الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يقف شعب مصر، لا أقول جيشها، على خطِ نارٍ واحدٍ، بل على خطوط نارٍ عَديدة في كلِّ قطاعٍ، داخلياً وخارجياً. وهو ما يتوقّعه الرّاصِد للأحداث، منذ بداية أحداث 25 يناير، نظراً لحجم التغيير في الأوضاع الإقليمية والعالمية، التي قد تترَتب على نجاح هذه الأحداث في تحقيق ثورة حقيقية كاملة.
وخطوط النار الداخلية، فيما نرى، أهم وأولى بالإهتمام من خطوط النار الخارجية، إذ لا مَحلّ للحديث عن حرب مع إسرائيل أو مواجهة شاملة مع العدوّ الصليبيّ، دون إستقرار الجَبهة الداخلية وإحكام المسلمين قبضتهم على الحكم، وإعادة الجيش إلى ثكناته للتدريب وإعادة هيكلة قياداته، وتقليم أظافره، والتأكيد على إبعاده عن أي صورة من صور التدخّل في الحكم.
خطّ النّار الأوّل، والأهم في الفترة الحالية، هو ذلك الخَطرِ الدّاهِم المُتمثل في سَيطرة القوى العِلمانية، غير الشّعبية، على الحُكم في مصر، سواءاً بطريقٍ مباشرٍ، عن طريق المَواد الحاكِمة البدعية "فوق الدينية"، أو من خلال سيطرة الجيش على الحُكم من خلف ستار مادة دستورية ديكتاتورية. وهو الأمر الذي لا يجب أن يغيبَ لحظة عن عينيّ الشعب المسلم عامة، والإسلاميين خاصة.
وخطّ النّار الثاني، هو تلك القوى الأمنية الخفية التي لا تزال تعمل بقوةٍ، من وراء حجاب، تحت اسم الأمن القَوميّ أو الشَرطة، أو جماعات من بلطجية الشرطة. وهي القوى التي لا تزال تقوم بالإعتقال والتعذيب والإيقاف، دون أي ردّ فعل من وزارة الداخلية التي لا تزال تحت سيطرة رجال مبارك والعادليّ، مثلها مثل كافة الأجهزة والمؤسسات في مصر.
وخطّ النّار الثالث، هو ذلك الإصرار من مجلس العسكر على تركِ الفُرصة كاملة أمام فلول نظام مبارك للترشح في البرلمان القادم، وهو خطرٌ داهمٌ يهدد عملية التحول بشكلٍ مباشرٍ. بل يحاول العسكر أن يدعموا شخصيات عسكرية من أعتى الخونة والعملاء، كعمر سليمان وأحمد شفيق!
وخطّ النّار الرابع، هو تلك السياسات الهَوجاء التي تتخَبط فيها حكومة شَرف الهَشّة المُرتجفة، وما يتبع ذلك من إرتفاع الأسعار، دون سبب ظاهر لذلك. وهو أمر سيؤدى، في القريب العاجل إلى هبة شعبيى عارمة، أشد من هبة 25 يناير، حين يرى الناس التلكؤ في إجراءات الإنتخابات وتسليم السلطة، ومن ثم وجود حُكومة شَعبية حَقيقية، للبدأ في الإصلاح والبناء.
أما على خَطّ النارِ مع العَدوّ الصَهيوني، وتلك الأحداثِ الأخيرة التي نتجَت عن العُدوان الصَهيونيّ في سيناء، فهو أمرٌ، وإن تعلق بالكَرامة المصرية، فإنّ تداعياته تظل، عملياً، في يد المجلس العسكريّ، الذي يوجّه حكومة شَرف الكرتونية. ومن ثم، فإنّ تلك المطالب المشروعة والمقدور عليها، لن يقوى المجلس العسكريّ على تلبيتها في ضوء علاقاته المشبوهة مع العدو الأمريكيّ والصهيونيّ. والأعجب هو ذلك الرعب الواقع في قلوب هؤلاء العسكر من الصَهاينة، والذي لا يبرره إلا معرفتهم بالخيانة العظمى التي إقترفتها أيديهم في أيام مُبارك، بالرُضوخِ إلى صَفقات الأسلحة، المُبَرمَجة لصَالح جيش الصهاينة، وضَعف القدرة التدريبية لرجال الجيش. والأخطر في هذه المرحلة، على هذه الجبهة، هو إعادة النظر في بنود معاهدة الذلّ المعروفة بكامب ديفيد، ليمكن لمصر أن تضع رجالها وقواتها في سيناء مرة أخرى، ولتصبح مسألة استعادة سيناء، التي ضدعوا بها رؤوسنا مدة الثلاثين عاماً السابقة، حقيقة على الأرض، لا حبراً على الورق.
خطّ النار الذي يقف عليه شعب مصر، هو ذلك التخبط والإضطراب، الذي يترنح فيه المجلس العسكريّ، ومن ورائه حُكومة شرف، في كلِّ مجالٍ من مجالات السياسة الداخلية والخارجية، وهو ما ينعكس سلباً على نجاح مصر في تحقيق ثورتها، والوصول بها إلى ما يتمناه لها أهلها، فالطريق طويلٌ، والصدع كبيرٌ، والعدو متربصٌ.