فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المرأة .. ووهم التحرّر الغربيّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      نشرت في عام 1986، في مجلة البيان اللندنية، مقالاً بعنوان "الحرية العرجاء"، تحدثت فيه عن حرية المرأة كما رآها بعض طلبة الدراسات العُليا في جامعة برمنجهام ببريطانيا. ولعلىّ أستطيع أن أقدم صورة أفضل في هذا الشأن بعد ما يقرُب من ثلاثين عاماّ قضيتها في هذه الأنحاء، كنت فيها شاهداً قريباً على المُسلمين والنصارى جميعاً.

      ولست اقصد هنا إلى أن أثبت أن المرأة في بلادنا تتمتع بأحسن حالٍ وأفضل وضعٍ يمكن أن تكون عليه المرأة في حياتها. كما لا أزعم أن المرأة في الغرب قد فقدت كل تصبو اليه النساءُ في الحياة. لكن الأمر أمر أحسن وأقبح، أشرف وأخس، أنبل وأحقر، ليس إلا!

      ولعلنا ندرك أنّ أمرَ الحياةِ لا يمكن ينظر اليه بعين المثاليةِ المُجردة، ولا بعينِ ما يقرُب منها، إذ الحياة أشد تعقيدا وخشونة مما نأمل لها أن تكون. كما لا يجب أن نستغرق في الرضا بالواقع على أنه ما تمليه حقائق الحياة، بل يجب أن يكون المسلمُ واعياً بحقائق الحياة، مستشرفاً للمثل الأعلى، جاهداً في الوصول اليه.

      لا شك أن المرأة الشرقية المُسلمة تعاني من هَضم بعض حُقوقها، وهو ما يُدندن حوله العلمانيون اللادينيون في جدلهم العقيم حول حقوق المرأة وتحررها. لكن، منُ، وأيُّ قطاعٍ من قطاعات الحياة في شَرقنا لا يعاني من هَضم بعض حُقوقه، وربما كلِها؟ الأمر إذن يتعلق في أحد جوانبه بالوضع العام المتردي السائد في البلاد، والذي يطبع بميسَمه على كافة مَرافقها ومناحيها وقطاعاتها، أفرادا وجَماعات. وهو الأمر الذي تجاهِد فيه كلّ نفسٍ مُسلمةٍ اليوم أن تتخَلّص من رَبْقته، وأن تتَحرّر من عُبوديته، لا المَرأة وحدها.

      ثم، إن أردنا التخصيص بوضْعِ المرأة، فإنه يجب أن ننظر إلى أمرينٍ، ما نريد أن تكون عليه المرأة، وما هي عليه اليوم. وأول ما يجب أن نميز هنا الفَرق بين مفهوم "حُقوق المرأة" و مفهوم "تحرير المرأة"، فالفارق بينهما جدّ شاسعٌ لمن وجّه اليه النظر، وفيه يتأول المتأولون، وبه يتلاعب المُغرضون.

      حُقوق المرأة هي ما شرع الله لها من حقوق، وما وُضع عليها من واجبات. ولأن الله سبحانه "يعلم من خلق"، فإن هذه الحقوق والواجبات هي التي تليق بالمرأة من حيث قدرتها الخَلقِية، ونسيجها الخُلقيّ، كما أنّ الشرع قد راعي تناسق هذه الحقوق والواجبات مع منظومة الحقوق والواجبات العامة لشريكها الرجل، ووليدها الإبن، ومجتمعها الأوسع. فإن إعتبار حقوق فردٍ أو طائفة أو جنسٍ دون مُوازنة ذلك مع حُقوق وواجباتِ بقية شَرائح المُجتمع هو مَصدرُ كلّ بلاء فيه، في أي حضارة شئت.

      أما تحرير المرأة، فهو مفهوم غامضٌ ضبابيّ لا حدود له، فمن أي شيئ يراد يراد تَحرير المرأة؟ من الرجل؟ أيّ رَجلٍ نعني؟ مِن زوجها؟ أم مِن أبيها وأخيها؟ أم مِن زميلها في العمل؟ ثم ماذا تعني هذه الحُرية وما حدودها؟ أهي حرية الإختيار، أم الأداء، أم كليهما؟ أهي حرية إختيار الشريك؟ أم حرية إختيار اللباس؟ أهي حُرية إختيار الفعل الفاحش؟ أهي حرية إختيار الخروج من بيتها ومرافقة أصدقائها وصديقاتها في نزهات دون وزوجها؟ كثيرة إذن هي مَجالات الحرّية، وثقيلة هي أعباءها.

      ومن عاش وعايش الوضع النسائي في الغرب يعلم أن الحرية التي أتيحت لهم ليست في أبوابِ الكرامة والمُروءة ومُسايرة الفطرة، بل أصالةً في حُرّية اللباس ومُرافقةِ الرّجال دون قيود، ولا غير، ثم ما يستتبعها مما يَضمن أفضلَ وضعٍ للرجال، رغم ما يدعيه اللادينيون العرب ممن يهرف بما لا يعرف. و المرأة في الغرب، تستشرف إلى اليوم الذي يقبل صديقها، الذي أنجبت منه بالفعل، أن يتزوجها، وإن تكرّم عليها بهذا، كانت في قبضَةِ مِنّته طوال عُمرها، وما يُصاحب هذا من سَيطرة الرجل، وإن ظَهر غيرَ ذلك من حُريتها في اللبَاس والخَلاعة.

      وأعيد مرة أخرى على أسماع المُدّعين من اللادينيين، الذين لم يَعيشوا أو يُعايشوا الوَضعِ النِسائي في الغَرب، أو على الأكثر، عَايشوه من خلال حَفلات السّواريه والإستقبال في الأمم المتحدة أو غيرها، أنّ النساء الأمريكيات والأوروبيات، ممن منّ الله عليهن بالإسلام، ثم منّ الله عليهن مرة أخرى بالزواج من مسلمٍ، خاصة عربيّ، خاصة صاحبِ دين، يتنادَون بينهن بفضل القيم الأسرية العربية وفضل الحياة في ظل الرجل الشرقيّ، الذي يعرف قيمة المرأة، وهُن قد عَرَفن، عَياناً لا إخباراً، ما تحمِلُه الحرّية المزعومة في الغرب من خَبَثٍ وخطرٍ في آن.

      المرأة المسلمة في بلادنا تعاني من الجهل، وكذلك ستون بالمائة من الشعب، وتعاني من الضغط النفسيّ، وكذلك ستون بالمَائة من الشعب رجالاً ونساءاً، وتعاني من الفاقة، وكذلك ثمانون بالمائة من الشَعب يعاني منها. فلماذا نجعلها "مشاكل المرأة"، وهي حقيقة مشاكل مُجتمعٍ بأسره؟ ثم إن فرضنا، وسمح الرجالُ لنسائِهن بالحرية المزعومة، في اللباسِ والتبرجِ والإختلاط، وهو كلّ ما يعنى اللادينيين العِلمانيين، فهل سَتُحَل مُشكلات المُجتمع المصريّ، ويعيش أهله في صفاء وهناء؟ الأمر أمر فاحشة يقدسها هؤلاء الذين طَمَس الله على أعينهم، وغشّى على قلوبهم، وأذهب أسماعهم وابصارهم، وأفقدهم بصائرهم، ونكس فطرهم.

      ليس الأمرُ أمر حُرية المَرأة إذن، بل هو أمر حقوقها التي تأتي في إطار حقوق المُجتمع متكاملة متناسقة، تلبّي الفِطرة وتحترم الخصوصية الأنثوية التي دمّرها الفكر الغربيّ، الصَهيوني المصدر والمنشأ، حين استغل كراهة النصارى للكنيسة، وعدم وجود تشريعات في دين النصارى المحرّف، فأزلهم وأزلهن عما بَقي في مجتمعهم من فطرة، ووصل إلى أن استقر بهم في حَضيض الخُلق، ومستنقع الرزيلة والشذوذ.

      رابط المقال http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-74