فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      من هَـديّ النُبـوّة: المال والشرف

      عن ابن كعب بن مالك الأنصاريّ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ذِئبَان جَائِعان أُرسِلا في غَنَمٍ بِأفسَدَ لها من حِرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ لِدِينـه" رواه الترمذيّ في الذهد وصححه، وأحمد في مسند المكيين، والدارميّ في الرقاق.

      وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما أمران لا يزالا يفسدا على بني آدم أمره كلّه ودينه كلّه منذ هبط إلى الأرض وحمل التكليف؛ المال والشرف.. فحرص المرء على المال يمر بمرحلتين؛ مرحلة الجمع ثم مرحلة الخزن. والمرء يقطع كلّ وادٍ ويجتاز الفيافي ويضع يده في يد الأعادي للحصول على المال، فتجده يظلم ويكذب ويغش ويخدع كي يتحصّل عليه زعما منه أنه طريقُ إلى السعادة والأمن والعزّ. ثم إنه حين يكنز منه ما شاء، يأبى إلاّ أنْ يخزّنه وكأنه سيصحبه إلى دار معاده، فتراه يحرص على التهرب من الصدقة ولا يغشى الأماكن التي فيها مظنة الإنفاق في سبيل الله، وهو يتحجج بشتى الحجج، ليتخفّف من عبئه، فتارة يتحجج بالعيال وثقل النفقة عليهم، وتارة بالخوف من ترك العمل والتعرّض للبطالة، وما شابه ذلك من أمور هي عادة من نسيج الحياة ومن ثوابتها التي لا تتغير، فإن خشي كل امرئ على ولده، ما أنفق منفق في سبيل الله، وإن حسب كل عامل حساب يوم أن يترك عمله أو يتركه عمله، لبطلت الصدقة من أصلها، وإنما الأمر أمر الإنفاق رغم خشية الإملاق، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير الصدقة فقال "جهد المقلّ" النسائي، الزكاة، أي ما يخرجه صاحبه بجهد رغم احتياجه إليه، ,الكثير من الناس يرون أنفسهم من المقلّين وما هم منهم، وإنما هي حبائل الشيطان يبعدهم عن الثواب ويمنعهم من التقوى.

      ثم الشرف، والمقصود به المقام والسلطة والمركز، وهو ثاني القواصم التي تقصم ظهر المسلم وتدفعه إلى أحضان الشيطان، فالإنسان يبحث عن الرفعة والمجد والذكر، وهو يفعل كل ما في حيلته ليصل إلى السيطرة والتحكم، السيطرة على الأنفس والأموال والأرض، فهو يقتل ويسرق وينتهك الأعراض ويغش ويكذب ويخدع ليصل إلى القمة، وهو يظن أن له في ذلك العزة، ولم يعلم المسكين أن السعادة في الحياة الدنيا لن تتحقق إلا بالخضوع لله سبحانه، العز والمنعة هما بالله وحده، والخذي والعار والمهانة هما لمن ابتغى العز من دون الله، قال تعالى:"الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" النساء 139، "ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا" يونس 65، فعـزّة المنصب، إن لم تركن إلى التمسك بدين الله وشرعه، عزة موهومة، إستمدت قوتها من الشر والفساد، لا من الخير والصلاح، وهي عزة موقوتة يحدّها الزمان والمكان الدنيوي، والعزة الحقيقية تمتد إلى ما وراء الوجود الدنيوي إذ تتعلّق بما هو خالد وأبديّ. المال والجاه، شركان نصبهما الشيطان لابن آدم يغرّه بهما عن دين الله وعن الجنة، ويخطئ المسلم حين يظن أن ذلك إنما يتوجه إلى غير المسلم، لا... بل المسلم مخاطب بهذا أصلا إذ الحديث متوجه إلى بني آدم كلهم، مسلمهم وكافرهم، فهم في هذا الأمر سواء، في الفطرة التي تدفع إلى الظلم والشر وتحسب أن المال والشرف مصدر السعادة، والمسلم معرّض لتلك الفتنة أكثر من غيره إذ الشيطان مسلّط عليه أضعاف غيره، ولا يحسبن أنه بمأمن من هذه الشراك لأنه مسلم، بل أثبت الواقع والتاريخ خلاف ذلك، فليحذر المسلم قبل غيره شراك الشيطان وليحذر مخالب الذئبين.

      د. طارق عبد الحليم