لاشكّ أنّ تغيّر – أو تغيير – الأوضاع في مصر يعتبر نصراً محققاً لشعبنا الحبيب، ولبلدنا الغالى، إذ إن ما يرزح تحته هذا االشعب المبتلى لا يمكن أن يكون إلا إنهزاماً بكلّ ما تحمل الكلمة من معانٍ بغيضة. وقد تحدثنا كما تحدث الكثيرون حول مظاهر الإنهزام في مصر، من تدهور الإقتصاد، وتخلف الثقافة، وانتشار الفساد الإدارى والخلقيّ بما يجعل التنفس الطليق أمراً في غاية الصعوبة على الرجال الأحرار في ظلّ هذه الأوضاع.
ولكن ما لا يزال في حاجة إلى نظرة – بل نظرات – عميقة هو السبيل إلى دحر هذه الهزيمة بنصر يعيد لمصر وأهلها مكانتهما على خريطة الحضارة وتوفر لهما مناخاً ملائماً للقيادة والتقدم.
وأمر النصر واستحواذ مفاتحه أمر غاية في التعقيد إذ إن العومل التي تقف عائقا في سبيله متعددة متفرقة متشعبة، قد ضربت بجذورها في تربة البناء الحضاري المصري إلى الأعماق، ولكن هذا التعقيد والتشعب ليس سبباً في إهمال النظر في إمكانيات التغلب عليه والحصول على مفتاح النصر الموعود، وإنما هو جهدٌ أكبرُ وهمٌ أعظمُ، لا غير.
ولعلنا نتمكن في هذه العجالة أن نبدأ حواراً ينبش أرض الواقع المصريّ بحثاً عن هذا المفتاح الضائع.
وحين ننظر إلى معطيات الواقع في مصر نرى أن التغيّر – أو التغيير – لا يمكن أن يتم إلا بأحد الطرق الثلاثة، أو العناصر الثلاثة التالية:
• تغيّر شخصية الحاكم ونظره إلى دوره في إدارة البلاد مما يضمه إلى فريق الباحثين عن مفتاح النصر
• أو تغيير الحاكم واستبداله بغيره ممن يجيد فنّ البحث عن المفتاح الضائع
• أو إنطلاقة شعبية في طريق البحث والتحرى ومن ثم التغيير والإصلاح مع بقاء الحاكم على ما هو عليه - إلى حين.
ويجب أن نلاحظ أن الطريق الثالث مشترك لا يمكن أن يتم النصر إلا بوجوده سواء إنضم اليه الطريق الأول أو الطريق الثاني، فهو أقرب إلى العنصر منه إلى الطريق القائم برأسه.
وكلّ طريق من هذه الطرق يحتاج إلى نظرات تحليلية لسبر إمكانيات تحقيقها ومدى الواقعية فيها، وما يلزم لإخراجها إلى حيز الواقع. وهو غرض يحتاج إلى جهد متواصل من العلماء المخلصين سواءاً في العلم الشرعي أو في العلم الدنيويّ على إختلاف فروعه.
تغيـر شخصية الحاكم:
ولا شكّ أن هذا الطريق أسهل الطرق وأقربها وإن كان أعجزها وأبعدها عن الواقع. فشخصية الحاكم، كغيره، تتعلق بكثير من العوامل المتعلقة بماضيه منذ طفولته، وشبابه، ثم مرجعيته الدينية والتزاماته الخلقية، ثم خلفيته العلمية والعملية، إن وُجدت. وكلّ هذه العوامل والمؤثرات، نجدها عند النظرة الأولى، ليست في صالح تحقق هذا الطريق من قريب أو بعيد. فالحاكم، بطبيعته العسكرية، قليل العلم، قليل الخبرة في كافة مجالات الحياة، محدود النظر والمجال الفكريّ لم يعد يصلح إلا في توجيه كوكبة من العسكريين وأدعياء السياسة للقبض على زمام الشعب وتحقيق الإستقرار لعرشه. ثم إنه من الواضح الجليّ أنّه وأهله أبعد الناس عن دين الله سبحانه، وإلا لكان بعض الورع والخوف من الله سبحانه كفيلاً بوقف هذه التدهور المذهل على كافة الأصعدة، والهجوم الشرس على دعاة المسلمين منذ توليه الحكم إلى يومنا هذا، والتبعية المطلقة للغرب، إلا إن مسّ الغرب سلامة عرشه، كلاهما دليل على بعده عن الدين وإسقاطه من حساباته الأرضية بالتمام. ومن كان هذا حاله، فليس إلا الله مصلحاً له، ولا يمكن الإعتماد عملياً على هذا التغيّر في واقع الحياة لمن أراد الإصلاح. ثم عنصر آخر من العناصر التي تقلل من قيمة هذا الطريق كبديل عمليّ وهو أن الحاكم الطاعن في الثمانين قد صرف حياته في تصريف مصالحه الشخصية وبناء مجد أسرته وثرواتها، وليس من المعقول ولا الممكن عادة أن يتحولّ في ساعاته الأخيرة إلى خليفة مرشد يقول الحق ويدعو إلى الصوابّ!
وللحديث بقية....إن شاء الله