ذكرت أنباء الجزيرة عن مصادر إعلامية عالمية أن الولايات المتحدة لا زالت ترى أنّ "القاعدة" تمثّل الخطر الأكبر على أمنها القوميّ! خبر فَرِحَ به البعض وابتأس له البعض، إذ إن الناس يتفاوتون في إدراك مغزى الأحداث والأنباء، وموراردها وعواقبها تفاوت ما وهبه الله سبحانه لكلِّ من قدرة على رؤية ما وراء الحدث أو النبأ الذي يعكس حدثاً.
والقاعدة، وإن كان لا شك في أنها تنظيم موجود حقيقة على أرض الواقع، إلا إنه تنظيم لا يعرف أحدٌ حجمه الحقيقيّ إلا من خلال ما يقدمه لنا أعداؤه وأعداؤنا من الغرب الصليبيّ. ومع التقدير للدور الجهاديّ لهذا التنظيم ضد المعتدين المحتلين في العراق وأفغانستان، إلا إنه يجب الحرص في تقدير أثر التنظيم وقوته الحقيقية ومدى فاعليته في الأحداث الجارية، إذ إن أعدائنا وأعدائه يستغلون أي تهويل أو تضخيم لصالحهم ولضرِّنا.
فمنذ أحداث 11 سبتمبر ولم نرى من التنظيم إلا تهديدات لم ترى النور مرة واحدة، وما حدث في لندن أو أي منطقة أخرى إنما هو إما من ترتيب المخابرات في تلك الدولة أو من فعل من ينتمى إلى الفكر الإسلامي السلفي الجهادى دون إرتباط بالقاعدة أو غيرها إلا ما كان من ولاء الإسلام العام. ومن الخطأ أن يُحسب كل عمل إسلامي جهاديّ على التنظيم، إذ إنه، إلى جانب أن ذلك مجانبُ للحقّ، يقلل من إظهار مدى أثر الفكر الجهاديّ في التجمعات الإسلامية من ناحية، ويضخّم من التنظيم وراء حجمه الحقيقي من ناحية أخرى. وهذا التضخيم إنما هو أداة يستخدمها الأمريكيون كعذر للتدخل في كلّ جزء من أجزاء العالم الإسلاميّ، فهنا تنظيم القاعدة ينشط ويضرب، فلنضرب ونقتل ونشرد، وهناك تنظيم القاعدة يعبـّؤ ويجند، فلنضرب ونقتل ونشرد، وتنظيم القاعدة ليس له في هذه الأمور كلها ناقة ولا جمل. ولا أدرى والله إن كان من الواجب الشرعيّ على قيادات هذا التنظيم أن تبيّن للعالم ما تفعله حقيقة مما يحسب عليها بغرض ضرب المسلمين في كلّ مكان.
ونظرة في واقع المقاومة الإسلامية تنبئ عن صحة ما ذكرنا. فالمقاومة في العراق وإن كان جزء منها تابع لهذا التنظيم إلا أننا نحسب أنه جزء صغير لا يقاس إلى المقاومة السنيّة الشرعية العراقية التي كان لها دور على مدى تاريخ العراق قبل ميلاد القاعدة بزمن. والقاعدة في أفغانستان لا يكاد يكون لها دور إلا دور القيام بحفظ النفس، وإنما المقاومة ترجع كلها إلى طالبان. والعجيب أنّ القوى الغربية الصليبية لا تتحدث عن القاعدة في أفغانستان ودورها الجهاديّ بالمرة، من حيث يفترض أنها منطلق المقاومة القاعدية في أنحاء العالم، بينما تحسب على القاعدة كلّ مقاومة أخرى في كافة أنحاء العالم! هذا يدلّ دلالة واضحة على ما ذكرنا إذ لا يمكن أن ينسب عمل في أفغانستان إلا لطالبان أو لقبائل السنة في وزيرستان على حدودها.
الأمر أمر تضخيم مقصود متعمّد لتنظيم القاعدة يراد به تبرير الهجوم الضاري على الإسلام والمسلمين في أنحاء الأرض، وهو تكتيك قد استخدمته أمريكا من قبل في حرب العراق الأولى حين أشاعت أن جيش العراق هو رابع قوة ضاربة في العالم!! استهزاء بعقول الناس وتمهيد سخيف لضربة وشيكة.