد صحّح حديث الخليفة المهديّ جهابزة علماء السنة كابن القيم في "المنار المنيف" والجلال السيوطي في "الحاوى للفتاوى" وبن كثير في "النهاية" وبن حجر في "الصواعق المرسلة" والآلوسي في "غالية المواعظ" والشوكاني في " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح"، كما وردت أحاديثه عن مسلم وأبي داود والترمذي وأحمد وبن ماجة والطبراني وبن أبي شيبة وغيرهم.

      والخليفة المهدي عند أهل السنة ليس هو مهديّ الرافضة الذي يتمحك بذكره طه العلواني ليلفت السنة عن صحيحها، كما سنبين فيما يأتي من قول إن شاء الله تعالى.

      (4)

      وعقيدة الرافضة في المهديّ تختلف عن عقيدة المسلمين من أهل السنة شكلاً وموضوعاً، وتنبع من سخافة الإمامية التي تؤمن بأن أئمته الإثني عشر هم أوصياء الأمة وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسبغ عليهم من الصفات ما يجعلهم أعلى رتبة من رسول الله صلى الله عليه وسلمـ إذ يعلمون الغيب ولا يموتون إلا بإذنهم، كما هومنصوص عليه في بخاريهم المعروف بالكافي للكلينيّ وهو محشو بالأكاذيب. ثم أنهم يرون أن المهدي هو الغائب المنتظر حسب عقيدتهم الصبيانية في أنه محمد بن الحسن العسكريّ وأنه دخل الغار وهو بن أربعة سنين، وأنهم ينظرون رجوعه أو "فـَرَجَه!" فهو بالنسبة للرافضة معلوم منتظر، وهو يحكم بين الناس بحدم داود أي بالعهد القديم للتوراة لا بالإسلام حسب حديث شيوخهم الكذابين الكافي والمفيد. أما المهدي عند أهل السنة فهو إمام خلعادل يخرج في آخر الزمان في وقت خروج عيسى عليه السلام يحجم بالعدل ويقسط بين الناس لا أكثر ولا أقل، فما لطه يفقه حديثاً إذ يقرن بين ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح في مسلم وما جاء في سائر الأحاديث التي يقوى بعضها بعضاً، وبين ما خرج من تخاريف الرافضة الذين يحيون مذاهب الفرس ودين المجوس بتلك الخرافات عن الغائب المنتظر الذي يسكن الكهف من أكثر من ألف عام!

      نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام

      أمّا عن نزول المسيح عليه السلام فهو مما ثبتت فيه أحاديث صحيحة عديدة واستقرت عليه عقيدة المسلمين وهو من علامات الساعة، روى مسلم في صحيحه: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ اَبِيهِ، عَنْ اَبِي هُرَيْرَةَ، اَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالاَعْمَاقِ اَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ اِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ اَهْلِ الاَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَاِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ‏.‏ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لاَ وَاللَّهِ لاَ نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اِخْوَانِنَا ‏.‏ فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ اَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ اَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ اِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ اِنَّ المسيح قَدْ خَلَفَكُمْ فِي اَهْلِيكُمْ ‏.‏ فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَاِذَا جَاءُوا الشَّاْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ اِذْ اُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَاَمَّهُمْ فَاِذَا رَاهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ.

      وروى البخارى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ‏"‏‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ‏"وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا"‏

      كما روى البخارى كذلك: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ‏"‏‏.‏ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ‏.‏

      وروى أحمد في مسنده قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ فُرَاتٍ[5]، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ فَقَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْنَ عَشْرَ آيَاتٍ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدُّخَانُ وَالدَّابَّةُ وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَالدَّجَّالِ وَثَلَاثُ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ أَوْ تَحْشُرُ النَّاسَ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا‏.‏ ورجاله ثقات.

      وروى الترمذيّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ‏"‏.‏قَالَ أَبُو عيسى(الترمذي) هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏.

      فهذه أحاديث ثابتة واضحة رجالها ثقات عدول، يعنى أنّها صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يضع لها ذلك القبول عند أمثال طه علواني وحسن الترابي ومن على شاكلتهم من "العقلانيين" بلا عقل؟ اللهم لا. ولنرى ما زعم طه أنه سبب في رفض هذه الأحاديث.

      (5)

      والرجل قد اختلط عليه الأمر فزعم أولا أن المسلمين يعتقدون أن المهدي نبيّ آخر من أنبياء الله! وهو جهل فاضح يبين مدى ما عليه أمثال هؤلاء "العقلانيين" – بزعمهم – من قلة إطلاع علي العقيدة والشريعة جميعاً، وهو ما يدفعنا إلى الضحك من هذا "الشرلتان" – على حدّ تعبير إمامنا العلامة محمود شاكر[6]- الذي جاء ليعلم المسلمين أن القرآن ينصّ على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء! يقول طه في حديثه: "فحينما يقول تبارك وتعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}، فذلك يعني أن القرآن قد نص على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. ولو علم الله تبارك وتعالى أنه ما زالت هناك حاجة إلى نبي أو إلى رسول بعده ما قال: {وما كان ربك نسيا} لكان بشر بهذا القادم في كتابه الكريم كما بشر موسى وعيسى بمجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن القرآن الكريم بشر بأن النبوة انتهت وأن الدين اكتمل {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}”. عجب من العجب وجهل ما بعده جهل. الرجل يرد هذه الأحاديث بوهم مزرىّ يعلم أطفال المسلمين حقيقته! ومن الذي أنكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء!

      كذلك، فهو يردد – بطريقة فجّة - ما قالته المعتزلة من قبل بشأن أحاديث الآحاد ويفتخر بأن فتوى للأزهر تتحدث عن أقوال العلماء في منكر أحاديث الآحاد لا تعتبره كافراً! ما شاء الله، طه يفخر بأنه خرج من دائرة الكفر إلى البدعة! ونسأل صاحب البدعة سؤالاً: لو أنّ خبر الواحد لا تقوم به حجة، كيف تقبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول واحد؟ أما كان الواجب أن يسأل العقلاء من أمثاله أن يطلبوا أن يرسل الله سبحانه أكثر من رسول لتتواتر صحة الرسالة وتقوم على الناس الحجة اليقينية!؟ أليس يعنى هذا المبدأ الذي يتخذه طه وأمثاله ديناً أنّ الله سبحانه لم يقم الحجة القطعية اليقينية على الناس بإرسال رسله واحداً كلّ مرّة! هذا هو دين طه وأمثاله.

      والرجل يزعم أنه "من حقي ألا أقبل أحاديث ما، قديكون صح سندها عند غيري(وغيره هو البخارى! فافهم!)، لكني اكتشفت في السند عيبا، أو صح متنها عند آخرين ونقدت المتن واكتشفت به عيباً، وفقاً للمنهج الأصولي، كما فعلت في حديث الردة حديث (من بدل دينه فاقتلوه) درست جميع طرقه وكما درست طرق حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وكما درسنا حديث (ستفترق أمتي على بضع وسبعين شعبة). والرجل ليس من أهل الإختصاص حتى يكون من حقّه أن يقبل ويرفض من الحديث، ولنرى موضع ما أنكر من الحديث:

      روى البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقتلوه. ومحمد بن الفضل السدوسيّ أبو النعمان المعروف بعارم، وهو الفضل الصدوق المأمون، قال أبو حاتم: إذا حدثك محد بن الفضل فاختم عليه. وقال النسائي: كان أحد الثقات، وروى عنه الأكابر كالبخارى وأحمد. وكان سليمان بن حرب يقدمه على نفسه. وقد اختلط في آخر عمره - حوالى أربعة سنوات – وهو ما ذكره البخارى، وروايته قبل اختلاطه. فلا يحتج بإختلاطه في آخر عمره فالبخارى أثبت ذلك ولو كانت روايته قبل ذلك ما نقلها. ثم حماد بن زيد بن درهم الأزديُّ: قال عبد الرحمن بن مهدي: أئنة الناس في زمانهم أربعة: الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وخماد بن زيد بالبصرة. وقال أحمد بن حنبل: حماد من أئمة المسلمين، ووثقه بن معين وبن عيينة وأقطاب علماء الرجال كافة، فلا مجال للحديث عنه أبعد من ذلك. وايوب وعكرمة أجلّ من ان يتحدث فيهم إمرء.

      وروى بن ماجة: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏(‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ‏)‏‏.‏ ومحمد بن الصباح أبو جعفر مولى عمر بن عبد العزيز، روى عنه ابي داود وبن ماجه، وحسنه بن معين، وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابو زرعة ثقة، وذكره البخارى وبن حبان في الثقات. تهذيب التهذيب ج9ص196. ثم سفيان بن عيينة وأيوب السختياني وعِكْرمة أجلّ من أن يتحدث فيهم إمرء. والحديث رواه أبي داود في سننه عن أحمد حنبل.

      ثمّ حين ننظر في متن الحديث، فإن الأمم كافة تقتل المرتد عن قوميته الموصوم بالخيانة العظمى، وهو أمر لا يجادل فيه طه وأمثاله إذ هو قانون وضعيّ لا يجرؤون على منافحته، والإسلام، إن فهم طه وأمثاله، هو جنسية المسلم التي يوالى عليها ويعادى عليها، فإن إرتكب الخيانة العظمى وتخلى عن هذه الجنسية الفريدة فلا جزاء له إلا القتل ليكون عبرة لمن أراد أن يخون أو يغدر بجنسيته وأهله. فبأي نظر نقد طه المتن والسند، إلا بنظر الهوى والبدعة. وقد طفحت كتابات قاصرة لأنصاف العقلاء من امثال أحمد منصور والشربيني عاشور وجمال البنا وغيرهم بإنكار حدّ الردة وبسبّ عكرمة راوى الحديث عن بن عباس، وبتكفير الأوزاعي محدث الشام راوى حديث "..التارك لدينه المفارق للجماعة"، فطه ليس بدعاً بين أهل البدعة بل هو بينهم في أهله وعشيرته.

      وقد سبق طه من أهل البدعة كثير تصدى لهم أهل السنة في حاضرنا المعاصر وبينوا جهلهم واتباعهم للمستشرقين مثل محمود أبي رية في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" التي سار فيه سير المستشرقين والمعتزلة من أعداء السنة. وقد تصدى له العلامة الدكتور مصطفى السباعي فشتت شمل ما جمع وشرّد ما آوى من بدع. واسرع إلى تنبيه الشباب إلى مرجعين أساسيين لمن أراد أن يتعرف على حقيقة هذه البدعة المنكرة وتفصيل الردّ عليها وهما "السنة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ" للشيخ الدكتور العلامة مصطفى السباعي، و"دفاع عن السنة" للشيخ الدكتور محمد أبو شهبة، ففيهما خير كثير عميم إن شاء الله تعالى.

      ثم يأتي طه بكائنة ثانية يفسر بها موقفه من السنة النبوية، وهي ما يشيعه من تبديل لدين الله تحت مسمى "تداخل الأديان".

      [1] المعتزلة بين القديم والحديث، مقدمة ص5: http://www.tariqabdelhaleem.com/book.php?cat=1

      [2] ولا نعلم الفائدة التي يرجوها "إسلام اون لين" من نشر هذه الترهات الخبيثة!

      [3] حديث الآحاد في مصطلح الحديث هو الحديث الذى رواه آحاد الرواة الذين لم يبلغ عددهم حدّ التواتر، ولا يعنى كما يظن البعض أنه روى عن واحد فقط. ومما يجب أن يذكر هنا أن مفردات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كلها تشريع وهو ما يستحيل عقلاً أن يجعل كلّ أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم معروضة على جمع وفير يصل حدّ التواتر وإلا كان يلزمه صلى الله عليه وسلم أن يحيا حياته معروضة على الناس أجمعين بل هو كما صح عن عائشة رضى الله عنها فيما رواه الترمذي: أنها قيل لها : ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر ، يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه ،وهو حديث صالح الإسناد ، أخرجه الترمذي في كتاب "الشمائل"! ولمّا كان العقل – ذات العقل الذي يدعيه هؤلاء نبراساً لهم – يقرّ أنّ خبر الآحاد مقبول صحيح إن صدق رواته ودقتهم في النقل.

      [4] والحديث حسن لغيره وله شاهد عند أبي داود إذ الحسن بن جابر اللخمي وعبد الرحمن بن أبي عوف مستورى الحال. والحديث عند أحمد بسند صحيح.

      [5] وفرات هو أبو محمد فرات بن أبي عبد الرحمن القزّاز التميميّ، قال يحي بن معين والنسائيّ والعجليّ: ثقة. تهذيب التهذيب ج8ص226.

      [6] أباطيل وأسمار، محمود شاكر