إبدال الحاكم
وهذا الطريق يتشعب إلى دربين لا ثالث لهما، أولهما أن يغيّر الحاكم بالقوة وأنّ يُبدّل بمن هو أخلص إسلاماً وأعمق خبرة وأنفذ رأياً. وهذا الطريق حلم كلّ متسرع يريد أن يرى التغيير يحدث في لمح البصر، ويرى بالنظر السطحي أن لا مجال إلا بمواجهة الحاكم والتآمر على إغتياله وحده أو مع قلة ممن حوله، وعادة ألا يكون لهذه الشبيبة الذين يتصدون لهذا العمل خطة عمل أو رؤية متكاملة لما يأتي بعد أن يغيب الحاكم ويوارى التراب. ولا يتوقع أحد أن يأتي مساعدوه وزبانيته وقادته ورعاة نظامه، خلاف أبنائه وأهله، فيقوموا بتسليم مقاليد السلطة إلى من أهلكه طوعاً ورضاً بالقضاء! وكما ذكرنا في مقال سابق أن الحاكم ليس إلا رأساً لجسد النظام، يحيا بحياة الجسد ويموت بموته، وقد رأينا مثالين من قبل في بلدنا الحبيب، عبد الناصر الذي هلك بقضاء الله دون وساطة البشر، والسادات الذي هلك بقدر الله على يد جماعة الجهاد أو فرع منها. وفي كلا المثالين استمر الحزب الحاكم في طريقه لا يلوى على شيئ، عداءاً للإسلام وأهله ونكاية في أبنائه، وهدماً في أركانه، وسجناً واعتقالاً وقتلاً لدعاته. فهذا درب مسدود وطريق غير ممهود، آخره أشْكلُ من أوله ونهايته أخسف من بدايته. والله سبحانه حين شرع الأحكام فقد قصد بها جلب الصالح وتحصيله، ودرء الضرر وتقليله. ولايشك عاقل أن هذا الدرب لا ينشأ عنه إلا الضرر الصرف الذي هو ضد مقصود الشارع، وما كان كذلك فهو مما لايجب العمل به، بل يحرم العمل به في هذه الأحوال.
والدرب الثاني هو أن يُبدّل الحاكم بأن تُبدّل الأمة نفسها، وهو منها. وهذا الدرب هو الطريق الثالث الذي سنتناوله إن شاء الله تعالى.
إحياء الأمة
وهذا الطريق هو الأشق الأطول، ولكنه مضمون النتائج محمود العاقبة، إذ هو طريق الأنبياء جميعا في حمل الدعوة وتبديل الواقع، ولا يحيد عنه إلا قليل العزم خائر الهمة. وهذا الطريق يحتاج إلى مطولات للتخطيط له وترتيب أموره وتحديد أولوياته، ولكن خطوطه العريضة تندرج تحت عدد من القواعد العامة الشرعية والعقلية التي تحكمها شريعة الله وسننه القرآنية والكونية.