فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      يا إسلاميون .. إقتضاءُ العلمِ العملَ!

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      "إقتضاءُ العلمِ العَمل"، كتابٌ شهيرٌ للخطيب البغدادي، مؤرّخ القرن الخامس وصاحب تاريخ بغداد، تناول فيه ضرورة أن يتبع العملُ العلمَ، وأنّ القرآن لا تُقرأُ حروفه ثم تضيّع حُدوده، ونقل فيه الكثير من الآثار التي هي مما يحتاجه طلاب العلم اليوم، بل ومشايخه ممن فرّق بين العلم والعمل، ثم بين عملٍ وعمل، قولاً وفعلاً.  

      نقل الخطيب البغدادي قول الفضيل: إنما نزل القرآن ليُعمل به. وروى بسنده عن سفيان بن عيينه، حين سأله أحدٌ عن إسناد حديثٍ، قال:"وما تصنعُ بإسناده؟ أما أنت فقد بلغتك حِكمتَه، ولزمتك موعِظتَه"ص،83-بند133. ويالله ما أجمل ما روى عن أحد المتحدثين بالشعر:

      لم نؤت من جهلٍ ولكننا        نَستُرُ وجهَ العلــمِ بالجهـلِ

      نكْرَهُ أن نَلحَنَ في قولِنا         ولا نُبالي اللّحْنَ في الفِعلِ

      وهو مربط الفرس، اللّحْنُ في الفِعلِ، وهو أن نخلّطَ في أفعالنا، ونضطرب فيها فنمزج الحسن بالقبيح والفاسد بالصحيح.

      والأخطر، هو أن نفسّر العَمل هنا بأعمال العبادات وإقامة الشَعائِر، فإن غَالبَ من يتحدث اليوم في العِلم، يرى أن العملَ المقصود، في مثل هذه الآثار، هو في باب زيادة النوافل أو الإكثار من الصّدقة، أو الإحسان إلى الجار، أو تصفية القلب وتحلية الروح، أو الإكثار من تلاوة القرآن، لا غير. وكلها أعمال هداية وفضلٍ يجب أن يستزيد منها المسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. لكننى أحسب أن العلمَ يقتضى العَمل في أبعد من هذه الأبواب، وأنّ صاحب هذا التأويل قد إقتصر على العملِ العِباديّ، تشبّهاً بالصوفية، وإن كان مِمن ينتسب إلى السَّلفية، فقاربَ من يدّعى البعد عنهم، ووافق من يدّعى مُخالفتِهم، من حيث يدرى أو لا يدرى!

      العمل الذي يتحدث عنه السّلف الصّالح، هو العمل في كافة ما يُعلمُنا القرآن، وما تَنقلُ لنا السُّنة، لا شكّ في هذا. والقرآن يعلمنا عن الحياة في كافة جوانبها، وعن البشر في كافة أرديتهم، وعن الوعيّ بالأحداث وكيفية التعامل معها، إذ إنّ ذلك هو في قلب العمل الإسلاميّ والتوجيه الشرعيّ. والإقتصار في مفهوم "العمل" على العمل العباديّ لا يعكِسُ فهماً سلفياً صحيحاً، ولا إسلامياً صافياً. العمل الذي قصد اليه الفضيل، ونبّه عليه بن عيينه، وكتبَ عنه الخطيب، هو العمل بما تدلّ عليه الشريعة في إجمالها، لا فيما يقتصر عليه الذين يختصرون الشرع في أعمال العبادة والقلوب.

      هذا التوجّه هو ما نرى في فهم هؤلاء القاعدين عن المشاركة في التصدّى للعسكر، والمُخَذلين للثوار، والراضين بحكم الطاغوت، والمرعوبين من أمن الدولة لا يزالون، والمخَلّفين وراء الصفوف، كما إعتادوا. وهم يقرؤون على الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوال السلف، يصرفونها عن كامل تفسيرها، على مذهب "ولا تقربوا الصلاة"، ويجعلون العمل هو كما أشرنا، عمل القلوب وعبادة الجوارح بالشعائر، ليس إلا، متابعة للصوفية.

      اللّحن في العمل هو ما وقع فيه هؤلاء الذين إغتروا بحفظ خمسين حديثاً وسبعين سنداً، وراكَموا كُتب الجَرح والتعديل، والسُنن والمَسانيد، خلف ظهورهم، على رفوف مكتباتهم ، ثم إذا بهم ينخدِعوا عن مقاصد الشريعة جُزئيا وكلياً، ويُسايروا الصوفية في تفسيرهم للدين، ويسايروا الفلول الطاغوتية في ممالأة الباطل والسُكوت على الطغيان.

      العلم، إن لم ينشأ عنه عملٌ عامٌ شاملٌ، فلا كان ولا أصبح ولا أضحى. العالم، الذي يعمل بمقتضى عِلمِه، هو من يصوم في النهار ويقوم في الليل، ويخرج في أيام المُلمات، ويقف في وجه الطغيان، ويحمل على الظلم بلسانه، وعلى الطاغوت الباغي الكافر بيده، ويحرض المومنين على طلب الحرية والكرامة، لا السكوت على الذلة والمهانة. العالم هو الذي يعمل بمقتضى علمه، ولا يتخفى وراء شبهاتٍ شرعية لا دليل عليها، يؤوّل النصّ ليبرِّر التملّص من الحكم. هؤلاء يَلحِنون في الفهم والعمل، وينزعون مَنزع المُخَلفين، ثمّ يتسترون وراء تأويلات باطلة، تسوى بين الفتنة التي وقعت بين على ومعاوية، الصحابيين الجليلين رضى الله عنهما، وبين الفتنة بين المسلمين اليوم وبين فلول مبارك الكفرة العلمانيين ومجلسهم العسكريّ!! "

      وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّى وَلَا تَفْتِنِّىٓ"، أولئك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم الإذن بالتخلف خوفا من فتنة النساء، وهؤلاء تلاعبوا بحديثه لتبرير التَخلّف خوفا من فتنة أمن الدولةۚ، "أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا"التوبة 49. فهم في السقوط سواء، إذ قرروا عَجزَهم عن المُواجهة، فلجؤوا إلى التلاعب بالنصوص،حتى لا يقال إنهم جبناء قاعدون مُخَلّفون، بل يقال عُلماءٌ متّبِعون سَلفيون، ذوى إجتهاد!! وهيهات هيهات..

      زاغ من يدْعون أنفسهم إخواناً، ومن ينسبون أنفسهم للسّلفية، زوراً وتمحكاً، فهؤلاء إخوان لشياطين العَسكريّ، وأولئك يتسَلّفون بحُكمِ المخلوع. ضَلّوا وأضَلوا.