فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مِصر .. وضرورة الفَتح الإسْلاميّ الثاني

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

      كان من حُسن طَالع مِصر والمِصريين ذلك الفَتح المَبروك الذى قادَه الصّحَابيّ الجليل عمرو بن العاص رضى الله عنه، والذي تمّ عام 21 هـ بفتح الإسكندرية و"تنحِّى" المُقوقس، وإخراج القوة البيزنطية منها. وقد كان من نتيجة روعة الدين الإسلاميّ، أن دفعت سياسة عمرو رضى الله عنه، التي أمّنت مِصر، وضَبطت ثرواتها، وحسّنت مَرافِـقها، وسَوّت بين الكنيسَتين المَلكانية واليَعقوبية، أن دَخَلت جُموعٌ القَبط في الإسْلام. وهو رَدّ فِعلٍ إنْسانيٍّ طبيعيٍّ للعَدلِ والحقّ.   

      ولعلّه لا يكون من المُبَالغة أنّ نُقرّر أنّ مِصر الآن، تَحتاجُ إلى "فتحِ إسلاميّ" جديد، وذلك لأسبابٍ عدة، نبسُطها فيما يأتي.

      مصر الآن وَقعت، كما هو مَعلومٌ، تحت سَيطرة القوى المَسيحية الغربية الصَليبية، والتي دَعَمت، من ثم، القوى القبطية المصرية، التي تمثل أقلية متنَاهية في مصر، كما كانت الدولة البيزَنطية تسيطر على مصر وقت الفتح الإسلاميّ. وما كان هذا ليكون إلا من خلال حكم نظامٍ فاسدٍ لا ضمير له ولا إنتماء. وقد كان من نتيجة هذا النظام أن سقطت مصر في بئر عميق القرار، شديد الظلمة، من الفقر والتخلف والجهل والمرض، وتوابع ذلك من سوء الحالة الإجتماعية وإنحدار المستوى الخُلقيّ، والبعد عن الدين والفضيلة، والإستهتار بالقيم والمبادئ. عادت مصر إلى حالةٍ لا تليق بأمة يمتد عمرها الزمنيّ أكثر من سبعين قرناً، وعمرها الحضاريّ الإسلاميّ يربو على أربعة عشر قرناّ. أمة عظيمة متحضرة، ذاقت وبال أمرها حين سكتت على الطغيان عقوداّ تطاولت. والأمر الذي لم نعمل حسابه، كأمة، أنّ الهدم أسرع من البناء، فأمة بَنَت حضارتها قروناً، هدمها عملاءٌ فاجرون في سنوات معدودة.

      الفارق بين مصر البيزنطية ومصر المباركية، هو أن مصر البيزنطية، كان القبط فيها هم المُستعبدين الضُعفاء من إخوانهم النصارى، أصحاب المذهب المخالف. أما اليوم، فإن القبط هم القلة المتعالية، المستكبرة على الأغلبية المقهورة بالغرب الصليبيّ، من أجداد البيزنطيين. والمسلمون هم اليوم الضعفاء المستعبدون، الذين يغزوا بلادهم الغرب بفتنة المال، ووهم التقدم وفكر العلمانية اللادينية المردية. وقد نجح الغزو إلى حدٍ كبيرٍ، لولا لطف الله سبحانه ما كانت لمصر بعدها قيامٌ، بل قيامة.

      ثم، إن هذا الغزو الفكريّ الأخطر، قد عمل عمله، من خلال نظم التعليم، والمؤسسات الإستغرابية كالجامعة الأمريكية وغيرها، والمنح الدراسية المغرضة، والإعلام الفاسد المُوجّه، وكثير من سبل تشتيت الفكر وقتل الهوية. فقامت مجموعة من أصحاب الفكر اللادينيّ، الذين تصوروا أنفسهم روسو فكراً، أو ديكارت نقداً، فراحوا يزينون ويزيفون، ويهدمون الفكر الحضارىّ ولا يبنون. وكان كلّ توجههم إلى إفساد الإخلاق، لا توجيهها، دون الإهتمام بعلمٍ أو خبرةٍ تقوم على علم، وكأن اللباس الخليع سينشأ مصانع للصلب الثقيل، أو الأفلام الخارجة المنحلة ستُخرج معاملاً لتحطيم نواة الذرة، وتقييد حركة النيوترينات! فخدعوا عددا من الشباب الغرّ المبهور بما لدى الغرب من قوة، صورها لهم ابناء الشياطين على أنها نتاج الحرية الجنسية والتفلت الإخلاقيّ والإنفلات الدينيّ.

      وهؤلاء الشياطين، ليسوا عنا ببعيد، بل هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا، منهم من قضى وهلك، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، كجمال الدين الإيراني الرافضيّ، وسعد زغلول وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيد وطه حسين، ثم من المنتظرين اعدادق غفيرة، مثل محمد البرادعي وعمرو حمزاوى وإبراهيم عيسى وعمرو موسى، والآفٌ غيرهم ممن تربي في أحضان الإستشراق، ورضع من نجس الفكر الغربيّ العلمانيّ، فعشش الكفر في جنبات نفسه وفرّخ.

      حشدٌ هائل من الضلال، يراه المسلم المصريّ المسكين، الذي ينظر حوله فيرى فقراً ومرضاً، ثم ينظر إلى هؤلاء المارقين فيرى مالاً ونفراً، فيلعب الشيطان بعقله وقلبه، والنفس قد تروّضت على الربط بين المال وحسن المقصد وصحة المنهج، وهو من تزييف إبليس اللعين، فلا يحسن إلا أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل.

      ثم قامت ثورة مصر، وضجت النفوس بما حملت، وانقشع غمامُ الطاغية، لكن ليقع المصريون تحت سلطان سحرة الغرب، وعملاء الفساد، من الذين هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا.

      مصر إذن في حاجةٍ إلى فتحٍ إسلاميّ جديد، يأتي من داخلها، من الطليعة التي تعرف التوحيد وتؤمن به وتعمل عليه، لتعيد لهذا الشعب العريق ما فقده، لا في المال ولا في الرغد، فكلها عاريات مستردة وتوابعٌ مستهلكة، لكن في الهدي الجميل، هدى الكتاب والسنة، الذي أخرج مصر من الظلمات إلى النور من قبل، وحرى عليه أن يخرجها من ظلمات القهر واللادينية اليوم.