فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مفتاح النصر .. في مـصر - 3

      وإحياء الأمة لا يبدأ إلا بما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نشر مفهوم التوحيد الصحيح بين أبناء الأمة، والسبب في ذلك هو تلك التراكمات العقائدية والفكرية والبدعية التي خيّمت على هذا المفهوم النقيّ خلال قرون عدّة أدّت إلى إزاحة ركنه الركين وأساس العبادة من حياة الناس دون حتى أن يخطر لهم خاطر بهول ما حدث، ونعنى به الحكم بغير ما أنزل الله والتحاكم إلى شرع وضعيّ من وضع البشر. وإعادة هذا المفهوم إلى حظيرة الإسلام ووضعه تحت عباءته هو الهدف الأول من كلّ تغيير صحيح يلائم هذه الأمة ويواكب تاريخها ويتناسق مع حضارتها وعاداتها الراسخة وأصولها الثابتة، وأي محاولة للإصلاح بغير هذا الطريق محكوم عليها بالفشل والسقوط، ولنا في محاولات الإشتراكية الناصرية وحزبها الإشتراكي، والرأسمالية الساداتية والعلمانية المكشوفة الحالية وحزبها الوطنيّ عبرة للفشل الذي يتلازم مع أي ايديولوجية مغايرة للإسلام في بلادنا.

      ثم يأتي من بعد إعادة هذا المفهوم إلى الحياة من جديد، به ومن خلاله، تُبنى كل ناحية من مناحى الحياة التي هُدمت أساسياتها خلال عقود من النهب والتخريب والخيانة والأنانية، بإختصار بكل ما هو مضاد للإسلام.

      وإعادة هيكلة البناء السياسيّ مهمة أولى من مهام بناء الأمة. والهيكل السياسيّ التي يتناسب مع مفهوم الإسلام ويلائم مقوماته، هو هيكل الخلافة. وبناء الهيكل يغاير مغايرة تامة كلّ مذهب موجود على الأرض في ايامنا هذه سواءاً في شكله أو موضوعه أو طريقة تطبيقه. وهو الأمر الذي غاب عن كثير من "الطيبين" الذين راحوا يحاولون إلصاق الهيكل السياسي الإسلامي بهياكل أخرى مبنية على قواعد فكرية وضعية كالديموقراطية أو الإشتراكية.

      والهيكل السياسي الإسلامي يقوم في أساسه على دستور واحد لايتبدل، القرآن، ويحدد العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم وبين المحكومين بعضهم ببعض، ثم بين الحاكم والمحكومين وبين صاحب السلطة العليا، ربّ الناس سبحانه وتعالى. كما يبين الصفات اللازمة لرأس الدولة وحدود سلطاته ومسؤلياته وطرق متابعة أدائه وأداء نوابه (أو عماله ووزرائه بالتعبير التاريخيّ). كذلك يبين القاعدة التي يجب إختياره من أعضائها، وصفاتهم وشروط ترشيحهم – وهم أهل الحلّ والعقد أو مجلس الشورى أو سمهم ما شئت، ولكن هذه القاعدة ليست هي جمهور الشعب العريض بلا خلاف.

      وكما يحكم هذا الدستور شكل الهيكل السياسيّ وآليات بنائه وخصائص أفراده وأسس الحزبية والتعددية السياسية فيه، فهو يحكم الهيكل الإقتصاديّ وآلياته ومجالات الإستثمار والإنفاق ومصادر الدخل للدولة والفرد على السواء، كما يحكم شكل البنيات الإقتصادية التي يتركب منها هذا الهيكل، أي نظام الشركات والمؤسسات.

      وكذلك يحدد هذا الدستور العام الهيكل الإجتماعي للدولة وهو ما تقع ممسؤليته على الأفراد المسلمين والمسلّمين بهذا الدستور، ثم على الدولة أن تحفظ حماه وتحمى جنابه، وهذا الهيكل الإجتماعي يحدد شكل العائلة والعلاقة بين الرجل والمرأة ومكانة كليهما ودوره في هذا البناء.

      كما يحدد هذا الدستورالقواعد العامة للعدل والقانون الذي يحكم تفصيلات الحياة في المجالات المدنية والجنائية والتجارية والتي هي جزء بدورها من الهياكل الأخرى التي تكون الدولة والتي أشرنا اليها من قبل، ثم تأتي من بعد التفصيلات والجزئيات القانونية – أو الفقهية بالتعبير الشرعيّ – لتفصّل ما أُجمل وتـُقيد ما أُطلق وتـُبين ما أشكل، وتضع الحدود والمعايير التطبيقية لهذه القوانين وكيفية عملها في الحياة اليومية للمواطنين.

      وهذا الدستور، الذي ينكر العلمانيون من المنتسبين للإسلام أحقيته في السيادة على أرض المسلمين، مثله كمثل الدساتير الوضعية التي تحدد العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة في صيغة قوانينها الكلية العامة، إلا إنه يمتاز عليها أنه من وضع خالق البشر فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يقبل التغيير والتبديل التى تخضع لها الدساتير الوضعية حسب مزاج الحاكم وهواه وصالحه الخاص.

      وليس هذا موضع الحديث عن تفاصيل هذ البناء وهياكله وإن صحت النية إن شاء الله تعالى إلى ذلك فى موضع آخر، وإنما نؤكد في هذا الموضع على ضرورة الإلتزام بهذا التصور في إعادة البناء وضرورة إتخاذ التوحيد وتصور حقيقته والإلتزام بمقرراته وحماية كلّ أركانه نقطة البدء في كلّ جهد لتوحيد الأمة وبناء أبنائها.