ماذا يريد نصارى مصرَ بمصرٍ وأهلها؟ إلى أين تتجه هذه الفتنة التي لا أجد ما يصفها أكثر مصداقية من قول زهير بن أبي سلمى:
متى تبعثـُوها تبعثوها ذميمة وتَضْـرَ إذا ضَرّيتموهـا فتَضرمِ
ما هذه التحركات الخائبة التي يقوم بها من وصفتهم الصحف بـ"نصارى المهجر" الذين هم زرارى الغرب النصراني والذي لم يترك وسيلة لمدّ يده في أحشاء الأمة إلا وطرق بابها بما في ذلك استعمال الزرارى كطابور خامس! ثم لماذا هذا التوقيت وامتداد الوجود النصراني بين المسلمين يغطي قرونا تبلغ قرابة ثلث عمر البشريه في تاريخها المعروف على سطح الأرض؟ وإجابة هذه التساؤلات تحتاج إلى تسويد صفحات تحكى الأبعاد العقدية والتاريخية والسياسية لتاريخ أحفاد قدماء المصريين ممن إحتفظ بالنصرانية، في أرض مصر، ولكننى أرجأ هذا إلى وقت لاحق، وأكتفي في هذا المقام والمقال بالإشارة إلى عدة نقاط:
أولا: أذكّر بأن إتخاذ ما فعلته اليهود في فلسطين العربية المسلمة لا يمكن أن يكون مثالا يحتذيه النصارى كي ينتزعوا مصر من أيدى أهلها من المسلمين، إذ البون شاسع بين الحالتين، فاليهود يدّعون أنّهم أصحاب حقّ في فلسطين منذ طردوا منها، بما كسبت أيديهم، وأنهم، زعموا، استعادوا حقا ضائعا من شعب مغتَصِبٍ، الفلسطينيين، ومع أن هذا الحديث هو من الترّهات الممجوجة إلا أنه كذلك لا يصلح في حالتنا قيد البحث، إذ إنه ليس هنا شعب مطرود أو مشرّد، وإنما الحالة هنا، إن نسي النصارى فأذكرهم، أننا، المصريين المسلمين، قد عاش أجدادنا على أرض مصر منذ عَبدَت مصر الشمس، وآمون ورعّ وبتاح! ومنذ عهد اسطورة إيزيس الأب الإله المقتول والأم المقدسة أوزوريس، والإبن الإله حورس صاحب المملكة الربانية الأرضية الذي نصفه إله ونصفه بشر! كان أجدادنا ممن عبدوا تلك الآلهة الأسطورية، ثم جاءت تعاليم النصرانية كما صورتها وصاغتها سِنِيّ الكبت الروماني لأتباع عيسى عليه السلام، فرضِيـها الكثير من أهل مصر وعاشوا عليها ردحا من الزمن لا يزيد على أربعة قرون، ثم جاءت رسالة الإسلام وهديه، فقبله غالب المصريين، نفس المصريين الذين عبدوا آمون وأيزيس وحورس من قبل، ورفضها البعض القليل منهم وظلوا على نصرانيتهم، فلم يعبأ بهذا المسلمون، وحفظوا ذمة أهلهم ممن ارتضى النصرانية وأبقى عليها في قلوبهم وحياتهم، وكانت هذه الرعاية للفريق الذي ارتضى النصرانية من تعاليم الإسلام الحنيف أولا، ثم من حق فريق من أهلنا علينا، وإن كانوا قلةً لا يعبأ بشأنها، ثانيا. نحن إذن، مسلموا مصر، شعبها الأصلي الذي تقلب بين الإعتقادات والأساطير إلى أن استقر على الحنيفية. وإدعاء أن العرب غزوا مصر وأقاموا فيها وسلبوها من أهلها إدعاء خائب مضحك، لأن ذلك يعنى أن حفنة المجاهدين الذين جاؤا بالإسلام إلى مصر كانوا أضعاف عدد سكانها الأصليين! فذلك هو الفرض الوحيد الذي يبرّر أن المسلمين كانو وما زالوا وسيظلوا الأغلبية الساحقة على أرض مصر وبين أهلها، وهو فرض يكذّبه الواقع والعقل وحقائق الإحصاء. أمّا عربية غالبنا فهي عربية اللغة التي يشركنا فيها نصارى مصر، ثم عربية الدين والولاء وهي التي تضمنا كأصل تحت راية الإسلام وتضم النصارى كفرع له حرمة وذمة تحت نفس الراية.
ثالثا: أنّه من خلق الخبيث وطبع اللئيم أن ينهـز فرصة ضعف من أحسن اليه فيحاول أن يسطو عليه وأن يرهقه عسرا من أمره، والمصريون ليس فيهم هذا الخلق الخبيث الذميم، مسلميهم ونصاراهم، ونحن لا نرضى بأن تكون القلّة التي أبقت على نصرانيتها من المصريين القدماء ممن يتصف بهذه الأوصاف الخبيثة الذميمة، والمسلمون من المصريين القدماء، من ذويهم وأهليهم، قد أحسنوا اليهم ورعوا ذمتهم، والحذر الحذر أن يغتروا بما يحسّنه لهم من يدعون "نصارى المهجر"، فهؤلاء يعيشون في رغد الحياة بالخارج، وعدد منهم باع أهله من مسلمي المصريين القدماء ونصاراهم على السواء ليكون ذيلا للغرب النصراني، ثم هم يلوّحون بمالهم لنصارى مصر ويتركونهم بعد ذلك في مواجهة ما قد تجره عليهم تلك المواجهة.
رابعا: وهو الأهم، أن لا يغتـرّ نصارى مصر بذلك العون المستورد من تلك الحكومة الصهيوصليبة الأمريكية الحالية، فهي لن تدوم، لأن ما قام على الفتوة الزائفة والباطل الأصيل لا يدوم، وقد عاش نصارى مصر في أكناف أهليهم المسلمين من المصريين القدماء قرون متطاولة لا يَشنَؤون ولا يُشنَؤون، وإن أردت تفصيلا فعليك بكتب التاريخ القديم بدءأ بالطبري وإنتهاءا بالجبرتي وما دوّن المحدثون من المؤرخين أمثال الدكتور حسن ابراهيم حسن وفضيلة الأخ الأكبر طارق البشرى حفظه الله، فماذا جدّ إلا هذا العون الحادث الذي لن يكون له أثر على أرض الواقع حين تنزل النازلة وتقع الفتنة وتحقّ الحاقة بثقلها وسواد عواقبها، وما كانت أحداث الإسكندرية الأخيرة إلا قطرة من طوفان ماحق، وهو يوم أدعو الله مخلصا ألا يلقى بظلّه على أهل مصر ممن ارتضى النصرانية وعاشها في قلبه وحياته.