منذ أن بدأت رحلتي مع صوم رمضان ،ما يقرب من نصف قرن مضى، تعودت أن أعاني من الشقيقة "الصداع النصفيّ" لا أراكم الله شره، في الأيام الأولى من الشهر الكريم فيأخذ بمجامع رأسي يهدّها هدّاً عنيفاً لا هوادة فيه. وأمر الشقيقة متواتر في عائلتي منذ أجيال، ثم يستقيم الأمر بعد أيام بفضل الله تعالى ويتعوّد الجسم والعقل على الخطة الجديدة للطعام والشراب.
ومع إقتراب الشهر الكريم من الصيف، وتوقع طول ساعات الصوم وقصر ساعات الإفطار واشتداد الحرارة في ساعات النهار، إنتابني ذعر شديد مما توقعت حدوثه في الأيام الأولى، ولم أدرى ما أفعل، ثم إذ بي في ليلة ختام شعبان، وفي صلاة التراويح الأولى، أدرك، وكأني لم أعرف، أن ليس عاصم من المرض إلا الله وأنّه سبحانه هو أرحم الرحمين وأن بيده الشفاء لا شافي غيره، فإنخرطت في دعاء استجداء من القلب، دعاء ضعيف يلجأ إلى من لا قوي غيره، وضعت فيه كلّ ما استطعت من التذلل والإستجداء إذ إنه لا ملجأ آخر مما أتوقع حدوثه.
ثم جاء أول يوم في الصيام، ووالله الذي لا إله إلا هو لم يهاجمنى الصداع المعتاد بل مرّ اليوم الأول والثاني من بعده ثم الثالث والرابع إلى يومنا هذا ولم أشعر بما تعودت عليه من هلاك الرأس ودقّدقة العقل!
إنه الدعاء حين يصدق، وحين يتبين للمرء أنه لا ملجأ له إلا الله، حقاً وصدقاً، لا طبيب مداوٍ ولا علاج شافٍ. وقد قال تعالى:"وقال ربكم ادعوني استجب لكم" لا وساطة ولا موانع.
الدعاء الصادق المخلص، دعاء المستجدى الضعيف لسيده القوى القادر، هو عبادة هجرت كما هجرت عبادات كثيرة لصالح بدع انتشرت واستقرت. وعدم الدعاء وسؤال الله هو استكبار عن عبادته سبحانه، فإن السؤال يجسّد العبودية والذلّ والخضوع، وقد قال تعالى متوعدا من يهمل هذه العبادة: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين".
ولا أدرى لماذا نهمل هذه العبادة التي هي باب لفوز الدنيا والآخرة، إذ نسأل الله تعالى العون في الدنيا، فيستجيب في الدنيا إن شاء ويكون عبادة تقربنا منه سبحانه نفوز بها في الأخرة كذلك. أمر لا يتاح إلا من أكرم الأكرمين وربّ العالمين، سبحانه.