لعل الكثير من الناس، حتى المهتمين منهم بالسياسة، لا يعلم أنه في سبتمبر 2000، قرر صدام حسين تحويل العملة المتداولة في بيع بترول العراق – في برنامج الأمم المتحدة "البترول مقابل الغذاء" – إلى البترو يورو الأوروبي بدلا من البترودولار الأمريكي. وقد كتب وليام كلارك (1) في عام 2002 معلقا على هذا التصرف من العراق "أن صدام حسين قد رسم قدره بيديه"(2). وقد كان القرار الأول للمستعمر الأمريكي بعد سقوط بغداد هو إعادة فتح أبواب تصدير النفط العراقي والعودة إلى البترودولار كعملة لتداوله! برغم الخسائر التي ستعاني منها الميزانية العراقية بهذا السبب وانعكاس ذلك على إعادة تعمير العراق، كما بيّن ويليم كلارك في مقاله الفذ "حرب البترودولار: الدولار واليورو وأزمة البترول الإيراني القادمة" (3)
وقد بينت المعلومات التي تسربت من البيت "الأبيض!" ومكتب ديك تشيني أن الإدارة الصليبية الجديدة قد دخلت معترك السياسة بغرض خلع صدام حسين والقضاء على تلك الظاهرة التي كانت قد بدأت تأخذ طريقها إلى بترول العرب، كذلك، من استبدال اليورو بالدولار الأمريكي كعملة لبيع البترول، وهو ما يهدم الإقتصاد الأمريكي كقوة مسيطرة على الأسواق العالمية، ومن ثم كان غزو العراق خطوة رئيسية لوقف هذا الإتجاه وكرسالة تحذير لمن تسوّل له نفسه من الدول البترولية أن يقدم على مثل هذا العمل.(4)
ويعجب كلارك من أن مثل هذه المعلومات لم تتحدث عنها وكالات الأنباء الرئيسية الأمريكية الخمسة – التي تسيطر عليها الحكومة – ولو بكلمة واحدة! والأخطر من ذلك أن إيران قد قررت أن تتحول إلى تداول بترولها بعملة بترولية خاصة بها تتخذ من البترويورو أساسا لتقييمها، اعتبارا من مارس 2006.
ويقرر كلارك أن مسلسل المفاعلات النووية الإيرانية التي تصعّده الولايات المتحدة حالياً، هو طبق الأصل كذبة أسلحة الدمار الشامل الذي استعملته الإدارة الأمريكية الصليبية لغزو العراق، ويبين أن السيناريو الأكثر إحتمالا هو أن ترتب المخابرات الأمريكية حدثا "إرهابيا" على غرار سبتمبر 11، ولكنه في حجم أحداث لندن الأخيرة، تضرب فيه هدفا معنويا، يتبعه بعض التفجيرات الصغيرة، ويكون هذا ذريعة لضرب إيران باسلحة نوويه تكتيكية محدودة كفيلة بالقضاء على كل مقاومة لها على أي مستوى، كما أشارت اليه العديد من المقالات الأخيرة التي تناولت استعدادات البنتاجون لهذا الهجوم، وما تسرب مما لا يحصى من المعلومات من العاملين بالبنتاجون، وهو الأمر الذي أشار اليه عدد من الساسة الأمريكيون في الآونة الأخيرة لتهيأة الرأي العام الأمريكي – الذي سيكون تحت تأثير عامل الخوف من الضربات الأخيرة - والعالمي لمثل هذا العمل .
وقد صرح بوش في خطاب له: "إن غزو إيران واستعمال القوة معها هو أمر لا مبرر له وإن كانت كل الإحتمالات مطروحة على المائدة!" وهو كلام يضرب بعضه بعضا كما هي عادة بوش في خلطه المتعمد أو خطله الطبيعي.
ولاشك أن مثل هذه الخطوة ستزعزع العلاقة الأمريكية-الصينية و الأمريكية-الروسية إلى أقصى حدّ، خاصة بعد أن ألغت أمريكا صفقات البترول التي كانت موقعة بين العراق وروسيا والصين، وهو ما لن تسمح بتكراره الدولتان مما يعرض صفقات بينها وبين إيران تقدر بحوالي 1.1 تريليون دولار (تريليون = ألف بليون).
إن غالب العقلاء من الأوروبيين والأمريكيين، وغالب أهل السياسة الأحرار الذين لا يرتبطون بالحكومة الفاشية الصليبية الحالية في أمريكا وصحافتها العميلة، يعلمون تمام العلم إن أحداث "الإرهاب" بداية بسبتمبر 11، وغيرها من الأحداث ما هي إلا غطاء لهذا الدافع الإستعماري الذي افتعل هذه الأحداث لتبرير غزو بلاد المسلمين، بلاد البترول، وهو ما سنثبته في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى، والله من ورائهم محيط.
1- وليام كلارك، متخصص في أبحاث الإقتصاد البترولي وعملاته، وفائز بعدة جوائز في هذا المجال، وقد أخرج مؤخرا كتابه "البترول والعراق ومستقبل الدولار".
2- لاحظ تتابع الأحداث بعدها من سبتمبر 11 الملفقة إلى غزو العراق.
3- "Petrodollar Warfare: Dollars, Euros and the Upcoming Iranian Oil Bourse", William Clark
4- ولم لا والولايات المتحدة – زعيمة الديموقراطية في العالم "الحرّ" هي الوحيدة التي استعملت السلاح النووى من قبل لقل مئات الآلاف دفعة واحدة!