فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بركة الدعاء و الإرهاب الغربيّ

      في مقال سابق، تحدثت عن تجربة لي قريبة مع "دعاء العبادة" وبركته عليّ في شهر رمضان المكرّم. لكنّ الله سبحانه ساق لي، وللقراء، تجربة أوضح صورة وأكبر أثراً عن بركة الدعاء الخالص الصادق حين يتقبله الله سبحانه، فإذا الأبواب تـُفتـّح والأمور تـُيسّر والصعب يـُزلل، بفعل الله جلّ وعلا، بلا واسطة من بشر إلا بما يسيـّر هذه الأمور ويفتـّح هذه الأبواب بإذنه.

      عبد القيوم جمال، رجل باكستاني الأصل كندي الجنسية، في الثالثة والأربعين من عمره، متزوج بكندية أسلمت وحسن إسلامها، وله منها أربعة أولاد. وعبد القيوم يعمل سائقاً لحافلة مدارس في تورونتو. ويؤم الصلاة في مركز ومسجد الرحمن، وهو مركز صغير بضاحية ميسيساجا. وقدّ قدّر الله سبحانه أن يكون هذا المسجد ضحية مؤامرة سياسية بغيضة لعبت المخابرات الكندية فيها دوراً قذراً إرضاءاً لأسيادهم في واشنطن، وكان ما يـُعرف ياسم "قضية الإرهاب في كندا".

      ثمّ حبس عبد القيوم ورفاقه حبساً إنفرادياّ لمدة 14 شهراً في زنزانة حديدية لا تزيد عن حجم دورة مياه.، لا يخرجون منها إلا نصف ساعة يوميّاً. وكانت التهم الموجهة لعبد القيوم هي من أشدها خطراً، خاصة وهو أكبرهم سنّاً ولكونه إماما للصلاة وخطيباً فقد زعموا أنه قائد "الجماعة" وما إلى هذا من الخرف المتعمّد. ثم إن عبد القيوم قد أقام محامياً ذو خبرة قليلة، بل هو أقل المحامين في هذه القضية خبرة على الإطلاق.

      لم يكن لدى عبد القيوم أي أمل في أن يخرج على كفالة، إذ إن الإدعاء قد تكفّل بأن لا يترك أحدا على كفالة أو غيرها حتى لا يظهر أمام العامة أن هؤلاء الشباب ليسوا بتلك الخطورة التي صوّروها، وصورتها لهم أجهزة الإعلام.

      ولكنّ عبد القيوم لم يكن له همّ في حبسه إلا الدعاء. ليلا ونهاراً. يقول رفاقه أنه كان يحاورهم في موضوع الكفالة قائلا: لا عليكم منىن الأمر ليس بيد أحد، الأمر بيد الله، وأنا على يقين أنه سيخرجنى من هذا الحبس لأكون مع أولادي قريباً، وأنا أدعوه ليلا ونهاراً.

      ظلّ عبد القيوم يصلى مائة ركعة تنفلا كلّ يوم، ويدعو الله ساعات وساعات كل يوم، ويطلب من رفيق له يتحدث العربية أن يترجم له الدعاء لينطقه بالعربية ليكون أكثر بركة وقربى إلى الله.

      واستمر الرفاق يجادلون في فرص الكفالة، واستمر عبد القيوم في دعائه. ومرّت أحداث كثيرة حتى ألغيت المحاكمة الإبتدائية، وانعدمت فرص خروج أي أحد بكفالة. ولكن عبد القيوم أصرّ على موقفه، وتابع الدعاء.

      وكان لابد بعد إلغاء المحاكمة الإبتدائية من أن يعاد توجيه التهم مرة أخرى للمعتقلين كإجراء قانونيّ. وكان أن فوجئ الكلّ بالإدعاء يسقط التهم الخطثرة عن عبد القيوم ولا يبقى إلا تهمة واحدة لا أثر لها! وكان أن تقدم محاميه بطلب الخروج بكفالة، وكان أن أطلق سراحه بكفالة، واستجاب الله لدعائه الصادق الخالص.

      كان من الممكن أن لا يسقط الإدعاء التهم ويتركها على حالها إلى أن تنتهى المحاكمة، وكان من الممكن أن يرفض القاضى طلب الكفالة تخت إدعاء أن القضية خطرة وقد يسبب خروج مثل هذا المتهم غضباً جماهيرياً عاماً. ولكن الله سبحانه جعل الأمور تجرى على مقتضى الدعاء، ولم يوكل عبد القيوم للأسباب البحتة التي قد تقذف به يميناً أو يساراً.

      هذه هي بركة الدعاء، دعاء الضعيف المستجدى، الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.