فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشخصية الإخوانية .. بميزان قراراتها

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      الحديث عن التخبط والتردد وغبش الرؤية وعفوية القرارات، الذي بات علماً على سياسة القائمين على الجماعات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين وحزبها، قد أصبَح مكروراً مملاً للقارئ والكاتب جميعاً. وأحسَب ذلك عَيباً في الطّرفين كلاهما، الطرف الفاعل وهم مصدرى القرارات، والطرف المتلقّي، وهو الجمهور، عامته وخاصّته.

      أما عن الطرف المُتلقى، فإننا قد تعوّدنا منهج التعامل مع الأحداث بطريقةٍ "الفعل ورد الفعل". أعنى أنَّ كلَّ قرارٍ أو تصريحٍ يصدُر عن شخصية هامة أو جَماعة عامة، فإننا نتناولها، كأنها جاءت معزولة عن سابق تصريحاتها، أو إنها لن تؤثر على آنف قراراتها. وهو أمرٌ جِدّ خطيرٍ، خاصة حين يكون ممّن يَكتبُ في السّياسة أو يتناول تحليل معطيات الواقع. فالقرارات أو التصريحات هي جزء من كلٍّ شخصٍّ عامٍ، سواء كان شخصية حقيقية، أو شخصية إعتبارية. لذلك لا يجب عزله عما سبقه، أو عمّا يأتي بعده. ولهذا تجدُنا نندَهش أشدّ الدهشة، ونتعجّبُ أشد التعجّب، حين يأتي قرارٌ أو تصريحٌ بما لم نتوقع، من حيث لا محلَّ للدهشة أو التعجب على الإطلاق. الأمر إننا لم نصِل النقاطُ بعضها ببعض، ولو فعلنا لتوقعنا ما يأتي بأقرب ما يكون التوقع، بحسب القدرة الإنسانية. ولهذا يختلف المُحللون في قوة تحليلهم ورؤيتهم للواقع، كلٌّ بحسب إعتباره للماضى السالف، والحاضر الواقع.

      أما عن الطَرف الفاعِل، وأقصد المُتحدث بالقرار أو التصريح، فأسارع بالقول أنّ الخبرة ليست عاملاً حاسماً في بنية الشخصية المُترددة المتخبّطة، إذ نرى رأى العين كثيراً ممن لا خبرة لهم بالحياة من صِغار السنّ، ممن هم أوضح وأصح وأحسم مواقفاً من كثيرٍ من أهل السنّ والممارسة. التردد والتخبط هما نتاج عاملين لا ثالث لهما، أولهما الشخصية التى تتكون عبر العديد من العوامل الإجتماعية، والعوامل الخَلقِية. وثانيهما، هو المَرجعية الفكرية التي يرتضيها المرءُ لنفسه.

      الشخصية الإنسانية شديدة التعقيد والتراكب. يتعاونُ على تكوينها تلك الجبّلة الأصلية التي خُلق منها المرء، ثم ما تعرضت له هذه الجبلّة، على مر السنين، مما يقوّى ويؤكّد على أصل خِلقتها، إذ تتخيّر هذه الجبِلة من تجاربها ما يستقيم مع طبيعتها ويساير توجّهها. الجِبلّة المتردّدة، ترى في أحداث الحياة من جوانب التنوع ما يجعلها تزيد من تردّدها ويُعينها على تخبّطها. بينما الجبلة السَوّية ترى في جَوانب التعدّد سَعَة وقدرة على الإختيار، يجعلها مطمئنة لإختيارها بلا تردّد أو خَلط.

      والأخطر على نموّ هذه الخاصّة من التردد والتخبط، ما قد يعترى صاحبها من ظلمٍ إجتماعيّ، سواءاً بالسجن أو الإضطهاد أو القهر، إذ يقوّى هذا العنتِ الإجتماعيّ حاسة التردد والتخبّط، لعدم الإطمئنان لما هو آتٍ تجاهه فيما يتخذ من قرارٍ.

      ثم إنّ وضوح المَرجعية الفكرية للمرء وأحادِيتها، وإعتقاده إياها إعتقاداً جازماً، هو أكبرُ أسباب الحَزم والحَسم في تناول الأمور. لكنّ تعدّد المَرجعيات الفكرية يُسبّب تردّداً شديداً يتمثل في تَراجُعٍ متتالٍ في القرارات. وهذا العامل صحيح في أية مرجعية فكرية يعتقدها المرء، سواءاً كانت علمانية أو إسلامية أو شيوعية أو غيرها، يتساوون في أثرِهم على الشخصية الإنسانية، في هذه الجزئية.

      ثم، إن الشخصية الإعتبارية، هي مجموعة من الشخصيات الإنسانية الفردية مُجتمعة. ولا تجتمع هذه الشخصياتٍ إلا وبينها مُشتركاتٌ أكثر مما بينها من إختلافاتٍ، وإلا ما صبروا على اللقاء والتحاور والإجتماع. فالشخصية الإعتبارية إذن هي مركبٌ من تلك المفردات ، تجدُ فيها كجماعة ما تجدُ في أفرادها، إنْ حَسماً فحسم، وإن تردداً وتخبطاً فتردد وتخبط.

      فإذا إعتبرنا حالة جماعة الإخوان، في ضوء ما ذكرنا، وجدنا تفسير هذا التردد المخيف، والتخبط المُذهل المُحبط في قراراتها. فالعامل الأول، وهو نوعية الشخصيات التي تديرها، يدلنا عليه هذا التردد والتخبط على مرّ تاريخها الحديث، خاصة منذ نهاية السبعينيات، في ضوء القهر الإجتماعي الذي تعرضت له هذه الجماعة، منذ منشأها.

      ثم إن العامل الثاني يبين لنا أنّ هذه الجماعة تختلط مرجعياتها وتتوزع بين إتجاهات عدة. ذلك أن جماعة الإخوان هي "جماعة وطنيةٌ ذات مرجعية دينية"، كما تعلن نفسها، وليست جماعة إسلامية بأي حالٍ من الأحوال.

      وكون الجماعة "وطنية" تعنى أنهم يمثلون الوطن، كقومية، بما فيه من مرجعياتٍ مختلفة متعددة، سواءاً علمانية أو إسلامية أو نصرانية، أو شيعية، أو غير ذلك. وهو ما يبين لنا بوضوح سبب هذا التردد والتخبط المشين الذي تقع فيه هذه الجماعة تباعاً، وهو تعدد المَرجعيات، بلا إخلاصٍ صافٍ لأيِّها.

      والمَرجعية الدينية، أو الإسلامية إن شئت، تعنى أن الإختيار الشخصيّ لأعضائها هو الدين الإسلاميّ. لكن لا تعنى أنها، كجماعة تلتزم بمفردات الدين الإسلامي بحالٍ من الأحوال. وهو ما ذكره متحدثوا الجماعة مرة تلو الأخرى، أن "مبادئ الشريعة الإسلامية" هي المرجعية العامّة للجماعة، وأن هذا ما يسعون لتطبيقه في المجتمع، المبادئ لا الأحكام. وهم في هذا يتطابقون مع الإتجاه العلمانيّ تمام التطابق، مما يؤكد أن الفكر العلماني هو أحد المرجعيات الإخوانية كما أشرنا.

      وهذا التعريف، أو هذا التعرف على جماعة الإخوان، وطبيعتها، هو ما يجب أن نرى في ضوئه ما سبق من تصرفاتها، كما نستشف من خلاله ما يمكن أن نتوقع منها في الأتي من الأحداث.

      ومن  هنا فإن هذا التراجُع المتردّد، عما وقّعه أحد أعضائها، محمد مرسى، الذي يتمتع بلا شك بالقدر الأعلى من التردّد والتخبّط وغبشِ الرؤية وتعدّد المرجعيات، لا يمثل نقطة بيضاء في مواقف هذه الجماعة، بل هو على العكس، يؤكد هذا التخبط والحيرة والتردد، والخلط في المرجعية، والإلتباس في الفهم. كما يؤكد هويتهم الوطنية القومية، التي لا تتبنى المرجعية الإسلامية وحدها، صافية غير مختلطة. وهم في هذا الموقف متجانسين في تصرفاتهم، يترددون ويتراجعون في كلّ واقعة، فهم حاسمين غير متردّدين في التردّد، إن صحّ التعبير. كما إن هذا هذا التراجع، كعادتهم، لم يكن جازماً أو حاسماً، بل ترك الباب مفتوحاً لكافة الإحتمالات والتفسيرات، حتى يأتي موعد التراجع التالي!

      يجب أن لا يُعلّق الإسلاميين المخلصين لدينهم أية آمال على هذه الجماعة، بل يجب أن يشطبوها من دفاترهم، ويخرجونها من حساباتهم، كجماعة إسلامية، حتى لا تتعقد أمورهم، ويرتكنون على ما لا حقيقة له. كما يجب على ابناء هذه الجماعة أن تعرف ما هم فيه من هطرٍ على دينهم ودنياهم جميعاً.