فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      في السياسة الشرعية .. مثال الشيخ حازم أبو إسماعيل

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      لعل سائلاً أن يسألَ عن الفَارق بينى وبين الشيخ الفاضل حازم أبو إسماعيل، وفقه الله في مسعاه، لماذا يجدُ في حديثى هجوماً على الإخوان وأدعياء السلفية، ولا يجد في حديثه مثل هذا الهجوم؟ أيدلّ هذا على إختلاف بينى وبينه في الرؤية والنظرِ؟ أو في الشَخصيّة أوالمُنطلق؟

      أقول أولاً، الحقٌ أننى أرى أن ما يظهر من إختلافٍ في نبرة الحديث عن هذه التجمّعات والأحزاب، بينى وبين الشيخ الجليل، هو إختلافٌ مشروعٌ مطلوبٌ، يمثلُ للناس ما يجب أن يكون عليه رجل العلم وما يجب أن يكون عليه رجلُ السياسة في الإسلام. وهو، لمن فحّص النظرَ، أمرٌ لم يتهيأ أن يظهر في واقع حياتنا من قبل في العقود الكثيرة السابقة، إذ لم يتهيأ للمسرَح الإسلاميّ رجل سياسة على دينٍ من قبل، كما أن الفرصة لم تكن مُتاحةٌ من قبل لرجلِ علمٍ وحقّ أنْ يتحدث في السياسة، إلا موالى الطاَغوت كعلى جُمعة أو أحمد الطيّب وأضرابهما.

      رجل العلم هو الذي يقع على عاتقه شرحَ مبادئ الإسلام وضَوابطه وحدوده، ثم أن يتبع ذلك ببيان ما يكشِفه للنّاس في واقع أمرهم كشفاً ظاهراً بيناً واضحاً لا غبش فيه ولا مُماحكة، قال تعالى "وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ" آل عمران 187. والبيان، إذا أحسنّا الفهم عن الله، كلمةٌ لا تستعمل في الشرح النظريّ المجرد، لكن في التمثيل والتدليل، فهي أعمق وأبعد حداً من الإيصال، بل ومن الشرح. أيّ أن إيصال المعلومة أقلُ من شرحِها، وشرحُها أقلُ من بيانِها، كما ثبت في بن ماجة والدارميّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ"، ففي هذا الحديث ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد صَنّف المتحدثين بالعلم إلى ثلاثة أصنافٍ، أولهم حامل علمٍ فقيه، ثم من هو أفقه من حامل الفقه، وثالثهم حاملُ الفقه. فإذا رجِعنا إلى ما ذكرتُ آنفاً وجدتَ أن حَامل الفقه هو من يوصِلُ المَعلومة، أو الحديث أو الآية من الدين، ثم الأفقه منه هو من يشرحُها ويأتي على معناها فقهياً ولغوياً، ثم حامل العلم الفقيه هو الذي يبيّنها للناس، وهو الذي يعكسها على الواقع، فيُبيّن للناس، في ضوئها ودلالتها، ما هم فيه، وما يجب أن يكونوا عليه.

      وحامل الفقه، وصاحب الفقه والفقيه، كل من الثلاثة، له جمهوره ومستمعيه، على إختلاف درجات الناس في طلب العلم وفهمه، وقد نتعرض للحديث عن هذا الأمر تفصيلاً فيما يأتي من حديث في مقال آخر بإذن الله.

      وآسف لاستطرادى في هذه النقطة التفسيرية، لمّا رأيتها لازمة لما نحن فيه. أقول، حين يتحدث الفقيه، فإنه لا يسعه إلا أن يذكُرَ الحقّ، كلّ الحقّ، إلا في أقلّ القليل من الحَالات الخاصة التي يقدّرُها درءاً لمفسدة، لا جلباً لمَصلحة، والفرق بينهما كبيرٌ وعزيزٌ عن الفهم المتسرع، ولكن ليس هذا مجال التوسع فيه.

      أما رجل السياسة، المسلم صاحب العلم، كالشيخ حازم أبو إسماعيل، فإنه يتعرض لجمهورٍ آخر، يريد أن يصل به إلى غايةٍ أخرى، تختلف قليلاً عن غاية الفقيه، وإن إتحدتا في الوجهة والمَقصد. فرجل السياسة، يتعرضُ في حديثه لكلّ طبقات الناس، معاً، لطالب علم، وعالمٍ، وجاهلٍ، بل ونصراني مشرك. فهو يتحدث إلى "العامة" بأوسع معانيها. منهم من يفرق بين درجاتٍ العلم التي ذكرنا، ومنهم من لا يفرق. وهو يريد أن يَجمعُهُم على حركةٍ موحدة، وعلى رأي واحدٍ، في إتجاه واحدٍ، ما أمكن. ومنهم من ينتمى لجماعة ومنهم من يتعصب لفريق أو شيخ طريقة. وفي هذا المجال، يملى الإسلام على رجل السياسة ما لا يمليه على العالم الفقيه، وهو أن لا يذكر إلا حقاً بمقدار ما هو مطلوب دون توسعٍ إنْ تعلق الأمر بالنقد. وبيان الواقع وتنفيد فرقه وأشياعه وأحزابه هو مما يمليه الإسلام على العالم الفقيه، وليس حتماً على السياسيّ المسلم. إنما ما هو حتمٌ على السياسيّ أن لا يتعاون أو يوالي أو يداهن أو يتمحّك في فرقة أو جماعة ليست على الحق، نظرياً أو عملياً. لا ينتقدها ولكن لا ينتصر لها. وليس كلّ ما يُعرف يقال، وكما جاء عن السلف، من تحدث "يعنى إلى العامة" بكل ما يعرف فهو أخرق.

      فالجمع الجماهيريّ يختلف عن مجالس العلم، شكلاً وموضوعاً. وهو ما أدركه الشيخ الفاضل صلاح أبو اسماعيل، فقال قولة الحق لم يحد عنها، ثم ابتعد عن النقد لمّا لم يجد له إلا مفسدة لغرضه إن طُرح على العامة.

      العالم الفقيه إذن، والسياسيّ المسلم، كلاهما على طريقٍ واحدٍ، هو إتباع الحق والحديث بالحقّ، كلّ في مجاله، وكلّ في موقفه ولأهله.

      ولم أقصد والله ان أضع نفسى موضع العالم، يعلم الله أني لا أدعى هذه المرتبة، ولا أقل منها، ولكنى أردت أن أبيّن أمرين، أولهما، أنه إن ثبت صلاح المرء، لا يجب أن يُضرب كلامه بكلام أخيه، إلا إن تعذر التوفيق. وثانيهما أنّ السياسة الشرعية في الإسلام، لها مفهومها ومجالها، وأن السِياسي المُسلم يختلفُ عن السياسيّ العلمانيّ، بأن هذا الأخير يكذب ويضلل ويحاور ويناور، ويتبنى وجهة اليوم، ثم يتبنى خلافها في اليوم التالي، ويعمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فهو كاذب خسيسٌ غير مؤتمن، بلا إستثناء أحدٍ منهم.

      وفق الله الشيخ حازم ابو إسماعيل إلى صلاح الأمة، وشدّ عضُده، وأعانه على العدو، الظاهر والخفيّ.