فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ثورة لا تحكم

      قمت من نومى فزعا صباح الأحد على رنين هاتفى فوجدت صدقى الدكتور هانى السباعى مدير مركز المقريزى للدراسات متحدثا من لندن يسألنى متهكما " أمال ثورة إيه دى يا عمنا " استوضحته عن سر تهكمه فقد يختلف السبب فالتهكمات كثيرة , قال السباعى "وبيضحكوا على الناس يقولوا ألغينا ترقب الوصول والسفر , وألغينا جهاز مباحث أمن الدولة؟" خير يا عم هانى هات ما لديك لم أيقظتنى بعد الفجر ؟ وهنا مربط الفرس "منة الله بنت أحمد بسيونى دويدار عائدة من اليمن على الطائرة المصرية فاستوقفها ضباط مباحث أمن الدولة سابقا الأمن الوطنى حاليا بمطار القاهرة ولم تخرج حتى الآن ومنذ ثلاث ساعات " وأحمد دويدار من الجهاديين القدامى الذين ذهبوا للجهاد فى أفغانستان ولما دُحر الروس منها نزل فأقام فى اليمن مثله فى هذا مثل الدكتور سيد إمام الشريف وانقطع عن الحالة المصرية حتى فاضت روحه هناك منذ ثلاثة أعوام تقريبا وبقى أولاده مع والدتهم فى صنعاء حتى رأوا العودة إلى موطنهم بعد الثورة المصرية والتعرف على فروع عائلتهم وهكذا حجزت الفتاة فى مطار القاهرة مع أول طلعة جوية لها من صنعاء إلى القاهرة.

      اللافت فى الموضوع إن تصريحات اللواء منصور العيسوى لا تنقطع منذ ولى الوزارة عن إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وعن دقة الاختيار فى نوعية الضباط الذين سوف يتم اختيارهم للعمل فى الجهاز الجديد , وعن تغير أسلوب العمل فى الجهاز الجديد وأنه سيتحول لجهاز معنى بجمع المعلومات ليس إلا وهو عمل لو صح عظيم , المهم أن سلطان وصولجان ضباط هذا الجهاز لن تتعاظم على النحو الذى عاشه ضباط الجهاز القديم , لكننا رصدنا غيره مؤشرات تفضى إلى بقاء الجهاز برجاله , وبقاء قوائم الممنوعين والمدرجين على الانتظار وترقب السفر لم تزل كما هى . قال العيسوى مع بدء الجهاز الجديد ستسقط القوائم , وحملت إلينا مراكز الأخبار على هواتفنا النقالة خبرا مختصرا ذو دلالة بالغة أول مايو أن جهاز الأمن الوطنى بدأ عمله فى مطار القاهرة بإلغاء كل قوائم مباحث أمن الدولة , وها هى " منة الله " شاهدة على عدم صحة المعلومات التى تخرج إلينا عن هذا الموضوع من وزيرنا العيسوى أو علاقاته العامة بينما يغُط رئيس الجهاز الجديد فى صمت عميق منذ ولى المنصب لا يتحدث ولا ينبت ببنت شفه كما يقولون ثم ما شأنها بما حوته ملفات والدها الراحل ؟

      ما هذه الثورة التى قامت لتقتلع أركان الظلم والجور والاستبداد بينما لم تزل معاوله باقية تتحكم فى حريات الناس وتحركاتهم؟

      قامت الثورة بهمة شبابها ورجالاتها ونسائها ضد نظام بائد بالغ فى مظالمه واستهان بشعبه لم يرحم شيبة شيخ ولا شاب وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول معلما البشرية كلها (من لا يرحم لا يُرحم) , ذلك النظام لم يرحم أحدا من خصومه فداسهم بمطارق الطوارئ والمحاكم الاستثنائية قتلا وسجنا وتشريدا , وكلما رُفعت إليه مرحمة رفضها رافعا لاءات التسامح مع الشرذمة من الارهابيين والخونة , فى الوقت الذى تسامح فيه فعلا مع الخونة الحقيقيين فأفرج عن عزام الجاسوس الاسرائيلى !! "من لا يرحم لا يُحم" وفى الوقت الذى تسامح فيه النبى صلى الله عليه وسلم مع عامة المواطنين الخاضعين لسلطة قريش فى مكة وهتف فيهم اذهبوا فأنتم الطلقاء حدد أسماء أكابر المجرمين عينا وأمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة . لكن الغريب والعجيب فى تلك الأجواء التى سربت فيها دوائر من فلول النظام البائد بالونة اختبار العفو عن رموز العهد البائد وشغلوا المجتمع بها , لم يزل داخل السجون المصرية ثلة من أبناء مصر الذين قضوا سنوات طويلة قيد السجن المشدد منذ بدايات حكم مبارك وما سجنوا وما نقموا منهم غير إيمانهم بربهم وتصديهم لمفاسد مبارك ونظامه وخصومتهم له , هناك قائمة تتضمن 47 سجينا إسلاميا صدرت بحقهم أحكام مشددة من محاكم استثنائية لاتهامهم فى محاولة قلب نظام الحكم!! من غير المعقول بعد قلب نظام مبارك أن يستمر هؤلاء فى سجنهم أيضا إلا إذا كانت الثورة لا تحكم , لقد شاهدنا الشيخ راشد الغنوشى وكبار معاونيه ممن حكم بإعدامهم غيابيا مرات عديدة وليس حكما واحدا من محاكم بن على رأيناهم يعودون إلى تونس معززين مكرمين بعد أسبوعين من ثورتهم المباركة !!

      فرح النشطاء من المصريين بثورتهم العظيمة فى 25 يناير وحلموا بمستقبل أكثر اشراقا يمارسون خلاله نشاطهم بحيوية وهمة وفى أُطر قانونية صحيحة , غير أننا فوجئنا بالوزير ذو الميول الشيوعية يتقلد وزارة التضامن ويحنق على الاسلاميين ويرفض شهر جمعياتهم السلمية ليمنعم من ممارستهم نشاطهم المشروع وما كان محظورا فى عهد مبارك لم يزل ممنوعا فى عهد جودة عبد الخالق لأن الثورة لا تحكم

      نحن نثق جدا فى قواتنا المسلحة وفى قيادتها الممثلة فى المجلس الاعلى , ونثق أيضا فى رئيسه المشير طنطاوى ونقدر انحيازه للثورة الشعبية وحمايتها , ولن تفلح إلا محاولات يبذلها النظام البائد فى الوقيعة بيننا , ولن تفلح محاولاتهم فى ابتزاز الثورة وحماتها ومهما أبرزوا من تهديدات لرموز فى قواتنا المسلحة فالشعب لن يتنطلى عليه الخدعة ويعلن مجددا ثقته فى قيادة الجيش , لكن من حق أبناء الثورة ورموزها أن يشاركوا فى تسيير شئون البلاد ولا يغنم ثمرتها امتدادات للنظام البائد وحزبه , هناك نخب وطنية تكنوقراط أيضا يمكن أن يتقلدوا زمام الامور فى المؤسسات والوزارات والمجالس القومية , نعلم أن الثورة وشبابها هم من قدموا عصام شرف رئيسا للوزراء وهو جدير بتلك الثقة لكن يقينا لم يكن هؤلاء هم من قدموا يحيى الجمل مثلا أو جودة عبد الخالق وغيرهم فلا توجد ثورة فى الدنيا لم تحكم , ولا توجد ثورة تستمر فى سجن ثوارها الذين ثاروا قبل الثورة.

      * 26 مايو 2011