فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرائحةُ التي زَكمَت أنوفَ المصريين!

      د.طارق عبد الحليم

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أمورٌ كثيرة تجرى في مصر بعد حركة 25 يناير، تفقدُ الشعب راحته، وتقلقُ بالَ كلّ مصريّ، من أي إتجاه كان، مُسلمٌ أو لادينيّ. وعلى رأس هذا الأمور هو ذلك الإصرار العجيب من مجلس التسعَة عشر أن لا يحاكم مبارك أو زوجته على الإطلاق، وأن يتباطأ تباطُأ وَصلَ إلى حَدّ التواطئ ثم التآمُر في مُحَاكمَات رؤوس الفساد، بما فيهم أبناء مبارك، هذا التباطؤ الذي يزعم مجلس التسعة عشر أنه لا يد له فيه، إذ هو من عمل القضاء! وهو قول مبنيّ على فرضية أن كلّ مصرىّ حمارٌ لا عقل له.

      لم يرَ أحد مبارك منذ آخر خطاب له ، إلا من يعمل مع مجلس التسعة عشر أو مع الصِحة أو العَدل أو الداخلية، الذين يتلقون أوامرهم من العسكر. ولم ير أحدٌ جمال أو علاء في مَحبسهما، ولم ير أحدٌ العادليّ لا صوت ولا صورة، ولا في أي من تلك المَهازل التي تسمى المحاكمات. لا حقيقة ولا صورة ولا صوت!!

      الأمر كله تفوح منه رائحة نتنة كريهة. من يمكنه أن يؤكد أن مبارك في شرم الشيخ؟ ويقسم على صحة ما يقول؟ من يمكنه أن يؤكد وجود العادليّ أو جمال وعلاء في طرة؟ ويقسم على صحة ما يقول؟ حين ذهبت اللجنة المستقلة لزيارة طرة، لم ير أحدٌ ايّ من المساجين (أو هكذا يسمونهم)، وكان عذرهم في ذلك أقبح من ذنبهم، أن ساعات الزيارة انقضت، وأنهم عادوا لزنازنهم؟؟؟!!

      الرائحة تشتدّ وتفحُش مع مرور كل يوم لا تتقدم فيه هذه المحاكمات خُطوة واحدة. كل ما يعرفه الشعب عن هذه المُحاكمات هو حبرٌ مطبوعٌ على ورق صُحفٍ موالية للنظام الجديد، لا مصداقية له على الإطلاق، وكأن هذه المحاكمات أسرار عسكرية سيستفيد ببوحها العدو الصهيونيّ!! ما الأسرار في محاكمة العادلي القاتل؟ وما الأسرار في محاكمة جمال الذي أفسد حياة مصر برمتها في السنوات العشر الماضية؟ ثم ما الميزة التي يحملها هذا المجرم القابع في مستشفي شرم الشيخ - إن سلمنا أنه هناك، وهو ما عليه علامة استفهام بحجم الهرم الأكبر – والتي تجعل الشعب يتابع بشكلٍ يوميّ حالته النفسية والصحية، بشكل يثير الغثيان؟

      هذا الأمر – فيما أرى – قد أسقط مِصداقية مجلس التسعة عشر بلا رجعة، وأرجع الثورة إلى حركة، وجعل الوزارة الحالية وزارة "تعطيل" الأعمال لا "تسيير" الأعمال، أو إن شئت "وزارة إنفلاتية" لا "وزارة إنتقالية".

      والخطر الأكبر في هذا هو تلك الصَدمة التي سيُصاب بها الشعب عاجلاً لا آجلاً، حين تتكشف حقائق الأمر، إذ سيفقد أبناءه الثقة في كلّ شيئ حتى في أنفسهم، حين يرون نتيجة العمل الذي قاموا به، ثم لم يُكملوه إلى غايته.

      المُشكلة ستكون في ذلك القمع الذي سيُمارسه مجلس التسعة عشر إن عاجلاً أو آجلاً، والذي يلوّح به بين الآن والآخر، بما يَصدُر عن "شاهينه"، من أنّ مِصر مَحظوظةٌ لأن الجيشَ لم يضرب الشعب كما في ليبيا وسوريا، أو إنه كانت هناك أمام الجيش خياراتٌ كثيرة، لكنه إختار أن يقف في صفّ الشعب، ومثل هذا المَنّ المُبتذل، وكأن مجلس التسعة عشر لم يعتبر بما يَحدُث للقذافيّ أو بَشار او صَالح، أو لا يعلم أن الجيش المصريّ لم ولن يُقدِم جنده، أفضل أجناد الأرض، أن يَضرِبوا أهليهم وذويهم، وأن ذلك كان سيكون وبالاً على التسعة عشر، لا على الشعب.

      ولعل شاكٌ أن يقول، فلماذا يصرٌ المجلس على إجراء الإنتخابات أولاً، وهو ما يَظهر أنه إستجابة للشعب وحرصاً على رأيه؟ فإنما هذا لسببين، أولهما أن المجلس لا يريد أن يظهرَ في موقف المتردّد المُتراجع عمّا قال. وثانيهما، وهو الأهم، أن المجلس يعلم أن القوة الحقيقية في الشارع هي للمسلمين، سواءاً منهم المنتمين لجماعة إو لا، وأن اللادينيين والقبط هما الأضعف لو أتي الأمر إلى التصادم بسبب المادة الثانية. والمجلس لا يريد مواجهة حقيقية مع قوى الشعب الأكبر. لكن في المقابل، لا ننسى أن المجلس قد إتخذ كل ما في وسعه لعرقلة كتابة الدستور بالطريقة التي تريدها الأغلبية، ففرض يحي الجمل على رقاب العباد، وأهدى للعلمانيين اللادينيين مفتاح الإعلام اللاديني كي  يسخروه لصالحِهم، ويستخدموا أبواقه لترويج دعاواهم.

      الثورة المضادة التي كان الناس يخشَونها لا حقيقة لها على الأرض، إلا في أضيق نطاق. الثورة المُضَادة لا لزوم لها أساساً، إذ تحتاج إلى ثورة شعبية، لا إنقلاب عسكرى، لتكون لها ضِدّاً،. وما حدث في مصر، قد تمت إراقة دمه سريعاً، وانتهى أثره، ولم يخرج الشعب منه إلا بحرية أكبر في سَبّ مبارك وعائلته، والطعن في السلفيين، لا أكثر ولا أقل. فيا لها من حَسرة على الدّم الذي راح هدراً دون ديّة أو قصاص.

      يجب أن يعترف المِصريون بأن ثورتهم تسير حثيثاً في طريق الفشل، إذا قيسَت بأي مقياس للثورات. وما هذه الرائحة التي أصبحت تزكم أنوف الناس إلا جثمانها، في إنتظار سَاعة الدفن.