فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإخوان .. ورَصيد الشَارع المِصريّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

      من أشدّ الأخطاء التى يرتكبها نظامٌ من النُظم، أو تَجمعٌ من التجمعات، هو أن يركن إلى رصيده الذي مضى، ويظن انه سيظل معه بمفهوم الإستصحاب للأصْل المُقرر! فإن التاريخ، وتجارب البشر لا تُساند هذه النظرية التي تدل على سَذاجة صاحبها، أو غروره، أو جهله بتفاعلات الشعوب، وتبدّلات أهوائها.

      ولحركة الإخوان المسلمين رصيد كبير في الشارع المصريّ، بل وعلى صعيد العالم العربي، لا يجادل أحدٌ في هذه الحقيقة. ذلك بما قدموا خلال تاريخ طويل شاقٍ، ما ارتضوه وآمنوا به، ونصَروه بالطريقة التي رأوها مناسبة لذاك الطريق، واحتملوا في سبيل ذلك ما جاءت به الأحداث من صَعبٍ ومرٍّ.

      لكن الأمر الذي نوجّه اليه النظر هنا، هو أنّ ذلك الرَصيد من التقدير والإحترام، ومن ثم في القُدرة على التأثير في رجلِ الشارع العاديّ، لا العضو المنتسب الذي يسمع ويطيع إبتداءاً، ليس برصيدٍ ثابتٍ على مرّ الزمان وتبدل الأحداث. بل هو مرتبطٌ، بشكلٍ حاسمٍ، بقدر الثقة التي يشعر بها المواطن العاديّ في مواقف الجَماعة وفي حكمة تصرفاتها وصَواب قراراتها.

      فالنظر المحدود إلى أعضاء الجماعة، وأعداد منتسبيها، لم ولن يكون هو مِفتاح النجاح لأى جماعة دعوية  إسلامية، تعتمد في فكرها على أن القاعدة العريضة من الشعب مسلمة. وهو ما يفرّق بين فكر التكفيريين، وفكر غيرهم من أهل الدعوة.

      فالتكفيريون يرون القَاعدة الوحيدة التي يرتكزون عليها هي أعضاء جماعتهم، إذ لا خيرَ في الغير. وهو منطق أبعد ما يكون عن مَنطق أهل السنة والجماعة، الذين يروْن الناس باقين على أصْل دينهم، وإن تغبّشت بعض مفاهيمهم وتصوّراتهم. ومن ثمّ، فَهُمُ الوَقود الحَقيقي والقوّة الدافعة وراء أي تَجمعٍ إسلاميّ ذى مَعنى وهدف.

      والحق الذي لا جِدال فيه أنّ القرارات الأخيرة التي صَدرت عن قيادات الإخوان، قد خلقت فجوة بينها وبين القاعِدة العَريضة من الشعبن أو من "الغالبية الصامتة" كما أسماها بعض المتحدثين. وأخشى أنّ قيادات الإخوان لا تنظر إلا إلى المُسجلين في سِجلات العضوية، وهم من المُلتزمين المُشجعين للقرارات، أيا كانت، فالجماعة، كما صوّرت نفسها في الفترة الأخيرة، تعمل بالنهجِ العَسكَرى الذي يقوم فيه مبدأ السَمع والطّاعة مَحل المناقشة والمُحاورة. ونحن لا نعترض على ذلك التوجّه، إذ ليس لأحدٍ أن يعترضَ أو يعدّلَ على القائمين على عملٍ ما، خاصّة من هم من خارِج أسواره. لكن النصحَ واجبٌ إسلاميٌّ لا يقف عند حدود جَماعةٍ أو تجمعٍ.

      ونحن لا نريد لجماعة الإخوان أن تفقِد رَصيدها بين الناس، فإن في ذلك ضَعفٌ للتوجّه الإسلاميِّ عامة، حتى لو إعتبرنا الخلاف بينها وبين الإتجاهات الإسلامية الأخرى، إذ الهدف النهائي واحدٌ، أو هكذا أحسب، وأتمنى! ومن هنا أردت أن أؤكد على ما سجلته حقيقة لا حديثاً، من أن الكثيرين قد فقدوا الثقة في الإخوان، كجهازٍ يصلح لإدارة البلاد. ومن حُجج بعض هؤلاء فيما قالوا إنّ مظاهر التردّد، والتعامُل الوديّ مع النظام، والتساهل المُمَنهج في مفهوم التحاكم، وعدم المُشاركة في كثيرٍ من المواقف الوطنية لتجنّبِ الإصطدام مع النُظم الحاكمة، ومداهنة الجيش، وكثير غير ذلك من المواقف التي تشككك في نوايا الجماعة، وفي ترتيب أولوياتها. وهي أمور إن إغتفرها الناس للسلفيين، لحداثة خوضهم السياسة وقلة معرفتهم بدروبها، وليتهم ما فعلوا، إلا إنهم لا يغفرونها للإخوان، مع طويل خبرتهم وعميق تمرسهم بها. كان يجب أن لا يغيب عنهم أن الشارع لا ينسى ولا يرحم، وإن ظهر غير ذلك لبادىَ الرأي.

      ولاشك أنّ قيادة الجماعة لديها مُبررات وجيهة من وجهة نظرها، ولا شكّ أنّ هذه الوجهة لها إعتبارٌ ما، في ظروفٍ ما. لكن الغرض هنا هو إثبات أنّ الإخوان قد خسروا من رصيدهم عند القاعدة العريضة من الشعب المسلم، وهو ما نكرهه ولا نتمى إستمراره. لكن هذا الأمر بيد القيادة الإخوانية، التي نرجو أن تستمع لنبض الشارع، لا لنبض أعضائها.