فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عمرو خالد .. وفتنة القصاصين!

      والله إنه لأمر تنفطر له القلوب وتذرف منه العيون، ثم لا نقول إلا ما يرضى ربنا. أمر هؤلاء العالة على دعوة الحق، الذين تسللوا إلى حماها من الأبواب الخلفية، وإذا هم محسوبون عليها، يضرون أكثر مما ينفعون، ويضلّون أكثر ممن يهدون، ويبدلون ثوابت ويزعزعون مستقرات، ولكن ماذا عليهم، فهم والله لا يعرفون أصلا يرجعون اليه ولا علما يرتكنون عليه، وإنما هو الوجه التلفازيّ الذي يرفع من يرفع ويخفض من يخفض بإذن السلطة ورضاها.
      وعمرو خالد خير مثال لما ذكرنا، رغم ما يتمتع به من شعبية بين شباب متشوق إلى عقيدة يتمسك بها، ولكن بلا عزم ماضِ إلى العلم الشرعيّ الصحيح وفي غياب رؤوس علماء ينصحون الأمة ويوجهون شبابها. وعمرو – والحق يقال – لم يدعى العلم جهارة يوماً من الأيام، وإن ارتدى قلنسوته وامتطى جواده، ومن كان هذا حاله حسبه الناس فارساً! فالجلوس أمام كاميرات التلفاز صباح مساء يجعل المغمور معلوماً، والعيّ صاحب لسان!

      وعمرو في هذا رفيق رفيقه طارق السويدان، كلاهما قصّاص لا أقل ولا أكثر! ليس لهما في العلم الشرعيّ ناقة ولا جمل. وقد عرفت مصر والعديد من البلدان الإسلامية طبقة القصّاصين في تاريخها، وكان لهم دور في الحفاظ على الفلكلور الشعبي كقصص أبي زيد الهلاليّ، كما دأبوا على قصّ بعض ما ورد من حكايات الصحابة رضى الله عنهم وخاصة على والحسين. ولكن الأمر في زماننا هذا قد خرج من حيز القصّ إلى الإقتداء والإتباع، وأصبح القصّاصون ممن يتوجهوا إلى الناس بالدعوة إلى ما يفهمونه من الإسلام، وما أضحله من فهم، ويتحدثون باسم المسلمين، ويوقعون على وثائق تقارب الأديان ووحدة الهلال والصليب وما إلى ذلك من الخرف والجهالة التي تروج لها النظم الحاكمة ويتولى رؤوس الجهل القيام بها.

      والسبب الذى حدا بي إلى ذكر عمرو خالد هو ما تردد مؤخرا عن زيارته لكاثدرائية في احتفالات "أعياد الميلاد" القبطية السالفة، مهنئاً الأقباط بميلاد المسيح! مما أثار استياء الكثير، ولكن لهؤلاء نقول: هوّنوا على أنفسكم، ولا عليكم من سرد أحاديث البيهقي واقوال غيره من العلماء في شرعية تهنئة النصارى بأعيادهم، فالرجل ليس ممن يخضع لدليل، ولا ممن يعرف معنى الدليل وقيمته، بل هو على ما ما وجد عليه آبائه وأجداده، وهو ممن يلعب لعبة السياسة دون خبرة بها ولا بالدين جميعا، وهي ليست بزلة، كما يزلّ بعض علمائنا الأفاضل أطال الله في عمرهم، بل هو موقف اصيل يتمشى مع فهم الرجل المحدود للإسلام.

      وطبعة الإسلام التى يروى عنها الرجل ليست هي الطبعة التى يراها أهل السنة والجماعة، والتي كان عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه يحكى عنهم لا يجعله سائراً على دربهم ومتبعاً لطريقهم، ونظرة إلى وجهه تغنى عن الكثير من الإستدلال. والرجل لا يرى من الإسلام إلا ما تعاضدت عليه الشرائع واتفقت عليه العقول كحب الجار والعطف على الفقير والإحسان لمن أساء والبسمة في وجه الأعداء، وهي كلها من الأمور التحسينية – على إصطلاح الأصوليين – التي تـُعنى بالأخلاق والآداب وما اليها، ولكنه أغفل في طبعته عن الإسلام ما هو من الأمور الحاجية التي فرضها الإسلام، بل بكل ما هو من الضروريات كالدفاع عن الوطن وردّ العدوان ودفع الصائل وحماية جناب التوحيد والتحذير من البدع، بل الرجل نفسه لا يعرف سنة من بدعة، وقد حاول بعض الشباب من أهل السنة التحدث اليه حين حضر للمشاركة بمؤتمر بدعيّ صوفيّ سنويّ في تورونتو منذ حوالي ثلاث سنوات فرفض لقاءهم لمّا قيل له أنهم من الملتحين المناوئين للصوفية! هذا حال الرجل. فطبعة الإسلام عنده تخلو من البدعة ومن الجهاد ومن العزة، وتمتلئ بمعاني التذلل للنصارى والتقرب من الغرب وإثبات أن ديننا واحد بل وإننا نعبد إلهاً واحداً، أليست المحبة من الإسلام، ثم أليس الحب هو دعوة المسيح، فالإسلام إذن هو النصرانية حذو القذة بالقذة! فسبحان الله فيمن يتحدث عن الصحابة وهو أبعد الناس عن سمْتهم وهديهم.

      ونحن لا نعبأ بالرجل ولا بما يعتقد، فمثل هذه الظواهر إنما تنمو في أوان الضعف والتدهور والتفكك، ولا تفتأ تتكشّف جراثيمها وأعطابها إلى أن تقتلها شمس العلم ووهج السنة، ولكن الأمر هو تلك الشبيبة المخدوعة بمثل هذه الصنائع التي ترى في عمرو مثالاً للمسلم المتحضّر الذي يرى الإسلام بعينيّ القرن الحادي والعشرين، وهو إنما يرى من الإسلام ما يرضى عنه أهل القرن الحادى والعشرين، وشتان ما بين الرؤيتين.

      ويا حسرة على الشباب الذي باتت تتنازعه أيدى الرؤوافض من ناحية، والعلمانية من ناحية، والصوفية من ناحية، وإسلام القصّاصين من ناحية.. فلهم الله هؤلاء الشباب، وإلى أهل السنة والجماعة أقول: ألا حي على الدعوة الصحيحة والإسلام المكتمل فإن هؤلاء ما قاموا إلا حين قعدتم، ولا تحدثوا إلا حين سكتم ولا برزوا إلا حين انتكستم.

      ولنا رجعة إلى السويدان إن شاء الله تعالى.