فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المشهد السّياسيّ اليوم .. في مصر

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

      يحتاج المشهد السياسيّ الآن في مصر، إلى عرّافٍ لا إلى مفكرٍ، يُجلى غُموضه ويفك طَلاسمه. فالتشَابكات التي على الساحة أبعد غوراً وأشدّ اشتباهاً ممّا يمكن أن يفهمه المرء بمجرد النظر.

      وأكثر الطرق سلامة في هذا الصّدد، هو أن ننظر إلى الأطراف المتضادة المتشاحنة على هذا المشهد، نفعم دوافعها وننظر إلى تصرفاتها في ضوء هذه الدوافع.

      أول هذه الأطراف، وأكثرها قوة وتأثيرا، المَجلس العَسكريّ. وللوصول إلى تحليل واقعيّ عادل متكامل بشأن سياسة هذا المجلس، يجب أن ننظر إلى تركيبته، وولاءاته ثم تصرفاته، وتلاؤمها مع هذه الولاءات. ومن المهم الواجب هو أن نتخذ كذلك من التحليل الشخصيّ للقائمين على هذه الأطراف وسيلة لا غنى عنها لفهم هذه الؤلاءات والتصَرّفات. الحقائق الثابتة التي لا يمكن ردّها تتمَثل في الآتي:

      • أن المجلس العسكريّ قد تمّ تعيينه مباشرة من المخلوع للتصدى للثورة قبل "تخليه".
      • أن أعضاء هذا المجلس هم زملاء ومُشَجّعى وحَافظى نظام مبارك منذ ثلاثين عاماً، دون لفظٍ إحتجاجٍ منهم!
      • أن قيادات الجيش كانوا من أكبرالمُستفيدين من نظام مبارك الساقط، مادياً ومعنوياً.
      • أن الجيش هو مؤسسة مصرية، نشأت بتشكيلاتها الحالية في أحضان النظام الفاسد، وطالها من الفساد ما طال كلّ مؤسسة أخرى في مصر، فما بالنا نراها بمعزلٍ عن الفساد؟
      • أن المَجلس العَسكريّ قال بصريحِ العبارة أنه لن يَسمح بقيام دولةٍ دينيةٍ في مصر. ونود أن نبيّن أنّ الدولة الدينية في عرف هؤلاء العَسكريين هي الدولة التي تحكم بالشريعة، إذ لا يفرق هؤلاء، بقدرتهم الذكائية المَحدودة، بين الدّولة الدينية في العُرفِ الكَنسيّ، وبين الدولة الإسلامية التي تُحكم بالشريعة.
      • أن المجلس الهسكري قد حافظ على بقاء عدو الله والناس، يحي الجمل، حتى أنهى مهمته في وثيقة الخزى المسماة بوثيقة الوفاق الوطني، التي تخدم أغراص العسكر في "طبخ الدستور".
      • أن المَجلس العَسكريِّ قد قال بصريحِ العبارة أنّه يريد أن يضع في الدستور بنداً يجعله، كمؤسّسة عَسكرية، أعلى من الدستور، ومن رئيس الجمهورية، ومن أية مُحاسبة مهما كان مَصدرها.
      • أن شخصيات المجلس العسكري، كلها لا تدين إلا لرُتبها ومراكزها، وتتولى من أهداها هذه الرُتب والسُلطة، مع قلّة دين لا جدال فيها، وعلى رأسِهم سامي عنان، والطنطاوى.
      • أن الجيش على صِلةٍ وثيقةٍ بأمريكا وإسرائيل، كما كان في العهد السابق، يُطمئِنهم على المَسار السياسيّ في مصر، وأنّ الحكومة المقبلة والبرلمان القادم لن يكون مَحكوماً بأغلبية إسلامية.

      وفي ضوء هذه الحقائق، يمكن أن نفهم ونُفسّر تصرّفات المَجلس بغاية الوضوح، مُروراً بحماية مُبارك وإعانته على تهريب ثروته، والتلكؤ في مُحاكمات الفاسِدين، والحِرص على إبقاء النَائبِ العام ووزير العَدل بالذات، لتحقيق هذه الغاية المُغرضة في حِماية الفساد. وهو ما يؤكد على استمرار نِظام مُبارك في الحُكم، بكامل عدته وعتاده.

      والطرف الثاني وهو أتباع مبارك المُباشرين، والمُمثلين في قياداتٍ شرطيةٍ وأمن الدولة، وعددٌ لا بأس به من رجال الشرطة الخونة، إلى جانب عدد من البلطجية، مدفوعي الأجر. وهؤلاء معروفةٌ أهدافهم، واضحة أغراضهم، لا تحتاج قراءتهم إلى ذكاء أو تحليل. ولا شك أنّ هناك صلة بين الجيش وبين هذه القوى، التي تحمل السلاح والصنج، وتعمل لصَالح من يدفع.

      ثم القوى التي يسمونها القوى السياسية، وتتمثل في كمّ من الأحزاب الكرتونية، بين القديم والجديد، وعَددٌ مما يُسمى إئتلافات الثورة الشبابية، وحركات مثل 6 أبريل وغيرها. وهذه القوى والحَركات، لها توجّه عِلمانيّ لادينيّ صريح، وإن أنكروا ذلك، وتتخذ من محمد البرادعىّ وأيمن نور وحمدين صبّاحي وممدوح حمزة والسيد البدوى، ومثل هذه الشَاكلة من البشر. وهؤلاء لهم من يمثلهم في الشارع المصريّ، من بعض أبناء الجامعات و"المثقفين"، ومن ورائهم قوة الإعلام، التي باتت تتخبط بين تأييد هؤلاء أيديولوجيا، وبين تأييد الجيش رعباً.

      ثم الإتجاهات الإسلامية، وهؤلاء ليسوا سواءاً، فالإخوان المسلمون، يسعون إلى ديموقراطية غَربية حقيقية تحتكم إلى الصناديق، مع الإلتزام بنتائجها، والرضا بها. وتطبيق الشريعة، في عرف هؤلاء، مندوب لا واجب، فإن كان فبها ونعمت، وإلا فالديموقراطية حاكمة، وعلينا الإنتظار. والإخوان، بفكرهم السياسيّ، يرون في تشجيع المَجلس العَسكريّ وتجاهل كلّ ما هو مُضادٌ لأهداف الثورة، بما في ذلك وقف الفساد ومحاكمة الفاسدين، يمكن التجاوز عنه في سبيل أن يصل ممثلوهم إلى الحكم، ولو بأقلية معتبرة، وهم يحاورون أيا من كان، والأمريكان والمجلس العسكريّ ويصفّون إلى جانبهم، من أجل تطمينهم على أنهم ليسوا بغاة إسلام يحكم، بل بغاة إسلاميون يَحكمون، والفرقُ شاسعٌ بينهما.

      ثم السّلفيون، وهم قوة جديدة على الساحة السياسية، وهم، في غاية التناقض في مواقفهم، فبينما هُم يَسعون لتحرير وفاء وكاميليا، ويطالبون بتحكيم الشريعة دون مواربة، كمنهج حياة، تجدهم يتقربون للمجلس العسكريّ إلى حدّ المداهنة، كالإخوان. وهذا، بالنسبة لهم دينٌ في حدّ ذاته، من حيث إن نقد الحاكم حرامٌ شرعاً مهما كان السبب، خلافاَ للإخوان.

      وقد نما إلى علم الإخوان والسلفيون، مؤخراً (!) أن العسكريّ يسعى إلى إصدار وثيقة تحمل مبادئ "فوق دستورية"، أي مُلزمة للشعب أن يوافق عليها ويعيش بها، تتضمّن عدم الحُكم بالشَريعة، وضمان أن يعلو الجيش على المُحاسبة. ومن ثم، يحاول هؤلاء الآن، أن يخرجوا إلى الشارع، مطالبين بتطبيق الشريعة ورَفض الوثيقة. ولا يَبعد موقف الجَماعة الإسلامية كثيرا عن السلفيين في هذا الصدد.

      الأمر إذن، على السّاحة السياسية، كما يلى:

      1. مجلس عسكريّ يريد استمرار الفساد، والتحَكّم في العباد، وتحكيم الديموقراطية العَلمانية الخاضعة لسَيطرة الجيش، دون أي إعتبار لمصلحة الشعب الحقيقية. وهؤلاء يستخدمون التيار الإسلاميّ، يضربون به العلمانيين، الساعين إلى القضاء على فساد مبارك، واستبداله بديموقراطية غربية علمانية، يحسبون أن فيها خيراً.، ويوهمون الإسلاميين أن الإنتخابات أولاً هي كل قضيتهم ومبلغ مطامحهم، ثم إذا بالوثيقة تأخذ الآن مكان الصَدارة.
      2. إسلاميون، على إختلافهم في المَشَارب، آية في السّذاجة السياسية، إذ يحسبون أنهم يخدّرون العَسكريّ، بالتعاون معه لقمع تظاهرات العلمانيين، أو تمجيده من باب طاعة ولي الأمر، أو التزلف لوزرائه كما في إحتفال الإخوان بحزبهم وترحيبهم بالعيسوى، بينما الناس يقتلون في الشوارع على أيدى بلطجية الجيش. وهم يعتقدون أن العَسكر سيُفسحون لهم المَجال لتنفيذ أجندتهم، وأن "الإستقرار" يُمهّد لهذه الإنتخابات، وهيهات هيهات، يشهد الله أن لن يكون إستقرارٌ والعسكر من أتباع مبارك في مناصبهم. والعسكر لن يتخدّروا بهذه السذاجة. والعجب أن من الإسلاميين من هم على قدر كبيرٍ من الفِكر واٌلإخلاص ممّن كنا نحسب أنهم أكبر من أن يقعوا في الشَرَكْ (بفتح الشين)، مثل د. محمد عباس، الذي سار سير عامة الإسلاميين في التحذير من الخروج على المجلس العسكرى، ورسم خطوطاً حمراء للعسكر والروينى والطنطاوى، كما كان مبارك خط أحمر! واصبحت مصر كلها خطوط حمراء متشابكة، بل ذهب إلى القول أن الجيش يعمل لمصلحة الوطن، مخالفاً الإرادة الأمريكية!! ولعل الدكتور محمد عباس أن يبيّن لمحبيه فارقاً واحداً بين مبارك وبين معاونيه في الجيش، لنذكر له 20 وجهاً يَجمعهم.
      3. العَسكر يرسمون للإسلاميين فخاً، أوّله تصوير حركة 6 ابريل (على خلافنا العقديّ معها، وعلى صحة علاقتها بأمريكا لتوافقها العقدى معها)، على إنها سببُ الإشكال، وهى التي تمنع الإستقرار الذي يؤهل للإنتخابات "النزيهة" التي تأتي بالإسلام(!)، وذلك قبل يومين من جُمعة الشّريعة، فسبحان الله، يا قوم ألا تعقلون؟ هذا الإتهام لحركة 6 أبريل، فخٌ منصوبٌ يوقع بين الإسلاميين وبين العلمانيين يوم الجمعة فانتبهوا. إن من صالح الإسلام أن يتعاون الجميع الآن لإسقاط نظام مبارك الذي لا يزال في مَكانه لم يَبرح، ثم يكون لكلّ مَقامٍ مَقال، والإسلام غالبٌ لا محالة. المجلس العسكريّ يفضل التعامل مع أي إتجاه علمانيّ عن أن يضع يده في يد إسلاميّ حقيقيّ، وقد ظهر هذا في موقفهم من الشيخ حازم أبو إسماعيل. وإلا فإن أكبر خاسرٍ في هذا الضّباب هم الإسلاميون، إذ بتكريس الفساد، وعودة نظام مبارك، ولو بغير مبارك، ستمرّ البلاد بأسوأ عهودها، بعداً عن الإسلام، وعن الحرية التي يدعو لها الإسلام، وعن العدل الذي يدعو له الإسلام، وعن التقدم الذي يدعو له الإسلام. وسيرى الإسلاميون أنهم وَضعوا ثقتهم فيمن لا ثِقة فيه ولا ضَمير له.
      4. وبلطجية، من الشُرطة وغيرها، يعملون في هذا الوسَط الغائم، يضربون هذا بذاك، ويوقعون بين الكلّ، وهو ما في مصلحة الجيش، وضد مصلحة الإسلام. وعؤلاء يقبعون في التحرير، وفي العباسية، وسيكون لهم دورهم في جمعة الشريعة.
      5. والشعب كله له مصلحة واحدة، أن يسقط نظام مبارك، وان يختفى عملاء مبارك، سواء من الجيش أو الشرطة أو الداخلية أو أمن الدولة أو البلطجية، فكلهم سواء.
      6. ومن ثم، فإن المَشهد الذي نراه في ميدان التحرير الآن، مشهد فوضى عارمة مستحكمة، إن دلّت على شئ فإنما تدلّ على ما قلنا، من أن الفوضى هي في مَصلحة الجيش، ومن صُنعه، ليكون له المُبرر الكافي، حين يقع صِدامٌ دمويّ بين الإسلاميين وبين العلمانيين مثلاً، في الجمعة القادمة، بإيعاز من الجيش وبمبادرة من البلطجية وأمن الدولة، المتواجدين في التحرير بغاية الكثافة، أن يضع يده على الحكم نهائياً، ويُلغى الإنتخابات، ويستمر في الحكم إلى يوم يبعثون. ولو لم يكن من صُنعه، فكيف تُفسّر هذه الفوضى التي نشأت وهو قابضٌ على دفّة الحكم، ولو أراد أن يفضّ هذه الإعتصامات لفضّها في دقائق معدودات. فالجيشُ إذن بين أمرين، إما الخيبة وإما الخيانة، وعليه أن يختار.

      فإن يكُ صَدرَ هذا اليومِ ولّى               فإنّ غدا لنـَاظرِه قريبُ