حين قرأت خبر أنّ البوليس الباكستاني قد إعتقل عضوين بارزين بالمعارضة، وأن البوليس المصري قبض على عدد جديد من أعضاء الإخوان، قفزت إلى ذهني هذه الآيات الكريمة "وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {113} قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {114}" الأعراف.
حين نعترض على نظام من النظم السياسية، فإنه يجب أن يكون معلوما أن النظام، أي نظام، لا يقوم برأسه، أو رئيسه، لا غير، هذا تبسيط مخرّب للحقيقة، بل إن النظام يقوم على "شُـلّة" منتفعين يلتفون حول الرأس القائد، يؤدون ما يُطلب منهم مقابل الأجر والقربى، وكلاهما هام لإستمرارية النظام. والأجر في أيامنا هذه، عقود تـُوقـّع وأراضى تملّك، واتفاقيات تـُبرم، وتوكيلات تـُسند، وحسابات أجنبية تتضخم، إلى جانب ما يمنحه النظام لرؤوس الآلة العسكرية وقادتها من إمتيازات وحقوق وأولويات في تمليك الشقق واشتراكات النوادى وما شئت أن تتصور من هذه العطاءات غير المجذوذة وغير المبروكة.
أما عن القربى من الحاكم، فهي العطاء الأهم في هذا التبادل غير الكريم، ونلاحظ في الآية الكريمة أن السحرة "شُـلّة المنتفعين" قد طلبوا الأجر، وأن الحاكم هو من عرض القربى، فعطاؤه أجزل من طلبهم نظير الخدمة والولاء. والقربى تنفع كلا الطرفين، فالحاكم يحيط نفسه بمن يعرف أنه محتاج إلى العطاء لا يقدر على الحياة دونه فيضمن ولاؤه مهما كان ثمن الولاء، والمنتفع يكسب الودّ والقربى وإحساس الأمان المزيف وما يأتى مع ذلك من مناصب وزارية وكراسي نيابية ونجوم ونسور على الأكتاف وتَسلّـُط على رقاب الناس!
وأي محاولة للتغيير يجب أن تبدأ من هذا التصور والفهم لأبعاد المشكلة وتحديد الطرف الأقوى في هذا الجهاز المتسلط، وهم "السحرة"، وطالما أنّ "فرعون" يجد سحرة يلهثون وراء الأجر ويتمنون القربى فإن شخص الرأس الرئيس لا يعنى كثيراً في هذه المعادلة، فإن سقوط فرعون من الفراعنة لا يستلزم نهاية السحرة والقضاء عليهم. فأمر التغيير يجب أن يُعنى أول ما يُعنى بكيفية تصحيح مسار القاعدة التي تفرز السحرة وتقليل فرص وجودهم وسيطرتهم على أطراف المنظومة الحاكمة. إيجاد شخصيات حرّة لا تنتمى إلى منظومة السحر من ناحية والعمل على هدم منظومة السحر وتجفيف منابعها وجهان لعملة لازمة لتغيير الواقع، وشرطان أوليان يأتيان قبل الدخول في معارك استبدال شخصية فرعونية بأخرى.
والله تعالى أعلم.
د. طارق عبد الحليم