فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وصايا لقمــــان (1): إنما أولادنا أكبادنا تمشى على الأرض

      ما تمثلت هذه الأبيات إلا وتذكرت قول المصطفي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة" (رواه أبي داود عن أبيّ بن كعب)، فإن أولادَنا بضعٌ منا لا ينزل أحد منزلتهم كائناً من كان، ولو كان الوالدين، ولهذا ذكّر الله سبحانه الأبناء بمنزلة الوالدين، وأوصاهم بمصاحبتهما معروفاً، ولم يوصٍ الوالدين بالأبناء لأن ذلك مما جُبلت عليه فطرُهم واستقرّ في قلوبهم، لا حاجة للتذكير به أوالحضّ عليه.

      والحب أصناف تتميز بتميز طرفيه، فحب الرجل لزوجه غير حبّ الرجل لأبويه، وكلاهما يختلف عن حبّه لأبنائه، وحب الأباء للأبناء حبُّ خاص مميّز لا مثيل له. فالمرء لا يتمنى أن يكون على الأرض أفضل منه علماً وأكثر منه مالاً وأعلى منه قدراً إلا وليده، فلذة كبده. وهو حب يَنْعَم به الآباء حينا ويشقوْن به أحياناً. يفرح الإبن بنجاح فيفرح الأب لفرحه، إذ إن فوزَه فوزُه ورفعَتِه رفعتُه، ويعترى الإبن ألماً، فتتداعي الآلام على الأبِ أضعافاً مضاعفة، فهو إن فرح لفرحه مرة، ألم لألمه مرات ومرات. ثم هو لا يستطيع إلى درء ذلك سبيلا ولا يقدر على أن يتحوّل عنه تحويلا، وها هو نبي الله يعقوب عليه السلام يبكى على ابنه يوسف عليه السلام حتى يفقد البصر، فسبحان من جعل هذا الحب مصدرا للنعيم تارة وللشقاء تارات.

      ثم إن أفضل ما يتمنى المرء أن يبلغ من منزلة أن يكون أكثر قرباً لله وأطوع له. ومن هنا نرى ذلك الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الآباء، الذين يقصّرون في حقّ حبهم لأبنائهم حين يُقصِرون هذا الحب على توجيه الأبناء للتميّز في الدنيا، والسعي وراء المال والمنصب، دون أن يكون للنصيحة بطاعة الله والإلتزام بشرعه مكان في هذا التوجيه.

      من هنا ندرك مكانة تلك الوصايا العظيمة التي وردت في الذكر الحكيم على لسان لقمان عليه السلام وهو يعظ ابنه ويوجهه بأفضل ما ورد على لسان أب لإبنه. وحريّ بكل أب مسلم أن يترسّم خطى لقمان عليه السلام فيما نصح به ابنه ليضمن له الرفعة في الدنيا والفوز في الآخرة.

      وسنقف سوياً، في الحلقات التالية، في ظلال هذه الآيات الحكيمة التي تجسد كلّ ما يأمل أب أن يراه في ابنه الذي يعظه بكل ما في قلب الأب من رحمة بإبنه، عظات أصبحت، بتضمينها في كتاب الله، موجِهاً عاماً للآباء في تربية أبنائهم وحملهم على الجادّة في كل زمان ومكان.

      “وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19(" سـورة لقمان

      د. طارق عبد الحليم