فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      لستُ بالخَبّ .. ولكن الخَبّ لا يخدَعُنى

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      حكمةٌ لا تخرُج إلا من أمثال عمر بن الخَطاب رضى الله عنه، فاروق الأمة، إن كان له مثل. والخَبّ هو المَاكر الخبيث. ورد في لسان العرب معناها: "رجل خِبٌّ وخَبٌّ : خداعٌ جريز، خَبيثٌ منكر .. قال الشاعر

       وما أنت بالخَبِّ الخَتور ولا الذي        إذا استودع الأسرارُ يوما أذاعها"

      هكذا كان عمر رضى الله عنه، وهكذا يجب على كل من تصَدّى لأمرِ العَامة أن يكون. فالبشر خدّاعون بطبعهم. والواجب على من تولى أمرهم، من أميرٍ أو شيخٍ مقدمٍ أو مرشدٍ عام، أن يكون متيقظاً حريصاً لا يَنخدِعُ ولا يُستغفل، فمصلحة من إتبعه أمانة في عنقه. والطيبة وإحسان الظن أولى بالفرد فيما يَحكم به في خاصة نفسه، او أهله المقربين. أما من تولىّ أمر العامة، وجب أن يكون تلميذا لهمر الفاروق رضى الله عنه.

      والأمر اليوم أنّ شعب مصر قد أُريد له أن ينخدِع بما حدث في الشُهور القليلة الماضية، فيظن أن الحال قد تَبدّل، وأن الثورة باتت منتصرة، ويعلم الله أن هذا ليس فيه أثرة من حق، بل ويعلم ذلك أكثر العامة.

      فُرض قانون الطوارئ على الشعب بالرّغم من عدم دستوريته. تأجلت الإنتخابات ، ويعلم الله متى تكون. أعلن المتحدث الرسمي للحاكم العسكري رفضه الصريح لدولة الإسلام. على السلميّ عدو الله الثاني، يعمل لحساب الحاكم العسكريّ لتأمين العلمانية كمرجعية دستورية للدولة، قبل أن يضربه الله بالمرض، تذكيراً وتحذيراً. الفوضى تنتشر قصداً لتأمين تزوير الإنتخابات، ونائب الحَاكم العَسكريّ يُعلن أنه سيكون راعيها! الجامعات والمؤسسات لا تزال عامرة بمن كان فيها من الفاسدين. جهات الأمن، الداخلية وأمن الدولة لا يزالا يعملان بكل طاقة ممكنة لمصادرة حرية المواطن وخنقه أمنياً. الصحافة والإعلام في أسوا رداءٍ فاسد، كما كانت من قبل.

      الأمر إذن يحتاج إلى من لا يَنخَدعُ بحلو الحديث، وبعناوين الصحف الحكومية التي تتحدث عن "ثورة"، يعلم الله ما موقعها اليوم من الإعراب! الأمر يحتاج من هو داهية يكشف الخبئ ويُمحّص الفاسد ويدلّ على المَعطوب، ثم يوجّه ويرشّد، دون تخاذلٍ أو تراجعٍ أو مداهنة، أو موالاةٍ لباطل أو وسطيةٍ مبتدعة، أو توافقيةٍ مزعومة.

      الأمر يرجع إلى تمحيص النصوص، وفهمها في مناطاتها، فحسنُ الظنّ، والكلمةُ الطيّبة، والبَشاشةُ، لا تصلح لهذه الفترة الفارقة في تاريخ الأمة. ما يصلح للأمة الآن هو الصراحة والقوة في الحق والوضوح وفضح الباطل، وترك المداهنة والملاينة والمشايعة وإمساك العصا من المنتصف. يصلح للأمة اليوم منهج الأنبياء في الدعوة "خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍۢ"، لا بضعف وتخاذل وتلجلج. القوة في أخذ الحق هي ما يجعله يَعلو وينتصر.

      الدعاة هم أولى الناس أن يَحوزوا هذه الصّفة، خاصة من عزم منهم الحديث في أمرِ السياسةِ والتشريعِ العام والدُستور. حين يتطرّق قول الداعية إلى شأن السياسة فعليه أن يكون على يقينٍ من إنّه لنْ يدعَ الخبّ يخدعُه. على الداعية الذي يَتعرّض للسياسة العامة أن يدرك أنّ الأصْل في هذا الميدان - السياسيّ - هو سَيطرةُ الخِبّان (جمع خَبّ)، وأنْ ليس من الإسلام أن نسلم عقولنا ومصائرنا وثرواتنا ومستقبل أبنائنا إلى من نعلم علم اليقين أنهم ليسوا أمناءً عليها، بحجج واهية لا تعكس إلا سذاجة فكرية، وهَطَلٍ عقليٍّ، ورؤية سطحية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ لمَعنى الإسلام ومقاصده.

      ومن صرف جهده من الدعاة في تعليم الناس العلوم الإسلامية، من علمِ الحديث ومُصطلحه، والتفسير، والأصول، والسيرة، وغير ذلك من علوم أصلية أوخادمة، لا غير، فهو مشكورٌ مأجورٌ بإذن الله، لكن يجب أن يكون تعليمه وإرشاده بعيدا عن الواقع السياسيّ لهذا البلد، حتى يعلم أنه ممن يمكنه، طَبعاً وممارسة، أن يَرُدّ على الخبّ خبّه، وأن لا يَنصر الفساد، من حيث يقصد إلى دفعه، وأن لا يدعم الإستبداد من حيث يقصد إلى حربه. ومع الأسف، إنّ كثيراً ممن يَنتمون للدعوة اليوم هم ممن لا يتحلّى بهذه الصفة، ولا بجزءٍ منها.

      بل والأخطر من ذلك، أنّ منهم من أصبح هو نفسه خَبّاً من الخِبّان. وظاهرة خِبّان الدّعاة هي في خطورة ظاهرة من منهم ينخدع بالخِبّان. فهؤلاء يتميعون ويتلونون حسب ما تستلزمه المرحلة، فهم ثوارٌ وقت الثورة، وهم مؤيدون لطاعة الحاكم ودعم الإستقرار وهذه المفاهيم المزدوجة الطبع، في زمن الديكتاتورية، وهم يتلقون معونة من الظلمة لتحقيق مآرب شخصية تتمثلُ في فضائياتٍ تدر أرباحاً مادية هائلة، تتخفى تحت العباءة والغترة. وهذا بالضبط هو الوجه الآخر لفساد الحكام ورجال الأعمال، باسم الدين والشرع.الإسلاميّ

      الخبّ الإسلاميّ، ومن ينخدَع بالخّب العِلمانيّ، كلاهما لا يصلح للدخول في الحَلبة السياسية. الأول لأنّه مُفسدٌ من المُفسدين، والثاني لأنّه مُعينٌ للمُفسدين. ولنا في نموذج عمر بن الخطاب رضى الله عنه أفضل مثلٍ لمن يجب أن يتجرّأ على الدخول في هذه الحلبة، رحمة بنفسه، وبالمسلمين.