لا ندري ما الذي تبقى من ذلك الهيكل السياسي المعروف بالأمم المتحدة. فقد أصبحت عاراً على الأمم المشاركة فيها، إذ فقدت كلّ تأثير في مجريات الأحداث العالمية بعدما اختارت الولايات المتحدة أن تعلن القطبية العالمية الواحدة على أراضيها، وتلعب دور الأمين العام - دون أمانة - والوصيّ الأوحد – بلا وصاية – والخصم والحكم على كافة الأمم بلا استثناء.
وقد نشأ هذا الكيان المهلهل في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليخلف كياناً سابقا له عُرف بعصبة الأمم، والذي ذهب ضحية الحرب الثانية إذ فقد فاعليته بالكلية، كما فقدت الأمم المتحدة فاعليتها بعد الحرب الأمريكية المعلنة على كافة أراضي الإسلام في أنحاء العالم الشرقيّ. فالغرض الأساسي من هذه الكيانات أن تكون ملاذاّ للأمم المتناحرة حيث تقدم كلّ أمة مبررات عدائها ومقومات مواقفها، ثم تتقبل ما تحكم به الهيئة، التي قد التزمت بها هذه الأمم مسبقاً، من قرارات. وحين تأخذ أمة في فرض نفسها على العالم كبديل لهذه المؤسسات فإنها تعلن نهاية هذا الكيان وسقوطه جملة وتفصيلا. وقد فشلت عصبة الأمم في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم في الوقوف في وجه النازية الهتلرية التي سعت عسكريا في آخر الأمر إلى السيطرة على مقدرات العالم أجمع ومن ثم القضاء على العصبة وإسقاطها عقب إعلان الحرب العالمية الثانية. وهو تمام ما حدث قبيل وفاة الأمم المتحدة – لا رحمها الله – حين أعلنت الفاشية الأمريكية البوشية الحرب على المسلمين علنا، وعلى كلّ قوة تقف أمام قطبيتها الواحدة ضمناً كما يتضح من موقفها من الدرع الصاروخيّ ضد السوفييت والجدار العسكري الوقائي ضد الصين.
وقد يكون من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم توقع على ميثاق عصبة الأمم ولم تأبه لمساندتها إذ كانت في رأيها غطاءاً للأمم الأوروبية التي كانت صاحبة السيادة الإستعمارية وقتها. وكان أن أنشأت الأمم المتحدة على أراضيها لتكون محضناً لقرارها ومنفذاً لسياستها. وهو ما كان عليه حال الأمم المتحدة حتى رأت الولايات المتحدة أنها قد تجاوزت مرحلة استخدام غطاء لقراراتها وتكشّفت في خططها الإستعمارية كما حدث من قبل في حالة الهتلرية الألمانية مع عصبة الأمم.
ولا شك أن سقوط هذا الكيان أفضل للعرب والمسلمين، بل وكافة الأمم المستضعفة، من بقائها شبه حيّة، إذ إن بقايا الحياة في هذه الرفات يموه على تلك الأمم بأن خيراً ما قد يخرج من جعبتها وأن قد تُدرك حقاً ضائعاً بالتيه في ردهاتها بين موافق ومعارض، ولا قيمة في حقيقة الأمر بموافقة أو معارضة، فإن القرارات الحقيقية التنفيذية قد طُبخت في واشنطن بليلٍ ، على بعد أميال من مقرها في نيويورك.
فالأمم المتحدة إذن قد رحلت عن عالمنا – غير مأسوف عليها – ولحقت بسالفتيها عصبة الأمم و"الجامعة العربية".