فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      30 سبتمبر .. والفرصة اللائحة

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      "وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"آل عمران 139

      الظاهرُ أن فترة القهر والإستعباد التي عانت منها مصر في السِتين عاما المَاضية، قد ألقت بظِلالها الكثيفة على فهم قادة عملها السياسيّ، وخاصة الإسلاميّ منهم، لمَعنى الحرية التي يطالبون بها، ولحدودها وشروطها. إذ هم، بلا إستثناء، يعتبرون أنّ اي هامش للحرية، نصرٌ مبينٌ، سواءاً كان تكوين حزبٍ أو تقديم أوراق حزبٍ، أو السّماح بمُظاهرة أو بغير ذلك. والحق أن الحرية لا هامش لها. الحرية إما أن تكون كاملة أو لا تكون على الإطلاق، لا مجال للتلاعب فيها. تلك الحُرية المُقتضبة المُرتعشة، هي ذاتها الحُرية التي تحدّث عنها جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات، ثم حسنى مبارك، ثم المجلس العسكريّ الآن. الحرية المقيدة بقانون الطوارئ وإغلاق الصحُف وسيطرة العسكر ليست بحرية على الإطلاق، ولا برائحة حرية.

      الدولة المصرية التي يريدها العسكر في مصر هي دولةٌ مشوّهةٌ مريضةٌ، أشد مَرضاً وتشوهاً وفساداً من دولة مبارك. ذلك أن هؤلاء العسكر يريدون أن يؤسّسوا لسيطرتهم التامة على الحكم عن طريق دستور علمانيّ، ينص على علوّهم فوق القانون، وهو ما لم يكن قائماً دستورياً في عهد مبارك. العَسكر يريدون أن يتركوا الإنتخابات تسير في طريق التزوير وكأنها إرادة شعبية تتحقق، لا خطواتٍ تحققها قوانينهم الإنتخابية أو ترتيباتهم الأمنية.

      المَجلس العَسكريّ، كما يقول العامة "يَضرب ويُلاقى"، فهو يعلن مدّ حالة الطوارئ، ويغلق القنوات الفضائية كالجزيرة، ويصادر الصحف، كصحيفة صوت الأمة، ةيعتقل عشرات الآلاف من المدنيين، ويحاكمهم عسكرياً، ويتواطؤ مع الداخلية لنشر الفوضى، ثم يلقى بجزرة تكوين حزب للإخوان أو السّلفيين، أو الجماعة الإسلامية، وكأن ذلك هو مِعيار الحُرية ومنتهى أملُ أهلها. ويعلم الجمعُ أن إلغاء حزبٍ هو أسهل عليهم من جرّة قلم. وهو يعلن أن الإنتخابات ستكون نَزيهَة شفّافة، لكن لا يُعلن متى ستكون، بعد شَهر أو سنة أو عقد من الزّمن! وهو يُعلن أنه لا يريد الإستمرار في الحكم، لكنه لا يعلن موعد التخلى عنه، ويُعلن أنه يجب أن تكون له حصانة أعلى من القانون. وهو يُصدر الإعلان الدستوريّ، ثم يَضرِب به، وبالقانون، وبالشعب، وبالسياسيين، وبالإسلاميين، جميعاً، عرض الحائط.

      الأمر الآن هو أنه لا يصح أن يكون هناك نقطة إلتقاء مع العسكر فيما يفعلون. لا يَصحّ ان يكون هناك مُساومَة على الحُرية الحقيقية الكَاملة. وإن التمسنا العُذر للجَماعة الإسلامية في مداهنتها للعسكر، أو للجماعة السلفية في سَذاجة تصوراتها، فلأن الأولى تعتبرُ أيّ هامشِ حُرية، بالنسبة لما حدث لها، هو نصرٌ من الله وفتحٌ قريب، والثانية، لأنهم لا علم لهم بسياسة ولا خبرة، مثلهم كمثل الأولى، بل وإيمانهم العقدي فيه دخلٌ إرجائيّ. أما الإخوان، فالظاهر مما أعلنوه اليوم أنهم يشاركوا المخلفين، وأنهم استمرؤا التخلف عن الخروج إلى أن تظهر النتيجة، إنتهازية واضحة ينعتونها بالسياسة ، وشراكة مؤسفة ممن يدعون الإسلام في ذبحٌ القضيةِ الوطنية والإسلامية على السواء.

      التظاهرُ القادم في 30 سبتمبر، يجب أن يكون عَاماً شاملاً متواصلاً، لا محلً فيه لحِزبية أو مصلحية. يجب أن يخرج الشعب والإسلاميون على الخصوص، وألا يضيعوا فرصة لائحةّ لوقف تدهور الحالة التي آلت اليها مصر، بعد فشل المَرحلة الحالية من الثورة. بل إن الخروج الآن، قد يحقن الكثير من الدماء، إذ سيدرك العسكر أن الشعب لن يُخدع عن مطالبه، وأن المسلمين قادرون على تنفيذ ما يقولون، فيعيد هذا الخروج العسكر إلى بعض رشدهم. الإحجام عن الخروج ليس له إلا نتائج سلبية تزيد من إحتمالات إجتراءَ العسكر على حقوق الشعب أكثر مما إجترؤا، وهو ما يجعل تكلفة التأجيل عالية وغالية.

      قد تكرّرت الفُرص الضّائعة، واحدة تلو الأخرى، نصرةً لحزبية أو رغبة في إثبات نقطة على أرض الواقع، ولُدِغَ من لُدغَ مرتين وثلاث مرات، لكنّ اليوم، الكلُّ خاسرٌ والكلُّ في مأزقٍ، إسلاميون وعلمانيون.

      هي والله مسؤولية مُعلقة في عُنق كلّ مسلمٍ أمام الله سبحانه، أن يخرج في سبيله، فالحُرية هي مقصد الشريعة الأول وهدفها الأعلى. ولا عذر للجبناء، من مُحترفي السياسة أو صَائغى الكلمات.