فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السِياسة المِصرية .. والخَارجية المِصرية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من الأمور التي شهدتها أرض مصر بعد حركة 25 يناير، هو ذلك التغير الواضح في إتجاه السياسة الخارجية المصرية، سلباَ وإيجاباً، والذي عزاه الكلّ إلى جدية نبيل العربيّ في بعث مصر من جديد على ساحة العالم العربيّ والعالميّ بعد الغيبوبة، لا الغيبة، عنهما أكثر من ثلاثين عاماّ في عهد الخيانة والفساد. وتتمثل هذه التغيّرات في أمرين هامين، الموقف من القضية الفلسطينية، والموقف من الدولة الصّفوية والإمتداد الصّفوى الرافضى في المنطقة.

      أمرٌ، يعرِفه من يتعاطى السياسة، يجبُ أن يفهمه من يقرؤها أو يهتم بها، وهى أن ما ينشر على ورقات الصُحف، ويقال في أجهزة الإعلام، لا يمثلُ إلا وجها واحداً من أوجه عدة للحقيقة، هو عادة أحسنها شكلا، وأقلها موضوعية، وأبعدها عن الحقيقة. 

      أمَا وقد قرّرنا ذلك، فإن التقاربَ المصرىّ-الفلسطينيّ، وإن عكس تحقيق رغبة شعبية في نصرة إخواننا في فلسطين، فإنه لا يمكن أن يتجاوز خُطوطا حمراء لا تقبل إسرائيل تعدّيها بحال. وأمرُ تعكير المُصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، قد تركته اليهود لمحمود عباس يتلوّن به، ويخادِع ويُمارى، وينتهى به إلى مَصيرِ غيره من المُحاولات، التجميد في ثلاجة المُصالحات!

      كما أن أمر مَعبرَ رفحٍ ليس مِما يجب أن يؤخذ على عَواهنه، فإنّه هو الآخر ورقة في يد المجلس العسكريّ، بدليل عدم فتحه إلا للإفراد دون البضائع، وهي التي يحتاجها الشعب الفلسطيني في غزة بلا منازع. فالحصار لن يُرفع عن الفلسطينيين، وإنما هو صوت صورةن شكلٌ تليفزيونيّ، يجمّل الوجه العسكريّ الحاكم. وقد يكون لتوجهات تبيل العربيّ دور في هذا الإنفتاح الجزئيّ، إلا إنه لا ننسى أنّنا تحت حكمٍ عسكريّ، لا يصدر فيه قرارٌ سياديّ، سياسيّ أو قضائيّ أو إقتصاديّ، إلا بموافقته. وهي إحدى سمات الحكم العسكرىّ، الذي يجعل العَسكر، خريجى الكليات الحربية، ذوى العقليات الديكتاتورية، والشخصيات الآمرة الناهية، الذين لا يصْلُحون إلا لما دَرُبوا عليه، عقلاً وعضلاً، يتحَكّمون في مَصير بلادهم، دون سائر المُتعلمين من أصْحاب العَقليات التقنية، والشَهادات العالية، والخِبرات العَالمية، ممن تشَكلت عُقولهم بين المَدنيين من الناس، لا آمر ولا ناهٍ. ولا ننسى أنّ مبارك، والسادات، وعبد الناصر، وعلى صالح، زين العابدين، وبوتفليقه، والقذافي إلخ إلخ، هم كلهم من العسكريين من خريجى الكليات الحربية التي تؤهل مناهجها لضربٍ واحدٍ من التفكير والتوجه، كما أشرنا. وعلى من يستثنى حسين الطنطاوى وعنان وشاهين من هذا العُموم أن يأتي بدليل، أو ليصمت.

      وفي هذا السياق، يتأتي موضوع التقارب مع إيران، ولعله كان مُجرد ورقة ضَغطٍ يُمارسُها العَسكر على دول الخليج، لسَحب أموالٍ لتغطية الأوضاع الإقتصادية، فإنه لا مصلحة لمصر على الإطلاق في التقارب مع إيران، وليُسكِت بها حكامُهم الذين يدعون لسَحق الثورات العربية. وهم في ذلك بيسوا من محبى الثورات، ولكنهم يدركون أن ذلك فيه قضاء على الجيش الذي يجرؤ على ضرب شعبه، كما رأينا في ليبيا واليمن، وهو عين ما عرفته عسكر تونس، للوهلة الأولى. لكنها عقليات "البترول"، لا ترى إلا أموالاً تحقق أهدافاً. والرهان على مُواجهة الشَعب رهانٌ خاسرٌ، يعلم ذلك من له من العقل مثل ما للنعاج، إلا أصحاب البترول!

      الأصل هو أنه لا يمكن لإمرء أن يتغير في ساعاتٍ أو أيام، والعسكر ليسوا بدعاً في ذلك، فهم من ساير السياسة الخارجية المُذلة خلال ثلاثة عقود كاملة، واستمتع بثمراتها من الإسترخاء، والبعد عن خط المواجهة، وتحصيل ما يمكن من مكاسب مادية لا يعلمها إلا الله سبحانه، ومبارك الذي يربّتون على ظهره ولا يجرؤون على نقله، إن كان لا يزال في مكمنه، وعلى من يرى غير ذلك تقديم الدليل.

      وبهذا النظر، يُمكن أن نحُكم على ما يصدر من أقوال وأفعال وقرارات. فإن العَسكر لم يكونوا أبداًعلى خلافٍ مع مبارك في يومٍ من الأيام، ولم نر منهم من ينهَضَ لإعتراضٍ، ويبرزُ الأنياب والعَضلات، التي يريها لأبناء الشعب الآن بمناسبة وبغير مناسبة، ولم يكن شاهينهم على خريطة الدنيا آنذاك.

      والسِياسة الخارجية، إن لم تُحكم بتوجّهٍ عامٍ للدولة، فإنها خبط عشواء، لا يؤدى إلا إلى المَزيد من التورّط في الحَالات والمآلات. وسياستنا الخَارجية، مثل الداخلية، يجب أن تُبنى على نَظرٍ شَرعيٍّ يراعى مَصلحة المُسلمين من كافة جَوانبها، فلا يُغالى في قوة القوى، أو ضَعف الضَعيف، ويحسِب حساباته على أساس أن الشعب لديه من الوعى والإرادة ما يمَكّنه من أن يمثل دِرعاً واقياّ حَاكياً للقوة العسكرية، ومناصراً للقوة السياسية، إن رآها نابعة من توجّه صحيحٍ، تدخل فيه حسابات الأرض، وحسابات السماء.