الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
الصورة التي ترتسم اليوم على ملامح المشهد السياسيّ في مصر، مطبوعةٌ بملامح الحيرة والإرتباك والتخبط، من أي جهة نظرت اليها، ومن كلِ فصيلٍ يظهر فيها.
الجيش، أو بالأحْرى، المَجلس العسكريّ، يتخبطُ في عدة فخاخ، لا نعتقد أنه يدرى كيف سيتعامل معها، إذ هي، كما يراها، مشكلات عَويصة، لا قضايا قومية، وعلى رأسها محاكمة مبارك، التي دُفع لها دفعاً على الرغم منه، والتي لا يعرفُ كيف ستكون تداعياتها. فالأوراق المقدمة من النائب العام العميل لا تُقدم للمحكمة أدلة عصيّة على النقض، ومن ثمّ، يمكن أن تنتهى المحاكمة لصالح المتهمين، وهو ما سيكون كارثةً شعبيةً لا يعلم مداها إلا الله. ولعل الجيش أن يكون معولاً على إدهاء حيادية القضاء، وأنّ من يخرُج معترضاً فهو من البلطجية، كما تعود أن يدعى على من يناقِضه.
ثم، المشكلة الثانية، موضوع "المبادئ فوق الدستورية" التي إبتدعها، وهي أمرٌ يعرف المجلس العسكريّ حَساسية المصريين نحوه، خاصّة كافة الأطيافِ الإسلامية، التي تمثل القوةَ الحقيقية في الشارع المِصريّ، كما رأينا في جُمعة الإرادةِ الشعبية. المجلس العسكريّ، علمانيّ الهوية، لا يريد إسلاماً في مصر، كما هو حال الجيوش لمن عرفها، وقد أعلن ذلك متحدثوه، ولم يخفوه. إلا إنه الآن يواجه معارضة حقيقية من الأطياف الإسلامية، وإن لم يكن من المؤكد مدى جديتها في الوقوف ضده إن استلزم الأمر ذلك.
ثم المشكلة الثالثة، موضوع الإنتخابات، البرلمانية والرئاسية، والتي تمثل عائقا هاماً أمام استمرار السياسة المصرية في مسارها الفاسد، والذي يتضح من طريقة مناولة المجلس العسكريّ للأحداث، أنه يريدها أن تستمر على منهاج مبارك، بل وبرجاله، إن استطاع. ومن ثم، فهو لن يقبل بإنتخابات حرة حقيقية، ولن يسمح بأن يَعتلى سُدة الحكم في مصر مرشحٌ يسعى لحرية حقيقية، سواء كان مسلماً أو علمانياً.
ومن جهة أخرى، فالكتلة الإسلامية، عدا الإخوان، تواجه مُشكلات عدة، لا تعرف كيف ستواجهها، مما يسبب إرتباكاً في سياستها، فالسلفيون لم يُعلنوا عن خُطَطِهم القريبة أو البعيدة، رغم شهادة الشيخ محمد عبد المقصود بخطأ عدد من رموز السلفية في فتاواهم الخاصة بعدم الخروج في الثورة، شهادة تحسب له ولهم. إلا إنه ينتظر من هذه الكتلة الكبيرة، والتي ينتمى اليها العديد من أصحاب العقول الراجحة، أن يقوموا بتنظيم أبناء هذه الكتلة، وإعلان سياستها بوضوحٍ، وإخراج برنامجها في العمل السياسيّ خلال المرحلة القادمة. ذلك أن عدم وضوح الرؤية لدى مشايخها وقياداتها، يجعل فعاليتها ضعيفة ومحل تساؤل.
أما الإخوان، فهم أقل فصيلٍ إضطراباً وأكثرَها وضوحاً في مصر. ذلك أن سياستهم "المَرنة" تجاه المواقف والمتغيرات، وموقفهم من السلطة، الذي نوهنا عنه في مقالنا السابق، إلى جانب تنظيم كوادِرهم، يجعل رؤية مواقفهم مَعروفة ومتوقعة مُسبقاً. وتتخّلص هذه المَواقف في مبدأ "قبول الأمر الواقع"، أي قبول كلّ ما يأتي به الواقع من أمورٍ وإعادة ترتيب الأوراق وفق خريطة الواقع الجديدة. إذنن فليس لدى الإخوان مشكلة تواجهها في المستقبل القريب، من حيث إنها تُطَالب ولا تُواجِه، وأن ليس لها أرضية ثابتة أومطلبٌ مُعلنٍ لا تتنازل عنه.
وهذا الموقف الشائك، لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يُسفر عنه، إذ المتغيرات كثيرة، ومعاملات التغيير عديدة، فهو، في صعوبة حلّه، كالمُعادلة الجبرية ذات العشرة متغيرات! لكن، الوضع الأحرج فيه هو المجلس العسكريّ، وإن إعتمد على قوة الجيش، إلا إنه من الظاهر أنه نسى أن الشعوب لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تفعل، كما حدث في 25 يناير، وان استمراره في لعبة القط والفار مع الشعب ستؤدى إلى كارثة لن يخرج منها منتصر.