فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      'أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ'

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

      يتحيّر العَاقل حين يفكر في أمر هؤلاء اللادينيين العِلمانيين الليبراليين، أو ما شئت أوشاؤوا أن يطلقوا على أنفسهم، من الذين يتسمّون بأسماء المسلمين، أيّ جزء في القرآن لا يفهمون؟ وأي جزء لا يُحبون ولا يتقبلون؟ ولماذا هذا العداء له؟ لا أقول ذلك لأنني مسلم غيورٌ على الإسلام وكتابه ورسوله صَلى الله عليه وسلم، لكن لأنى أودّ، حقيقة وصدقاً، أن يخرجَ أحدُهم فيعلنَ للناس ما يراه سبباً لهذه الكراهة، التي هي السّمة المشتركة بين هؤلاء جميعاً، دون أن ينافق ويحاور ويدّعى، قولاً، ما ليس في قلبه حقاً، من إحترام الإسلام وقبوله، وهو إدعاءٌ كأيِ إدعاءٍ، يحتاج إلى بينةٍ ظاهرة. ولسنا نحتاج البينة لأنفسنا حتى نحاكم هؤلاء على ما يعتقدونه، بل نحتاجها حتى يخلو الحديث من النفاق، وحتى يكون إختيار الناس وقناعتهم بما يقولون، مبنية ٌعلى حقٍ وتصارحٍ.

      ولعل هذه هي النقطة التي لا يزال هؤلاء لا يفهمونها، أنه كلما زادوا في النفاق، وفي الحديث غير المُتجانس، كلما فقدوا ما عندهم من شعبية قليلة أكثر وأكثر، إذ إن كثير ممن يستمِعُ لهم اليوم، لا يَعى ما يقصِدون بدقة ووضوح. فإن عَرَفَ قَصدهم، وهو ما يحدث إن عاجلاً أو آجلاً، ردّ سِلعتهم وجَانَب وجهتَهم. فأوْلى بهم أن يعلنوا مرة عن حقيقة بِضَاعتهم، لعلهم بمحاولة الصِدق مرة، أن يكسِبوا من هم على شَاكِلتهم حَقيقة لا خِداعاً.

      دعا القرآن، لو قرؤوه مرة، إلى المُساواة بين الأبيض والأسود والأحمر، بين الشرقي والغربيّ، بين المصريّ والسوري والعراقي، بلا تفرقة بين جنس ولون ولغة، إلا تقوى الله وحفظ حدوده. القرآن يدعو إلى الحرية المسؤولة التي تاه عن الغرب معناها، فأطلقها للفرد، وحَرَم منها المُجتمع، بينما القرآن أقام كلُ ما يكفلها ومَنع من كلّ ما يعترضها كتحريم الظلم والعدوان والبغيّ. القرآن أقام العدل والأمان، فأمرَ بما يقيمهما بالحث عليه من إصلاح النفس والقيام بالقسط، وأمَر بما يمنعهما كالحدود التي تردعُ السارق والزاني والسكّير عن فعله، وبما يحفظ للمجتمع أمنه وإستقراره، فلا يخشاها إلا السارق والزانيّ والسكّير.

       القرآن حفظ للمرأة حقوقها دون إبتذال وترخص وبيعٍ للجسد، قولاً أو فعلاً او تعريضاً، وحفظ لها ميراثها واسمها، وجعلها عَدل الرجل في غالب الحقوق، وميّز في الواجبات حسب قدرة كلا مِنهما، لا مثل ما فعل الغرب المدفوع بالضغط الصهيوني لزيادة اليد العاملة الرخيصة، فضَحّى بالأسرة وجَنى على المُجتمع، بل وعلى أفراد النساء بما وضع عليهن من واجباتٍ تخالف الفطرة، مقابل ما اسماه "حرية المرأة".

      دعا القرآن إلى العدل في معاملة الناس عامة، والرفق بهم، والبر والقسط بالأقليات، لكنه شَرع ما يحفظ للإسلام قوامه وقيامه، فلا يعقل أن يُتركَ الأمر فوضىً عابثة، وليس من نظامٍ وضعيّ على الأرض إلا وسِنّ من القوانين ما تحفظ وجوده وتمنع أفوله، وما جريمة الخيانةِ العُظمى، التي عقوبتها الموت، إلا مثالٌ على ذلك. لكن هؤلاء يرون الخيانة لا تكون إلا لأرض أو وطن، ولا خيانة لله ورسوله!

      دعا القرآن إلى كافةِ مكارم الأخلاق كالبر بالوالدين، التي حاول هؤلاء أن يَحصُروها في يوم عيدهم البِدعيّ، ووصْل الإخوة والأحباب، وإكرام الضيف، والصَدقة المَخفية، والعَطاء لوجهِ الله، الذي غاب مفهومه من مجتمع الغرب الربوىّ بشكل كامل، وحرّم المَنّ والأذى، وأمر بالوفاء بالعهد، وحفظ الكلمة واللسان، وعدم الخيلاء والكبر، وخفض الصوت، وحسن الإستماع، وطلب العلم بأنواعه، والسَعي في الخير والحَضّ عليه، والإصلاح بين الناس، ومساعدة العَاجِز والفقير بغضِ النظرِ عن دينه، وإحترام الكبير والعطف على الصّغير، والجدّ في العمل، وحرّم الغيبة والنميمة والسعي بالوشاية والتجسس، وكلّ ما هو فاحش مخلٌ بالخُلُقِ والعِفة التى فُطر عليها الناس.

      ثم دعا القرآن لمقاومة كلّ من وما يقف في سبيل تطبيق هذه المَعاني التي لا يخالفها إلا شيطانٍ مَريد، فأمر بالجهاد ودفع الصائل المُعتدى، وحدّ حُدوداً تضمن عدم تفكك المُجتمع وانحداره في هاوية الفِسق والعُهر والكذبِ والخِيانة والنِفاق والظلم، وكلّ ما يعترض مبادئه السَمحة القويمة.

      وأعجب، أليس هذا ما يتنادى به اللادينيون العلمانيون الليبراليون، أو ما شئت أوشاؤوا أن يطلقوا على أنفسهم، من الذين يتسمّون بأسماء المسلمين، من مبادئ؟ أهناك في هذا المَنهج القرآنيّ ما يُخالفونه ويرَوْنَه غير جَديرٍ بالإتباع؟ أهناك منهم رجلٌ واحدٌ، ذكرٌ واحدٌ، يستطيع أن يهدينا إلى ما لم نهتد له ويزيّف لنا فيما ذكرنا ما يفترى على حرية الناس ومساواتهم؟

      لا أرى، والله تعالى أعلم، إلا أنّ أمر هؤلاء لا يتجاوز التفلت من ثِقل التكاليف، حتى يتركوا الصلاة والزكاة والشعائر والهَدىَ الظاهر والباطن، دون أن يشعروا بإثم، ذلك لأن الصلاة، كما قال تعالى، تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الطاعة والإتباع، فإن صلّوا، لن يمكنهم مُهاجمة شَرائع الإسلام، وهو ما يريدونه لتبرير ترك الفرائض أمام أنفسهم، حين يخلون اليها. فالتحرر الذي يدعون اليه، هو في الحقيقة تحرراً من التكاليف وتفلتاً من الشَعائر والشرائع، والرغبة في إتباع الهوى بإطلاق. وليس لما يدعون اليه أى علاقة بمعاني العدل والمساواة والحرية الحقيقية. هو إذن مجرد تفلتٍ وليدٍ للبيئة التي نشأوا فيها صغاراً، أو شبّوا فيها شباباً، أو أحاطَت بهم رِجالاً ونساءاً، مع ضُمور الفطرة وغلف القلب. فأنت تجد غالب هؤلاء إما وليد بيئة متسَيّبة أصلاً، أو دارسٍ في الجزويت وفيكتوريا وأمثالهما من مدارس الإستشراق، أو مُهتبلٍ لفرصةِ الدراسة العُليا في الغرب، أو ملتحقٍ بالعمل في سِلك الدبلوماسية المكيرة، ثم الإستقرار في الغرب مع فساد الفطرة، بعض من هذا أو كلّ هذا مجتمعٌ، كلّ حسب حالته. أما النساء من اللادينييات العلمانيات الليبراليات، فقد لاحظت أنهم إما من بيئة وضيعة فاسدة الفطرة أصلاً، على قلة المال والإحتياج، أو ممن ابتلاهم الله بسِحَنٍ تجعلهم أقرب للرجال منهم للنساء، ولا ثالث لهذين! ونظلم هؤلاء إن تصورنا أنّ أمرهم مبنيّ على فكرٍ أو استراتيجية أو ايديولوجية، أو غير ذلك. إنما هو مجرد ما وصفنا، تفلتٍ وتسيّب.

      هذا تحليلٌ لما عليه هؤلاء، وتوصيف لمرضهم، ولعل منهم من لديه الجرأة على المُحاورة، ويقية صدق وشرف، أن يكشف عن أسباب عدائه، وزمرته، للقرآن. ولا أجد أفضل ما أختم به من قول الله تعالى "ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ" محمد9، وقوله تعالى: "أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَـٰرَهُمْ ﴿23﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ" محمد 24.