الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم
استمعت إلى برنامج جديد – اسمه مال مصر - على قناة أون تي- في، رغم كراهتى الأصيلة لها! لمذيعٍ لادينيّ اسمه حازم شريف، استضاف فيه د. عصام العريان، والمهندس أشرف بدر الدين من حزب الحرية والعدالة الإخوانيّ. وقد تضاربت بين نفسى وعقلى المشاعر والأفكار، تأخذني المشاعر جانباً، فأتحَيز للإخوان، وأقف في صَفهم ضدّ العِلماني المذيع، الذي كالعادة، تحدث عن أن لديه 63 تعقيباً، ثم تمخّض عن اثنين، هما البطاقتان المعروفتان لدى كل العلمانيين في مواجهة المسلمين، القروض البنكية الربوية والسياحة. الرجل أراد أن يطمئن إذا ما كان الربا سيظل مُتداولاً في النظام الإقتصادي، وأن لباس البحر النسائيّ "المايوه" وأن الخمور ستظل تباع في مصر. ثم يأتي العقل فيعترض على بعض ما جاء في برنامج الإخوان – أو حزبهم – وفي طريقة الردّ على المذيع اللاديني. وهذا رابط البرنامج لمن أراد مشاهدته http://www.youtube.com/watch?v=xgBck5harYU&feature=relmfu. . ثم اليك التفاصيل.
ومع إعجابي بحِرَفية البرنامج الحزبيّ، وصبّه عدد من المفاهيم الشرعية كأطر للتعامل مع واقع الحياة، وهو ما نحسب انه لا خلاف بين المسلمين في هذا التوجه، إلا في التفاصيل التي تعرض لها البرنامج، أحب أن أوجه بعض الملاحظات على هذا البرنامج الحزبي، مع تحفظى الشديد على موضوع إنشاء الأحزاب في هذه المرحلة الضَبابية من تاريخنا، حيث لا تظهر فيها بعد معالم الإسلام ولا أعلامه، واضحة صَريحة غير مختلطة، وهو ما نسعى اليه بعون الله. فمن هذه الملاحظات إنه:
- يجب أن يكون منهج الحزب "يقصد إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، نصاً وإجتهاداً". هذا ما يجب النصّ عليه ابتداءاً، إذ لا أدرى والله ماذا يعنى "حزب مدنيّ ذو مرجعية إسلامية"؟ ونحن نفهم أن هذا النصّ قد وُضع لمجاراة قرار لجنة الأحزاب بعدم السماح لأحزاب دينية بالتكوين، لكن من الممكن أن يقال "حزب مدنيّ (غير عَسكري) ذو مَرجعية إسلامية تقصد إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، نصّاً وإجتهاداً"، فيتم التعريف بمعنى المَرجعية، ويكون على توافقٍ مع شرع الله، ومع ذلك الشَرط الإلزاميّ في تكوين الأحزاب.
- إن كانت الدولة المُسلمة تحارب الربا، إلا إنها، في نهاية الأمر، تقصد إلى القضاء عليه، فكان من الواجب أن يضاف إلى حربه، أنها حربٌ تقصد إلى القضاء عليه، وإحلال المعاملات الإسلامية محله. وقد ألمح إلى ذلك الدكتور العريان، والمهندس بدر الدين، من بعيد، لكن الوضوح هنا أساس مكينٌ لا يجب التهرب منه أو التغطية عليه، أو إخفاؤه. ونحن نفهم أن إيقاف عمل المنظومة المالية الربوية أمرٌ لا يحدث في غمضة عينن ولا يحسب هذا إلا جاهلٌ، أو غرٌ صغيرٌ. لكن أن يخفى هذا الهدف الشرعيّ المؤكد، والذي تاركه في حربٍ مع الله ورسوله، في وشاحٍ من التسييس والمناورة، لأمرٌ كنا نكبر الأخ العريان، وجماعة الإخوان، عن أن يداوروا فيه.
- إن موضوع السِياحة، في مفهوم الحزب، قد خرج عن الإطار الإسلاميّ بشكلٍ تامٍ، إذ قد حاول العريان أن يضع قيداً في حديثه أن "ليس هناك أي تغيير الآن"، لكن المذيع اللادينيّ أسرع بالتعليق "الآن، وماذا عن بعد؟" فما كان من الأخ عصام إلا أن استسلم قائلا: "ولا بعد". وقد أرجع الأخ عصام هذا إلى أنّ عدم شرب الخمر لا يكون إلا بوازعٍ أخلاقيٍّ، لا بقانونٍ مفروضٍ، وأن التجربة الأمريكية في الثلاثينيات من القرن الماضى أثبتت فشل هذا التقنين!
والحقّ إنني لم أكن أتصور أن يَصدُر هذا التعميم، بأن إباحة شرب الخمر والعرى على الشواطئ لا غضاضة فيه، وانه لا يخضع للتقنين في الإسلام، إلا بالوازع الأخلاقي، من إسلاميّ! ولو عَمّمنا هذا التصوّر، ولا أرى حجة لدى الأخ العريان لعَدم تعميمه إذ طبقه بالفعل على واحدة من أشد المحرمات في شرع الإسلام، لذهبنا إلى أنّ كافة المُحرمات الإسلامية، بل والأوامر الشرعية كالمواريث وأحكام النكاح، هي توجيهاتٌ أخلاقية غير مُلزمة شرعاً! فما هو معنى تحكيم الشرية إذا؟ وهل يؤمن الأخ العريان بأن تحكيم الشريعة فرض لازم على الفرد المسلم وعلى الجماعة المسلمة، دع عنك أنه من التوحيد، حتى لو إعتمدنا التوجّه الإرجائيّ؟ وأتساءل، هل لفكر التصوّف دور في هذا التهوين من إخضاع القانون للشريعة، ومن إلقاء عبء الإلزام الشرعيّ بالحلال والحرام على الوازع الأخلاقيّ، لا على قوة السلطان بجانبه؟ ثم ماذا يعنى الأمر الشرعي إذن، والذي هو قانونٌ في حَدّ ذاته لا يحتاج إلى تقنين في حياة الفرد أو المجتمع سواء؟
هذا أمرٌ أعتقد أنه مخيفٌ من حيث أن الحُكم باسم الإسلام، بهذا المنطق، يعتبر تبديلاً لمفهومٍ أساسيّ في المنظومة الإسلامية، كما هي في مفهوم أهل السنة والجماعة. وهو أمر لا يخضعُ للتلاعب أو المداورة السياسيّة، فهذه الأوامر والنواهي جاءت "للذين آمنوا" أفراداً وجماعات. وهذا، والحقُ يقال الفارق بين إتجاه الشيخ حازم ابو اسماعيل وبين الإخوان، فالشيخ حازم كان واضحاً صريحاً مباشراً في أن الدولة الإسلامية تحكم بالحلال والحرام، لم يزلزله تبجح المذيعين اللادينيين عن حقٍ شرعيّ، كما أوضح أنّ الإسلام لا يرضى عن العُرى لا بحجة السياحة والدخل ولا بغيرها. ومن هنا فإن رصيدَه عند المسلمين قوىّ (حاز على 91% من مجموع 223 مصوتا على موقعنا)، وعند الله.
الأمر أن هذا التوجه لدى جماعة الإخوان، ولدى حزبها، يمثل، حقيقة، النظر إلى دولةٍ ذات مرجعية إسلامية، لا دولة مسلمة. وهو ما يعنى، على حدّ فهمنا لهذه المصلطلحات المحدثة، والتي يقابلها دار الإسلام أو دار البدعة أو دار الكفر في مصطلح الفقه الإسلاميّ، أن الدولة ليست دولةٌ مسلمة، بل دولة، إن أحسنا الظن، هي دار بدعة.
وقد كنا نودُّ أن يقود الإخوان حركة المجتمع إلى دولة الإسلام حقيقة لا رمزاً، لكنّ ذلك يصبح صعباً في ظل هذه المفاهيم، بل وأكثر من ذلك، أن سيؤدى هذا إلى شرخ كبيرٍ في النسيج الإسلاميّ في مجتمعنا المصريّ، من حيث أن كثيراً من المسلمين لن يرضوا عن هذا الخَلل التشريعيّ المَعيب. وسينقسم هؤلاء الناقمون إلى ثلاثة أقسام، مذعنين لحكم السلطان أيا كان، وهم عدد من السلفيين، ثم أهل السنة والجماعة، الذين سيستمرون في الدعوة لتبديل هذه الأحكام وإلى تحكيم الشرع، بكل وسيلة متاحة حسب ظروف الواقع، ثم إلى الشباب الذي يحمل السلاح في وجه الخارج على الشريعة آنياً، من الجهاديين. وأي خير إذا فعل الإخوان!؟
وما لا أفهم إلى الآن، هو لماذا هذا التوجه، في التسليم والإذعان لأصحاب الفكر العلمانيّ اللادينيّ،علماً بأن الغالبية الشعبية مع التوجه الإسلاميّ الصحيح المتكامل؟ لماذا نعطى الدنية في ديننا، ونحن أهل الدار وأصحاب القرار؟ إلا أن يكون هذا هو إيمان الإخوان حقيقة لا سياسة، وهو ما لا أرضاه لهم، ولا لأى مسلم يدّعى طَاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.