فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      دعوة إلى أهل السُنة والجَماعة.. خَريطةُ طَريق

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

      يسأل الناس، كلّ الناس، من المهتمين بالعمل الإسلاميّ اليوم، سؤالاً واحداً، مَركزيا، ومِحورياً: ماذا نفعل الآن؟ وهم في تساؤلهم هذا، واستشرافهم للإجابة ممن يظنون بهم خيراً في العلم والدين، على حقٍ، فالأمر اليوم ليس أمر تنظير، بل أمر إرشادٍ وتوجيه، بعملٍ لا بقول. والناظر إلى خريطة العاملين في الحقل الإسلاميّ، أو المَحسوبين عليه، يجدُهم إما جماعات ينتمى اليها أحزاب، أو جماعاتٍ بلا أحزاب، أو أفراد يتنمون فِكرياً إلى جَماعات. ولست في هذا المقال بصدد تصويب أو تزييف لبرامج او خطوات عملٍ، وإنما لرسم خريطة لمن لم يجد أمامه طريقاً مُمهداً للعمل في إطار منهج "أهل السنة والجماعة".

      فأما عن الجماعات التي ينتمى اليها أحزاب، فهم الإخوان وحزب العدالة، فإن هذا السؤال غير مطروح، إذ جماعتهم وحزبهم قد اصدروا برامجهم التي تصور مناهجهم، وبالتالي خُطوات عَملهم وجَداول عمل أتباعهم. والإخوان، بصفة عامة، يَصعب تصنيفهم كأهل سنة وجماعة على أي حالٍ.

      والسلفيون، وإن لم يكن لهم حزبٌ رسميّ يضم كلّ إتجاهاتهم وأفرادهم، إلا إنهم  يدعمون حزب النور. وهو حزب يقوم على ضرورة التحاكم إلى الشرع، وبناء الدولة في إطار الشريعة. وقد إعترض بعض الإخوة على ما ورد في بيان الحزب من ذكرٍ لكلمة "الديموقراطية" في بند رقم 1 من البرنامج السياسيّ، حيث جاء فيه "التأكيد على أن المحافظة على الحقوق الأساسية والحريات العامة في إطار من الشريعة الإسلامية من الأولويات التي لا يمكن بدونها بناء الإنسان والوطن بناء سليماً قوياً، وكذلك أهمية إطلاق الحريات المشروعة، ودعمها مع المحافظة على ثوابت الأمة والنظام العام، ومن ذلك: حرية الرأي والتعبير، وحرية الإعلام والصحافة والنشر، وحق تكوين الجمعيات الأهلية، وإصدار الصحف والمطبوعات وعدم إيقافها إداريا. وأن تكون السلطة القضائية هي صاحبة الحق في الفصل في الطعون الخاصة بالأحزاب و الصحف. ومن أهم الحقوق التي ينبغي الحفاظ عليها:

      1- حق المجتمع في تقرير نوع ومضمون تعاقده مع من يحكمه ويُسيّر شأنه العام، في إطار من الشورى والديموقراطية وبعيداً عن التسلط والاستبداد."

       إلا إننا نكرر أن مجرد استخدام الكلمة لا يعنى كثيراً، بل الأصل معرفة المقصود بها في موضعها، وبالنسبة لمن وضعها، إذ ا الأصل في الحديث أن يعود معناه إلى قصد قائله، إلا في التعاقدات فيرجع إلى قصدِ المُستمع. والواضِح الجَليّ هنا أن المقصود بها مُضادة الديكتاتورية والتسلط، فهي هنا قسيمة للشورى.

      ولهذا الحِزب توجّهاته، التي نحسبها على خيرٍ، من مطالبة بتطبيق الشريعة، ونشرٍ لمعاني التوحيد والعبودية لله، ولم أقف على ما يشرح موقفهم من موضوع الولاء المطلق للسُلطة الحَاكمة مهما كان إتجاهها، وهو ما يعيب الحركة السلفية بشكلٍ عامٍ، ويخرجها من إطار أهل السنة والجماعة الخُلّص، إلى دائرة أهل السنة العامة.

      أما أهل السنة والجماعة، ممن لم ينضم إلى جماعة أو ينخرط في حزبٍ، فإن الخطوات التي أراها ضرورية في هذا الوقت هي كالتالي:

      1. إنشاء وتسجيل جمعية أهلية - ليست حزباً - يكون لها مجلسٌ ترأسه شَخصية عِلميةٌ متفقٌ علي فَضلِها، وعُضويةٌ عدد من الشخصيات ذات الوزن العلمي والفكريّ في هذا الإتجاه.
      2. تدوين تصورعقديّ عامٍ، يَحكُم ويُحكِم الإطار العام لتصورات الجمعية، سواءاً في مرحلة الدعوة إلى ضرورة التحاكم إلى الشره، أو مرحلة الجهاد في سبيلها إن أخفقت السُبل البديلة التي تعصِم دمَ المُسلمين، والتي يجب السير في طريقها بشكلٍ موازٍ.
      3. تدوين تصورٍعمليّ للمَرحلة المُقبلة، يشمل، فيما يشمل:
        1. إنشاء مقار للجمعية في كافة المحافظات، وتعيين ممثلين لها في هذه المَقار.
        2. نشر الدّعوة من خلال هذه المَقار، بكافة الوسائل، كعقد الندوات، إلقاء المحاضرات، وتوزيع المُحاضرات، والترويج للمواقع المُوافقة للمنهج، وغير ذلك من وسائل تقنية وإعلامية.
        3. البعد عن الإعلام الحكوميّ بكافة اشكاله وعدم الإستدراج للحديث من خلاله.
        4. إنشاء صندوقٍ للدعوة، يجمع التبرعات للإنفاق على نشاط الجمعية، سواء بعمل إشتراك، أو بتقبل المعونات من المسلمين لا غير، أو بكليهما، ويكون تحت إشراف مَجلس الجَمعية المُباشر.
        5. بيان الطريق الأمثل للتغيير، وهو أن يتقبل المسلمون التحاكم إلى الشريعة، وأن يَجعلوا هذا الهَدف واضِحاً بكل سبيل، من تظاهراتٍ أو إعتصامات، أو غير ذلك حسب ما يلزم، إذ القضية، كما يعرِضها أهل السنة، قضية كفر وإسلام، لا محاورة فيها ولا مداهنة.
        6. بيان أن أهل السنة سوف يطرُقون كل باَبٍ، ويسلكون كلّ طَريق، ويقطَعون كلّ وادٍ، من أجل تطبيق الشريعة، سواءاً جاء ذلك حالاً عن طريق تحرّك الأغلبية المُسلمة الصامتة من أجل هذا الهدف، كما تحركت من قبل، أو بأي وسيلة أخرى متاحة لهم، كإستمرار التحضير والدعوة حتى يتحقق هذا التحرك. فإن جاء الحِراك الحاليّ بما يجعل الشريعة حاكمة، فإن الدعوة تستمر لتمكين مفهوم التوحيد في العقول والقلوب، فلا يُخشى بعدها من ردة عن الحق. وإن لم يأت الحراك بأي تغيير، فالدعوة سائرة في طريقها إلى الهدف، ولو بعد حين.
        7. توعية الجمهور بشأن الديموقراطية والعلمانية، وبيان حقيقة ما يقصد بهما اللادينيون.
        8. التنبيه إلى ما عليه الدعوات الأخرى التي تلتحف بلحاف الإسلام، من خير يشكرون عليه، ومن إنحراف يجب أن يُصحَّح، وإنه رغم أنهم مسلمون، ويستحقون ولاء النصرة منا، إلا إن ذلك لا يمنع من النصح فيما فارقوا به المنهج السلفيّ السنيّ لأهل السنة والجماعة، دون خلطٍ بين قضيتيّ الولاء والنصح، أو بين مفارقة اللادينيين، التي هي مفارقة الإسلام للكفر، ومفارقة أصحاب المناهج المنحرفة، التي هي مفارقة بيان وتعليم.

      الأمر أنّ أهل السنة يجب أن يكون لهم كيانً واضح، ومركز واضح، وقيادة واضحة، يتجمع حولها كلُ من يؤمن بهذا النهج الربانيّ، في أنحاء مصر. وبدون ذلك، فإن الدعوة ستظل عاجزة، قاصرة، محدودة، وسيظل شبابُ الحركة متباعداً، متنافراً، غير مُجمعٍ على خطةٍ، ولا قيادة.

      ثم أمران يجب أن نتفطن لهما، الأول أن حلّ المشاركة في إنتخاب ممثلي الشعب أو الرئاسة من المسلمين في هذا المناط كنا بيّنا، لا يعنى التخلي عن هذا الطريق، فهو غالبا ما سيؤول اليه أمر التغيير المرتقب على أية حال. والثاني هو أن لا يجرَنا حماس الشباب إلى كلام لا دلالة له في الواقع، ونقصد بهذا ما يردّده عدد من الشباب من أن "الجهاد" هو الحل الأمثل والأوحد أمام أهل السنة والجماعة. ولا أدرى ماذا يعنى هؤلاء بهذا التقرير؟ أيقصدون أن يبدأ أهل السنة في مهاجمة الشرطة، أو مواقع شرطة عسكرية، وقتل جنديين أو ثلاث أو عشرة، مما يعود بنا إلى تجربة الجماعة الإسلامية؟ أي جهاد يعنون؟ هل يعنون قتل المُمتنعين عن قبول الشريعة من إعلاميين وغيرهم؟ أم قتل عامة الشعب الذي لم يخرج لنصرة الشريعة؟ وبأي شكلٍ يقصدون؟ وهل هذا طريقٌ لتغيير نظامٍ قائمٍ؟ ألا قد أثبتت العقود السابقة والتجارب الخالية، لمن له عقلٌ، أن الطريق للتغيير يمر بالأغلبية، تظاهراً أو إعتصاماً أو تصويتاً، أو أي مما شئت من الصور. فما أسهل الحديث، وإطلاق الشعارات الحماسية، لكن أمر الواقع غير أمر الحديث والأماني.

      الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، ولكن الأمر في تحديد أشكاله، وما يقبل التطبيق في أرض يشغل معظم حيزها مسلمون. وسيجد هؤلاء الشباب، حين يعودون إلى الارض، أن طريق الجهاد هو السير قدماً في الدعوة إلى أن تتحرك الأغلبية الصامتة مرة أخرى، فهذا المَنهج من الإغتيالات العَشوائية لا معنى له ، بل لا يحلّ بهذه الصورة. إنما يكون الجِهاد بخروج المُظاهرات التي تطلب حقها في الحياة بالإسلام، ثم تواجه ما تواجه ساعتها. هذا هو التصور الواقعيّ للجهاد. ومن لديه تصور آخر، يقبل التطبيق، فليخرج به إلى الناس، بدلاً من تثبيط عزائم من يريد الدعوة، وإحياء الأمة، بحديث عن جهاد، لا يتمخض عن أكثر من كلماتٍ في نهاية الأمر.

      وإني على إستعداد للتعاون في هذا السبيل بكل وسيلة ممكنة إن شاء الله تعالى. فهبوا إلى العمل هداكم الله.