لم يكن من المستغرب أن تلقى بناذير بوتو مصيرها المحتوم في ظلّ تلك الأجواء السياسية التي تعصف بالساحة الباكستانية منذ اقتربت الإنتخابات الرئاسية وتصاعدت حدة المواجهة بين التيارات السياسية المختلفة وعلى رأسها تيار حزب الشعب بقيادتها وتيار برويز مشرّف العسكري الحاكم ثم حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف، وهي المواجهة التي أدت إلى السماح برجوع بناذير ونواز إلى البلاد من المنفى[1].
ولم تكن بناذير من الشخصيات الديموقراطية في قليل أو كثير، بل عُرفت منذ فترة رئاستها السابقة للوزارة بدكتاتوريتها كما عُرفت حكومتها بالفساد وانتشار الرشوة والعمولات وغيرها مما بات من سمات حكومات الشرق كلها بلا استثناء. ولكن أخطر ما جاءت به بناذير في محاولاتها الأخيرة للإرتقاء إلى السلطة هو العداء السافر للإسلام والمسلمين، ولم تتحرز من إعلان برنامجها الموالى للسياسة الأمريكية في المنطقة كما تعهدت بسحق المقاومة الإسلامية والقضاء على الوجود الإسلامي في وزيرستان ومنطقة القبائل.
وقد كانت بناذير وجه علماني غربي ملحد، نشأت وتربت على ايدى البريطانيين وتخرجت من معاهدهم وتتلمذت على أيدى سياسييهم وتبنت وجهة نظرهم فيما يتعلق بهدم الإسلام وإسباغ صفة العالمانية عليه، إلا أنه قد عُهد عنها الدعوة إلى ذلك بشكل مرحليّ حتى لا يثير التغيير المفاجئ المقاومة الإسلامية في نفوس مسلمي الباكستان، وهو أمر تخلت عنه مؤخراً حين أرادت أن تصل إلى سدة الحكم بمساندة الأمريكيين الذين لا يقبلون أقل من الولاء المطلق الآنيّ وغير المشروط لمنح رضاهم ومساندتهم.
والسؤال الآن، من المسؤول عن مصرع بناذير؟ والأقرب إلى ذلك السؤال هو: من صاحب المصلحة العليا في القضاء عليها؟ والعارف بمجريات الأحداث على الساحة الباكستانية يدرك أنّ برويز مشرّف وحكومته هو المستفيد الأول من مصرعها، إذ كانت تمثل تحديا صارخا لإستمراريته في الحكم وقد حظيت بالفعل على رضاء الغرب ومساندته ونجحت في أن ترتقى "حجر" الغرب بديلا له بعد أن خسر مشرّف سمعته وظهرت في العلن دكتاتوريته بإعلان حالة الطوارئ وإزاحة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وقتل مسلمي المسجد الأحمر، مما جعل الغرب،بعد أن تبناه لسنوات ست مضت، يبحث عن بديل له في شخصية بناذير. والمخابرات الباكستانية هي الأقدر على تنفيذ مثل هذه العملية، وقد اتـُهمت المخابرات بالفعل في المحاولة الأولى لإغتيالها منذ عدة أسابيع. وقد يبرر هذا الإغتيال السماح لنواز شريف بالعودة مؤخرا إلى باكستان، إذ لو سمحت السلطات لبناذير بالعودة وحدها ثم قامت بإعتيالها لكان الأمر مكشوفاً بلا شبهة.
أما عن "القاعدة" وما أعلنته من تبنى هذه العملية، فلا نحسب إلا إنها عملية دعائية يقصد بها تعلية أسهم القاعدة، ولا نحسب إلا أنّ قيادة القاعدة إفترضت صحة ما نشرت الصحف الرسمية الحكومية من أن انتحارياً قام بهذه العملية، والإنتحاريّ بطريق اللزوم من اتباع القاعدة سواء فكرياً أو تنظيمياً! ولا نحسب أن القاعدة لها ضلع حقيقيّ في هذا الأمر. ولو كانت القاعدة قادرة على تنفيذ مثل هذه العملية بهذه السرعة، لنجحت في إغتيال مشرّف منذ سنوات وهو الذي أعلن الحرب عليها ظاهراً وباطناً.
ويظلّ السؤال مطروحاً، الساحة الباكستانية..إلى أين؟
د.طارق عبد الحليم
[1] راجع مقالنا "الساحة الباكستاني .. إلى أين؟"