فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العلمانيون .. وثورة الزنج

      تقدمة:

      كان لطه حسين السبق في إبراز أحداث النشاز في التاريخ الإسلامي ؛ ففي سنة 1946 نشر مقالة في مجلة (الكاتب المصري) بعنوان (ثورتان) حث فيها طه حسين الأدباء والمثقفين العرب على استلهام ثورة الزنج كما استلهم الأوربيون ثورة (سبارتكوز) بغية الوصول إلى العدالة المنشودة على حد زعمه ومن ثم فقد فتح طه حسين شهية العلمانيين وخاصة الماركسيين والشيوعيين ومن يسمون أنفسهم اليسار الإسلامي!، وأرباب المدرسة الإعتزالية للنيل من الإسلام بحجة البحث والإبداع وإيصال الماضي بالحاضر!

      وفي منتصف الخمسينات نشر فيصل السامر ـ شيوعي عراقي ـ كتابه (ثورة الزنج) وفي سنة 1961 نشر اللبناني اليساري أحمد علبي كتابه (ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد) .. ثم ألف د. محمد عمارة (معتزلي حالياً وماركسي سابق) كتابه (مسلمون ثوار).. كتب فصلاً مطولاً عن صاحب الزنج وتعاطف معه وحسن صورته وبيض فتنته عكس من سبقه من الكتاب!! فمثلاً: الكاتب أحمد علبي ذكر أن لصاحب الزنج وثورته سلبيات.. أما الدكتور عمارة فلم يثبت هذه السلبيات ـ أقصد الجرائم التي ارتكبها صاحب الزنج في حق الإسلام ـ ثم توالت الكتابات حيث نشر معين بسيسو مسرحيته الشعرية (ثورة الزنج) .. وكتب نور الدين فارس مسرحيته الشعرية (لتنهضوا أيها العبيد) .. ثم عاود أحمد علبي الكتابة عن صاحب الزنج فنشر سنة 1985 كتابه (ثوار وعبيد) .. وفي سنة 1995 صدر كتاب (شخصيات غير قلقة في الإسلام) لهادي العلوي وخصّ صاحب الزنج بفصل كامل وسار على درب من سبقه من يساريين وعلمانيين!!

      وبعد.. فكل هذه المؤلفات تدندن حول التمجيد والإشادة بثورة علي بن  محمد صاحب الزنج، والإنتصار له حيث كان  ـ في نظرهم ـ كان ضحية لمؤامرة تاريخية كبرى!!

      أما الكتاب الإسلاميون فلا تكاد تجد كتابة حديثة عن صاحب الزنج وفتنته تعالج هذه القضية من منظور إسلامي بحت؛ لا من وجهة نظر ماركسية أو علمانية أو قومية.. وقد يرجع ذلك إلى أن كتب التاريخ الإسلامي المعتمدة قد حسمت هذه القضية التاريخية بما فيه الكفاية.. بل إن علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم قد اتفقوا على تضليل وتفسيق هذه الفتنة التي يطلق عليها العلمانيون (ثورة الزنج)!! ولكن لما دعت الحاجة إلى دحض شبهات المبطلين الطاعنين في الإسلام وعقيدته تحت ستار الدفاع عن صاحب الزنج والتعاطف معه .. قمنا بكتابة هذه المقالة مساهمة منا في وضع لبنة لبناء جبهة تاريخية ترد على شبه المرجفين.. ودعوة الغيورين على تاريخ الإسلام أن يساهموا في الذب عن تاريخ أمتنا التليد حتى يستبين الحق من الباطل.. ويظهر الغث من السمين..

      بعد هذه التقدمة أشرع في النقاط التالية:

       

      أولاً: أقوال بعض العلمانيين ومن على شاكلتهم في صاحب الزنج:

       

      يقول أحمد علبي: "أما الدافع الذي حملنا على انتقاء ثورة الزنج بالذات؛ فهو أن هذه الثورة تلقي نوراً كاشفاً على طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال القرن الثالث الهجري في الدولة العباسية؛ بالإضافة إلى أنها حلقة لاهبة من الثورات التي اجتاحت بلدان الخلافة في كل قطر من أقطارها، بحيث إن دراستها بعث لتراثنا الثوري، واحياء فكري لنضال العبيد الزنج في سبيل الخبز والحرية"[1]

      ويتساءل علبي: "ولكن هل يعتقد القارئ أن الثورة انتهت إلى لا شئ؟ إن كل ثورة مهما أصابت من النجاح الضئيل أو الفشل الذريع، هي وقود لثورة قادمة ومعركة تحريرية تالية.. فالثورة المخفقة تنجح في تبيان أخطاء اخفاقها.. وتقود إلى ثورة أمضى.. وثورة الزنج كانت، على الأرجح، مهمازاً لثورة القرامطة وغيرها من الثورات التي شملت العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري"[2]

      ويقول أدونيس: "يتضح مما تقدم أن ثورة الزنج هي من جهة؛ ثورة عبيد على أسياد، وأنها من جهة ثانية؛ وعد بحياة كريمة يملكون فيها ملك أسيادهم، وأنها من جهة ثالثة؛ ذات قيادة من طبيعة نبوية فهى لم يخرج لعرض من أعراض الدنيا كما أعلن وإنما خرج (غضباً لله)، ولما رأى عليه الناس من فساد في الدين... وقد استمرت حركة الزنج أربع عشرة سنة، بين سنة 255هـ وسنة 270هـ السنة التي قتل فيها علي بن محمد، وكانت في أساسها ثورة فقراء مسحوقين على أسياد طغاة ظالمين"[3]

      ويقول هادي العلوي: "مهما يكن فصاحب الزنج عربي لا زنجي وقيادته لحركة الزنج تندرج في ظاهرة ملحوظة في تاريخ الحركات الاجتماعية وهي أن المسحوقين غالباً ما يقود ثوراتهم وانتفاضاتهم ناس من خارجهم. ويرجع ذلك إلى عدم توافر  الفرص لظهور القيادات بين المسحوقين وتوفرها للفئات والطبقات المالكة للثروة والمصدرة في المجتمع والتي تنعم بإمكانات تأهيل وتوعية تساعد على تشكيل الكفاءات في مناحي الحياة المختلفة"[4]

      أما د. محمد عمارة فيقول: "عندما أكتب اليوم عن ثورة الزنج، وقائدها علي بن محمد (270هـ/883م) فإنني أحقق بذلك أمنية تمنيتها منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان. فلقد قرأت يومها صفحات كتبها المرحوم الدكتور طه حسين (1889م ـ 1973م) عن هذه الثورة، قارن بينها وبين ثورة سبارتكوس

      Spartacus (73 ـ 71 ق.م) لتحرير العبيد من مظالم الدولة الرومانية واستعبادها وتمنى في بحثه ذاك

      أن تحظى ثورة الزنج بما حظيت به ثورة سبارتكوس، في حقل الأدب والفن عندما استلهمهما عدد من عمالقة هذا الميدان في حضارة الغرب، فقدموا لشعوبهم تراثهم القديم في الثوب الذي يعين هذه الشعوب على تحقيق المزيد من الحرية والتقدم لحاضرها الذي تعيشه ولمستقبلها المأمول. فمنذ ذلك اليوم تمنيت أن أكتب عن ثورة الزنج هذه. وكبرت الأمنية ونمت مع السنوات، وخاصة بعد أن أصبح التراث العربي الإسلامي، وصفحاته المشرقة بالثورة، وبأحلام العدل الإجتماعي، وبإعلاء سلطان العقل كي يطارد الخرافة، هي الميدان الذي وقع عليه أغلب الجهد الذي قدمته وأقدمه في التأليف والتحقيق"[5]

      ويقول د. عمارة في موضع آخر: "نعم انتهت ثورة الزنج وطافت الدولة العباسية برأس الثائر الشاعر العالم علي بن محمد في المدن والأمصار والآفاق، ولكن حلم الإنسان العربي المسلم بالعدل لم ينته بنهاية هذه الثورة"[6]

      أقول: مما لا شك فيه أن د. محمد عمارة له جهد واضح في الرد على العلمانيين وخاصة في مناظرته لفرج فودة في معرض الكتاب الذي عقد بالقاهرة عام 1992 وكذلك كتابه في الرد على العلمانيين ودحض شبهاتهم، ومناظرته لنصر حامد أبي زيد التي عرضتها قناة الجزيرة الفضائية. وهذا كله جهد يعلمه المتتبع لكتابات د. عمارة ومقالاته في جريدة الشعب المعارضة بمصر.. لكن الحقيقة التي لم ينكرها د. عمارة أنه يسير في أفكاره على منظومة المعتزلة في تقديم العقل على النقل، واهدار سلطة النص القرآني والإستشهاد به وأحاديث الآحاد وحتى المتواترة على سبيل الإستئناس الذي يعضد ويوافق فكرته العقلية.. فالدكتور محمد عمارة رغم أنه ليس علمانياً بالمعنى الاصطلاحي إلا أنه ينطلق من نفس منطلقات العلمانيين في تقديم العقل على النقل.. حيث يعتبر الدكتور عمارة أن العصر الذهبي للحضارة الإسلامية كان في عصر المأمون والمعتصم والواثق: "ولقد كان هؤلاء الخلفاء الثلاثة من أنصار التيار العقلاني في الفكر الإسلامي، إذ كانوا على مذهب المعتزلة؛ أهل العدل والتوحيد.. وفي ظل حكمهم استخدم التيار العقلاني جهاز الدولة في إشاعة مفاهيمه، وتدعيم القسمات التي تميزت بها حضارتنا في عصرها الذهبي"[7]

      هكذا اختزل عمارة التاريخ الإسلامي في هؤلاء الخلفاء الثلاثة ناسياً من سبقهم من خلافة راشدة وأمويين أجداد هؤلاء الخلفاء حتى هارون الرشيد خرج من العصر الذهبي طبقاً لتحديد الدكتور عمارة!! أما عصر الإنحطاط والتخلف فيأتي من بعد هؤلاء الثلاثة!! فيتهم د. عمارة الخليفة المتوكل  بالتخلف والجمود لأنه نصر أهل السنة وقضى على فتنة خلق القرآن: "وهكذا تحولت الإدارة التي أرادها المعتصم حصناً للحضارة العقلانية، ضد (العامة)، تحولت إلى حصن للفكر المتخلف، انطلقت منه (العامة) وفقهاؤها ليصيبوا ذلك المد الحضاري العقلاني، بالتوقف، فالجمود، فالتخلف، فالتراجع، وذلك بمجرد استيلاء الخليفة المتوكل (232هـ ـ 247هـ) على السلطة بعد موت الخليفة الواثق! .. ولقد رضيت العامة وفقهاؤها من النصوصيين، لقصر نظرها، عن هذا الإنقلاب"[8]

      أقول: هكذا يصب د. عمارة في نفس قناة العلمانيين!! ففي نظره أن الخليفة المتوكل استولى على السلطة رغم علمه أن الحقيقة غير ذلك وأنه بويع بيعة صحيحة.. ولا ندري لماذا سكت عن كيفية وصول الخلفاء الثلاثة: المأمون/ المعتصم/الواثق.. إلى الحكم!! ولماذا لم يتكلم عن الملك الوراثي وهل يوافق على ذلك؟! ألأنهم انتصروا لمذهب المعتزلة وسلموا عقولهم لابن أبي دؤاد الذي أثار هذه الفتن.. يغض الطرف عنهم؟!!

      والعجيب أن عمارة يشيد بالخليفة المعتصم في قضايا الفكر  والحضارة رغم علمه أن الخليفة المتوكل يعتبر من الخلفاء الأدباء فقد كان يمتحن الفقهاء والشعراء ويناقشهم في مسائل شرعية ولغوية عويصة .. عكس الخليفة المعتصم الذي كان مشغولاً دائماً بالجهاد في سبيل الله ولم يكن يعبأ كثيراً بمذهب الإعتزال لولا وسوسة ابن أبي دؤاد له!!

      ولكن لماذا تحامل د. عمارة على الخليفة المتوكل وفقهاء الأمة في ذلك الزمان وهم الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه والبخاري ومسلم وأبوزرعة الرازي وأصحاب السنن وغيرهم من العلماء الذين نتشرف بذكر أسمائهم والإنتساب لهم بل إن جل أحاديث الأحكام والعقيدة مأخوذة عنهم ومنهم.. لماذا تحامل عمارة على هؤلاء جميعاً؟! ألأنهم دافعوا عن منهج السلف الصالح وقدموا النص على العقل.. أم لأنهم دحضوا شبهات المعتزلة وأصولهم الخمسة: التوحيد/ العدل/ الوعد/ الوعيد / المنزلة بين المنزلتين/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... أعتقد أن الأمر صار جلياً!!

      عود إلى ثورة الزنج:

       

      ثانياً: مؤامرة تاريخية كبرى على صاحب الزنج!!

       

      لقد تحامل العلمانيون ومن على طريقتهم على علماء الإسلام وخاصة شيخ المؤرخين أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310هـ .. لماذا؟ لأن ابن جرير عمدة الرواة وأهل الأخبار في سرد فتنة صاحب الزنج! العجيب أن الطبري في مواطن أخرى لدى هؤلاء اللادينيين: عالم مؤرخ ثقة لم يكن ممالئاً للسلطة!! أما إذا جاء بما لم يوافق هواهم فابن جرير بوق لمؤسسة اعلامية تابعة للسلطة!! فهو يتكلم باسمها.. هناك مؤامرة تاريخية من أصحاب المذهب التقليدي النصوصي!! وأصاب الطبري سهام التجريح والطعن والتفسير التآمري للتاريخ!! لأنه نطق بالحق!! مع العلم أن الطبري ولد سنة 224هـ وتوفي سنة 310 وفتنة الزنج اندلعت سنة 255 هـ واستمرت حتى قضي عليها بمقتل صحاب الفتنة سنة 270هـ.. معنى ذلك أن الطبري عاصر هذه الحركة منذ بداية دعوتها بالتحديد سنة 249هـ أي قبل اعلان الحركة عن نفسها وقبل تأسيس عاصمة الزنج (المختارة) مروراً بسنة 255هـ حتى زوال فتنة الزنج سنة 270هـ.. فابن جرير لقربه من مسرح الأحداث كان شاهد عيان، وكان يدونها بما يشبه عمل الصحف اليوم لدرجة أنه أفرد لهذه الفتنة أكثر من مائتي صفحة في كتابه الضخم (تاريخ الأمم والملوك) إذن ابن جرير شاهد على عصره وناقل أمين لفتنة الزنج التي كادت أن تقوض دعائم أرض الخلافة التي صارت مرتعاً لكل طامع.. ورغم هذه الحقيقة عن الطبري إلا أنهم أبوا إلا الطعن فيه ليسهل الطعن في كل علماء التاريخ الذين أخذوا عن الطبري، ومن ثم يتحقق لهؤلاء المبطلين مآربهم للنيل من الإسلام ومنهجه!!

      فهذا هادي العلوي يسير على منهج المستشرق الفرنسي ماسنيون ويردد نفس مقولته عن الطبري: "وكان الطبري مقاطعاً للسلطة على طريقة فقهاء القرن الأول وكان يتمتع بقسط من حرية الرأي الإجتهاد مع الإتجاه إلى مطالعة كتب الفلسفة في السر لكن معالجته لثورة الزنج بدت كما لو أنها من فعل مؤسسة اعلامية وجهت لدعم حرب العباسيين ضد قائدها الذي يرجع تلقيبه بالخبيث إلى الطبري نفسه"[9]

      ويقول هادي العلوي في موضع آخر: "وقف المجتمع الإسلامي بأسره ضد صاحب الزنج فسحب منه هويته كما منحه لقب (الخبيث) الذي صار علماً عليه في مصادر التاريخ بدءاً من الطبري... ولم يدافع عن الثورة أحد من الفرق والشخصيات الثقافية أو الاجتماعية"[10]

      أما د. محمد عمارة فيقول متعجباً: "فالطبري يقدم أهم أخبارها، وأكثرها ينطلق في تأريخه لها من منطلق العداء، بل والعداء الشديد... فهو (الطبري) يطلق على قائدها: علي بن محمد، أوصافاً من مثل: (الخبيث)! و(اللعين)! و(الخائن)! و(الفاسق)! بل ويكتفي بصفة من هذه الصفات أو أكثر، عندما يريد الحديث عن صاحب الزنج، ولا يذكر اسمه إلا في القليل"[11]

      ويستنكر أحمد علبي وصف الطبري لصاحب الزنج قائلاً: "ولهذا فإن مقتل صاحب الزنج بعد جهاد جهيد كان بمثابة (البشير) كما ورد لدى الطبري ت 310هـ الذي هو بمنزلة المؤرخ الرسمي لثورة الزنج: (جاء البشير بقتل الفاجر) إلى الموفق، ثم وفاه أحدهم يحمل كفاً يزعم أنها كف صاحب الزنج. ثم (أتاه غلام من أصحاب لؤلؤ يركض ومعه رأس الخبيث) وأمر الموفق برفع رأس الفاجر على قناة ونصبه بين يديه).. ولا يدهشن قارئ بأمثال هذين النعتين لقائد ثورة الزنج: الفاجر، الخبيث.. فكل متمرد وإن كان الحق ملء برديه والعدالة سرباله وفيض يديه.. هو في نظر السلطة القائمة قمين بكل النعوت ابتداء من الخيانة حتى الفجور والإلحاد، لأن الإيمان يغدو هنا حكراً على السلطة أو أمير المؤمنين، أياً كانت سيرته"[12]

      أقول: هكذا نخلص إلى استهجان العلمانيين وبعض الإعتزاليين ومن يسيرون على خطاهم وفي مقدمتهم المستشرق الفرنسي ماسنيون؛ من وصف الطبري لصاحب الزنج بالخبيث أو اللعين أو الفاسق.. فإنهم جميعاً يتميزون غيظاً وحنقاً لهذه النعوت التي يكررها ابن جرير لصاحب الزنج.. وكأنهم يريدون من الطبري أن ينعت صاحب الزنج بما ليس فيه!! كان لزاماً على الطبري أن ينعت من يسفك دماء الأبرياء وينتهك المحارم والحرمات ويستبيح بيضة الإسلام ويروع الآمنين ويقتل الأطفال.. كان لزاماً عليه ـ حسب مزاجهم ـ أن ينعت هذا السفاح السفاك الخارج عن الخليفة الشرعي ؛ بالبطل المغوار والثائر المجاهد، والمؤمن التقي!! لقد كان الطبري مهذباً في نعته لصاحب الزنج.. فهؤلاء اللادينيون ينعتون الشباب الذين يقومون بواجبهم الشرعي ضد السلطات القائمة بأقبح النعوت وبألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان!! من أمثال: (بلطجية) .. (مجرمون) .. (ارهابيون) .. (متطرفون).. إلخ .. فهؤلاء العلمانيون يكيلون بمكيالين، بل لا يحترمون عقولهم ولا عقول غيرهم!!

       

      العلمانيون .. وابن الرومي:

       

      لقد أغضب الشاعر أبو الحسن بن علي بن العباس بن جريج الشهير بابن الرومي ت284هـ تيار اليسار الإسلامي وأصحاب العلمنة الغربية وغيرهم.. لماذا؟! لأن ابن الرومي رثا مدينة البصرة وبكاها في شعره بعدما خربها صاحب الزنج، وكانوا ينظرون إليه على أنه شاعر ساخط على الخلافة العباسية لأنه ليس عربياً خالصاً!! ـ ولسيت هذه الدراسة لتقويم ابن الرومي أو الدفاع عنه، فابن الرومي له تصرفات شخصية لكن لا تصل إلى ما كان يتمناه العلمانيون .. فكما يصف لنا ابن رشيق القيرواني ت 456هـ : "كان ابن الرومي كثير الطيرة؛ ربما أقام المدة الطويلة لا يتصرف تطيراً بسوء ما يراه أو ما يسمعه، حتى إن بعض إخوانه من الأمراء افتقده فأعلم بحاله في الطيرة، فبعث إليه خادماً اسمه اقبال ليتفاءل به، فلما أخذ أهبته للركوب قال للخادم: انصرف إلى مولاك فأنت ناقص! ومنكوس: اسمك لا بقا.."[13]

      لعل تشاءوم ابن الرومي وسخطه كان مفتاح شخصيته: لكن العلمانيين أساءهم صنيع ابن الرومي وهو يهجو صاحب الزنج لتسميه بلقب إمام:

      وتسمَّى بغير حقٍ إماماً *** لا هدى اللهُ سعيَه من إمام

      ولم يعجبهم وصف ابن الرومي دخول الزنج البصرة:

      دخلوها كأنهم قطع الليـ *** ـل،  إذا راح مُدلهمّ الظلام

      ولم يعجبهم وصفه لأفاعيل وجرائم الزنج في أهل البصرة:

      كم أب قد رأى عزيزَ بنيه ***وهو يعلو بصارم صمصام

      كم رضيع هناك قد فطموه*** بشبا السيف قبل حين الفطام

      ولم يعجبهم وصف ابن الرومي لأطلال البصرة وما حل بها من خراب:

      وخلت من حلولها فهي قفرٌ *** لا ترى العين بين تلك الأكام

      غير أيدٍ وأرجلٍ لأناس بائنات *** نبذت بينهنّ أفلاقُ هام

      ووجوه قد رملتها دماء *** بأبي تلكم الوجوهُ الدوامي

      وطئت بالهوان والذل قسراً *** بعد طول التبجيل والإعظام

      فتراها تسفي الرياح عليها *** جاريات بهبوةٍ وقتام

      خاشعاتٍ كأنها باكياتٌ *** باديات الثغور، لا ، لابتسام

      ولم يعجبهم حض ابن الرومي فقهاء المسلمين على الجهاد:

      كم خذلنا من ناسك ذي اجتهادٍ *** وفقيه في دينه علام

      ولم يعجبهم أيضاً في نهاية القصيدة حث ابن الرومي المسلمين على الأخذ بالثأر وتحرير السبايا ووصفه لصاحب الزنج باللعين:

      إن قعدتم عن اللعين فأنتم *** شركاءُ اللعين في الآثام

      ويهاجم هادي العلوي ابن الرومي بقوله: "وتكشف قصيدة ابن الرومي عن نقطة التقاء قاطعة بين الطرفين وبين ابن الرومي مؤيد للعلويين، مناوئ  للعباسيين ولم يكن يحب تلك الدولة التي عاش في ظلها ينظر بعين الحسد إلى الشرطة إنه لم يجد في عصيان الزنج ما يلأم جروحه، بل بالعكس فقد نكأها بما أيقظه في روحه من عرقية بيضاء يعززها نسب يوناني صريح ومن حس السيادة لدى مالك العبيد، وهكذا وجد نفسه في صف مجوعيه العباسيين يبكي على جمال البصرة الذي دنسه التنين الأسود"[14]

      انظر إلى هذا التحليل! فقصيدة ابن الرومي حوالي 83  بيتاً لم نجد فيها البكاء على الخبز والجوع!! بل على العكس فكلها حض على الجهاد ورثاء لما حلّ بحريم المسلمين وما ارتكبه الزنج من مجازر بحق الشيوخ والأطفال والنساء وما آلت إليه حال تلك المدينة التي كانت آمنة من قبل أن يخربها الزنج.. هكذا يفسر العلمانيون حوادث التاريخ من خلال منظور مادي بحت! وكأن ابن الرومي لم يكن مسلماً أباً عن جد!! فقد جردوا الرجل حتى من مشاعره وعقيدته الإسلامية التي حركته ليحض المسلمين وفقهاءهم لنجدة السبايا والإنتصار لدين الله.. بالطبع لم يكن الطعن موجهاً لابن الرومي فقط فكل الشعراء الذين عاصروا هذه الفتنة مثل ابن الرومي، ويحيى بن محمد الأسلمي، ويحيى بن خالد بن مروان وغيرهم قد أصابهم سهام التجريح بتهمة التآمر مع السلطة.. فنجد أحمد علبي يقول: " ولا ننتظر أن ينهض بين الشعراء المتكسبين المرتزقة من يقف في صف صاحب الزنج، ويعاضد ثورته، فالشعر العربي كان في معظمه وقفاً على فئة ارستقراطية حاكمة أو نافذة فعكس مأربها ونظم حياتها الزاهية وظل يدور في دائرة مترفة ولم يتعدّ عتبة القصور إلا لمما، وابن الرومي الذي رثا يحيى بن عمر العلوي أجمل رثاء هذا الشاعر نفسه نظر إلى ثورة الزنج وصاحب الزنج نظرة تقليدية فقال:

       أيّ نومٍ من بعد ما انتهك *** الزنج جهراً محارم الإسلام"[15]

      أقوال بعض علماء الإسلام في صاحب الزنج وفتنته:

       

      أبوجعفر بن جرير الطبري: قال في أحداث 255هـ :"وللنصف من شوال في هذه السنة ظهر في فرات البصرة رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وجمع إليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ ثم عبر دجلة فنزل الديناري"[16]

      ويقول الطبري مكذباً ادعاء صاحب الزنج بأنه علوي النسب فيصحح نسبه: "وكان اسمه فيما ذكر: علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه عبد القيس وأمه قرّة بنت علي بن رجب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة من ساكني قرية من قرى الري يقال لها (ورزنين) بها مولده ومنشؤه"[17] .. "ثم إنه (صاحب الزنج) شخص ـ فيما ذكر  ـ من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين فادعى بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، ودعا الناس بـ (هجر) ـ مدينة كانت تابعة للبحرين ـ إلى طاعته واتبعه جماعة كثيرة من أهلها .. فانتقل إلى الأحساء وضوى إلى حي من بني تميم ثم من بني سعد يقال لهم بنو الشماس.. فكان بيهم مقامه.. وقد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي... وقاتلوا أسباب السلطان بسببه ووتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له، فتحول عنهم إلى البادية"[18]

      وكان صاحب الزنج يتلون ويغير اسمه حسب القبيلة التي ينزل فيها.. يقول الطبري: "وذكر أنه عند مسيره إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أبا الحسين المقتول بناحية الكوفة، فانخدع بذلك قوم منهم، حتى اجتمع بها منهم جماعة كثيرة، فزحف بهم إلى موضع بالبحرين يقال له الردم، فكانت بينهم وقعة عظيمة، كانت الدائرة عليه وعلى أصحابه قتلوا فيها قتلاً ذريعاً.. فنفرت منه العرب وكرهته وتجنبت صحبته. فلما تفرقت عنه العرب ونبت به البادية شخص عنها إلى البصرة فنزل بها في بني ضبيعة فاتبعه بها جماعة منهم علي بن أبان المعروف بالمهلبي.. ـ وكان قدومه البصرة سنة أربع وخمسين مائتين ـ ومحمد بن رجاء الحضاري عامل السلطان بها، ووافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية والسعدية فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه، فأمر أربعة نفر من أصحابه فخرجوا بمسجد عبّاد.. وهم الذين كانوا صاحبوه بالبحرين فدعوا إليه فلم يجبهم من أهل البلد أحد، وثاب إليهم جند السلطان فتفرقوا ولم يظفر بأحد منهم.. فخرج من البصرة هارباً ..فسار إلى مدينة السلام (بغداد) فأقام فيها حولاً وانتسب فيها إلى أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه آيات وعرف ما في ضمائر أصحابه، وما يفعله كل واحد منهم؛ وأنه سأل ربه آية أن يعلم حقيقة أمره فرأى كتاباً يُكتب له وهو ينظر إليه على حائط، ولا يرى شيئاً"[19]

      ويسترسل الطبري في حديثه: "وذكر بعض تُبَّاعه أنه بمقامه بمدينة السلام استمال جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحاني، ومحمد بن القاسم، وغلاما يحيى بن عبد الرحيم بن خاقان: (مشرقاً ورفيقاً) فسمى مشرقاً حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رفيقاً جعفر وكناه أبا الفضل.. ثم لم يزل عامه بمدينة السلام حتى عُزل محمد بن رجاء عن البصرة، فخرج منها، فوثب رؤساء الفتنة من البلالية والسعدية ففتحوا المحابس، وأطلقوا من كان فيها؛ فتخلصوا فيمن تخلص.. فلما بلغه خلاص أهله شخص إلى البصرة فكان رجوعه إليها في شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين"[20]

      أقول: نلاحظ أن صاحب الزنج كل هذه الفترة لم ينضم إليه أي زنجي، فعلى مدار سبع سنوات كان يدعو العرب فقط وكان كل قواده من الأعراب أو بالأحرى كان جل أتباعه من اللصوص وقطاع الطرق والهاربين من السجون والمطاريد!! ثم متى وكيف ضم إليه الزنج وهم جماعة من العبيد من السودان ومن بلاد الحبشة كانوا يشتغلون في استصلاح الأراضي الزراعية والبصرة وضواحيها؟!

      ذكر ابن جرير أن أول من انضم إليه من العبيد غلام اسمه ريحان بن صالح: "وفي سنة 255هـ اتخذ صاحب الزنج لواء مكتوباً عليه بحمرة وخضرة الآية 111 من سورة براءة (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله) وكتب اسمه واسم أبيه على هذا اللواء وعلقه في خشبة وأخذ يعد العبيد ويحرضهم على عصيان مواليهم بل أمر هؤلاء الغلمان بضرب مواليهم يقول الطبري في ذلك: "فأمر غلمانهم فأحضروا شطبة (سعف أخضر من جريد النخل) ثم بطح كل قوم مواليهم ووكيلهم فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة"[21]

      وهكذا انضم الزنج إلى دعوة هذا المتمرد الخبيث.. "فلما سار إلى القادسية والشيفيا (..) أمر غلمانه بانتهاك القريتين، فانتهب منهما مالاً عظيماً عينيياً وورقاً وجوهراً وأواني ذهب وفضة وسبى منهما يومئذ أربعة عشر غلاماً ونسوة وذلك أول سَبي سُبي"[22]

      وفي أحداث 257 هـ يقول الطبري: ذكر خبر دخول الزنج البصرة هذا العام وفيها دخل أصحاب الخبيث البصرة فلما كان في شوال من هذه السنة أجمع الخبيث على جمع أصحابه للهجوم على أهل البصرة والجد في خرابها، وذلك لعلمه بضعف أهلها وتفرقهم، واضرار الحصار بهم، وخراب ما حولها من القرى"[23]

      ادعاؤه أنه كان يوحى إليه: "فذكر عن محمد بن سهل أنه قال سمعته يقول اجتهدت في الدعاء على أهل البصرة وابتهلت إلى الله في تعجيل خرابها فخوطبت فقيل لي إنما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها؛ فإذا انكسر الرغيف خربت البصرة"[24]

       

      غدر صاحب الزنج بأهل البصرة:

       

      "ولم يكن في وجهه أحد يدافعه، ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلبي، فاستأمنه لأهل البصرة فأمنهم، ونادى مناد إبراهيم بن يحيى: من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم، فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملأوا الرحاب. فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة في ذلك منهم، وأمر أصحابه بقتلهم، فقتل كل من شهد ذلك المشهد إلا الشاذ"[25]

       

      الإعتداء على قوافل الحجاج:

       

      يقول الطبري في أحداث 266هـ: "وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة، فانتهبوها، وصار بعضها إلى صاحب الزنج، وأصاب الحاج فيها شدة"[26]

      وفي أحداث 269هـ: "قطع الأعراب على قافلة من الحجاج بين تور وسميراء، فاستلبوهم واستاقوا نحواً من خمسة آلاف بعير بأحمالها وأناساً كثيرين"[27]

      وفي أحداث 267هـ: "دخل صاحب الزنج رامهرمز فاستباحها" .. وفي أحداث 264هـ: "دخل الخبيث واسط واستباحها وخربها" .. وفي أحداث 267هـ يقول الطبري: "وظفر أبو العباس برئيسهم ثابت بن أبي دلف، فمنّ عليه واستبقاه، وضمه إلى بعض قواده ... واستنقذ يومئذ من النساء اللواتي كنّ في أيدي الزنج خلق كثير، فأمر أبو العباس بإطلاقهن وردهنّ إلى أهلهنّ، وأخذ كل ما كان الزنج جمعوه"[28]

      وفي أحداث 267هـ: "استنقذ أبو أحمد (الموفق) من نساء أهل واسط وصبيانهم ومما اتصل بذلك من القرى ونواحي الكوفة زهاء عشرة آلاف، فأمر أبو أحمد بحياطتهم وبالإنفاق عليهم، وحملوا إلى واسط ودُفعوا إلى أهليهم"[29]

      اعذار وانذار من الموفق إلى صاحب الزنج:

      ذكر ابن جرير في أحداث 267هـ: "ولما نزل أبو أحمد نهر المبارك .. كان أول ما عمل به في أمر الخبييث أن كتب إليه كتاباً يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ارتكب من سفك الدماء وانتهاك المحارم واخراب البلدان والأمصار، واستحلال الفروج والأموال، وانتحال ما لم يجعله الله له أهلاً من النبوة والرسالة، ويعلمه أن التوبة له مبسوطة، والأمان له موجود، فإن هو نزع عما هو عليه من الأمور التي يسخطها الله، ودخل في جماعة المسلمين، محا ذلك ما سلف من عظيم جرائمه، وكان له به الحظ الجزيل في دنياه.. وأنفذ ذلك مع رسوله إلى الخبيث، فألقاه الرسول إليهم، فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث، فقرأه فلم يزده ما كان فيه من الوعظ إلا نفوراً واصراراً، ولم يجب عن الكتاب بشئ وأقام على اغترار، ورجع الرسول إلى أبي أحمد فأخبره بما فعل، وترك الخبيث الإجابة على الكتاب"[30]

      أقول: قد يقول قائل إن صاحب الزنج خشي أن يغدر به الموفق… هذا التصور غير صحيح لأن صاحب الزنج يعلم جيداً أن الموفق شخصية دَيّنة هو أخو الخليفة كما أنه الآمر الناهي في أرض الخلافة ولم يثبت من سيرته أنه غدر بأحد من قبل بدليل أن كثيراً من قواد صاحب الزنج لما أرسل لهم دعوته للأمان والرجوع والإنابة رجعوا ولم يفتك بهم بل على العكس صاروا في مقدمة الصفوف يقاتلون صاحب الزنج وأتباعه الذين غدروا بأهل البصرة وواسط والأبلة وعبادان ورامهرمز كما علمنا آنفاً، ونسنزيد من ذلك في الفقرات التالية.

      بيع الحرائر وكشف عوراتهن:

       

      يقول الطبري في مرثية باكية تتفتت لها لأكباد في معرض حديثه عن أحداث 267هـ حول خبر مقتل أحد قواد الخبيث ويدعى صندل: "وكان ـ فيما ذكروا ـ يكشف وجوه الحرائر المسلمات ورؤسهن ويقلبهن تقليب الإماء، فإن امتنعت منهن امرأة ضرب وجهها ودفعها إلى بعض علوج الزنج ببيعها بأوكس الثمن"[31]

      وفي أحداث 268هـ: "واستنقذوا جماعة من النساء اللواتي كان الخبيث استرقهن، ودخل غلمان الموفق سائر دور الخبيث ودور ابنه انكلاي، فأضرموها ناراً، وعظم سرور الناس بما هيأ الله لهم في هذا اليوم"[32]

      وفي أحداث 269هـ: "واستنقذوا من النساء والأطفال ما لا يحصى عدده"[33]

      "وهرب الخبيث في ذلك اليوم ولم يوقف في ذلك على مواضع أمواله. واستنقذوا في هذا اليوم نسوة علويات كنّ محتسبات في موضع قريب من داره التي كان يسكنها، فأمر الموفق بحملهنّ إلى عسكره وأحسن إليهنّ، ووصلهنّ"[34]

      معاملة الموفق نساء وأولاد صاحب الزنج:

       

       

      ذكر ابن جرير أن جند الموفق: "أخذوا حرمه وولده الذكور والإناث وكانوا أكثر من مائة بين امرأة وصبي، وتخلص الفاسق ومضى هارباً نحو دار المهلبي، لا يلوي على أهل ولا مال، وأحرقت داره وما بقي فيها من متاع وأثاث وأتى الموفق بنساء الخبيث وأولاده فأمر بحملهم إلى الموفقية ـ مدينة بناها الموفق أمام مدينة الخبيث ـ والتوكيل بهم والإحسان إليهم"[35]

      أقول: هكذا كانت أخلاق أبي أحمد الموفق وابنه أبي العباس الذي صار خليفة فيما بعد.. وكان هذا دأب الموفق في خروجه ضد الأعداء.. ففي أحداث 269هـ: "فأمر جماعة من غلمانه السودان وعرفهم بأن يقصدوا المواضع التي اعتادها الزنج وأن يستميلوهم ويستدعوا طاعتهم فمن أبى الدخول منهم في ذلك قتلوه وحملوا رأسه وجعل لهم جعلاً فحرصوا وواظبوا على الغدو والرواح فكانوا لا يخلون في يوم من الأيام من جماعة يجلبونهم ورؤوس يأتون بها وأسرى يأسرونهم"[36]

      حكم الموفق في أسرى الزنج ورحمته بهم:

       

      أعتقد أن العلمانيين يحسنون القراءة لكنهم لا يحسنون الفهم (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج/46.

      فهذا أنموذج لما كان يتعامل به الموفق وابنه مع أسرى الزنج ومن يأتيهم مستأمناً:

      ففي أحداث 269هـ ذكر الطبري: "ولما كثرت أسرى الزنج عند الموفق أمر باعتراضهم فمن كان منهم ذا قوة وجلد ونهوض بالسلاح منّ عليه وأحسن إليه وخالطه بغلمانه السودان وعرفهم مالهم عنده من البر والإحسان ومن كان منهم ضعيفاً لا حراك به أو شيخاً فانياً لا يطيق حمل السلاح أو مجروحاً قد أزمنته أمر أن يكسى ثوبين ويوصل بدراهم، ويزود ويحمل إلى عسكر الخبيث فيلقى هناك بعدما يؤمر بوصف ما عاين من إحسان الموفق إلى كل من يصير إليه وأن ذلك رأيه في جميع من يأتيه مستأمناً ويأسره منهم فتهيأ له من ذلك من استمالة أصحاب صاحب الزنج حتى استشعروا إلى ناحيته والدخول في سلمه وطاعته"[37]

      "وانطلق الموفق ومعه أبو العباس وسائر قواده وجميع جيشه قد غنموا أموال الفاسق واستنقذوا جمعاً من النساء اللواتي كان غلب عليهن من حرم المسلمين كثيراً"[38]

      أقول: هكذا كان الموفق قائد هذه الحروب.. فمن الذي يستحق أن يتغنى بأمجاده؟! الموفق هذا الرجل القوي الرحيم الشفوق صاحب الدين والمروءة أم ذاك الخبيث صاحب الزنج سفاك الدماء الغادر الخائن المخالف للعهود والوعود؟! لو أنصفوا لأشادوا بأبي أحمد الموفق ولصبوا اللعنات على صاحب الزنج السفاح الأفاك!! لكنهم لا يخجلون لمرض في قلوبهم!!

      الجزء الثاني

      نهاية صاحب الزنج ودولته

       

      يقول ابن جرير الطبري:

      في سنة 270هـ : "وانتهى الموفق إلى نهر أبي الخصيب، فوافاه البشير بقتل الفاجر، ولم يلبث أن وافاه بشير آخر ومعه كف زعم أنها كفه، فقوي الخبر عنده بعض القوة. ثم أتاه غلام من أصحاب لؤلؤ يركض على فرسه ومعه رأس الخبيث، فأدناه منه، فعرضه على جماعة ممن كان بحضرته من قواد المستأمنة، فعرفوه. فخر لله ساجداً على ما أولاه وأبلاه، وسجد أبو العباس وقواد موالي الموفق وغلمانه شكراً لله، فأكثروا حمد الله والثناء عليه، وأمر الموفق برفع رأس الفاجر على قناة ونصبه بين يديه، فتأمله الناس وعرفوا صحة الخبر بقتله فارتفعت أصواتهم بالحمد لله"[39]

      أقول: إنه منظر مهيب يحرك المشاعر ويلين القلوب قبل العيون .. أن ترى جيشاً بأسره ساجداً لله على ما أيدهم بنصره.. إنها صورة مهيبة بحق تهز كيان الإنسان وتزلزل مشاعره وأحاسيسه وهو يرى خليفة المسلمين وولي العهد وكبار القادة وسائر الجند وعوام المسلمين كبيرهم وصغيرهم يؤدون وظيفة العبودية لله وهم يمرغون وجوههم في التراب شكراً وحمداً لله رب العالمين قاصم الجبابرة.. الأمة كلها ساجدة لله رب العالمين؛ الذي أنقذهم وحررهم من هذا الورم الخبيث المسمى بصاحب الزنج الذي كاد أن يقضي على الأخضر واليابس.. وكادت شمس الخلافة أن تغيب!! إنه منظر يهيج القلوب المتعطشة إلى شفاء الصدور وذهاب الغيظ.. لقد كانت التسابيح والتهاليل تهز أركان الخلافة مغردة بالنصر المبين وشاكرة للرب العظيم.. لم نسمع طبلاً ولا زمراً ولم نر رقصاً ولا عربدة لانتصارات مزيفة ولأبطال من ورق!! بل ردت الأمة وقادتها الأمر كله لله وحده.. وهذه المعاني لا تلامس شغاف قلوب العلمانيين لذلك لا يفهمونها ولا يشعرون بها!!

      ويلخص لنا الطبري تلكم الحقبة بقوله: "وكان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، فكانت أيامه منذ خروجه إلى اليوم الذي قتل فيه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وكان دخوله الأهواز لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال سنة سبع وخمسين ومائتين"[40]

       

      يقول أبو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي في أحداث 255هـ:

       "وللنصف من شوال هذه السنة‏:‏ ظهر في نواحي البصرة رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان يقول أن جده لأمه خرج مع زيد بن علي على هشام بن عبد الملك وكان من أهل) ورزنين) وكان عبادًا يتكلم في علم النجوم فربما كتب العوذ فخرج في نفر من الزنج فأخذه محمد بن أبي عون فحبسه ثم أطلقه فخرج في قراب البصرة في مكان يقال له‏:‏) برنجل) وجمع الزنج الذين كانوا يكتسحون السباخ فاستغواهم ثم عبر دجلة ونزل (الديناري) وكان هذا الرجل متصلًا بقوم من أصحاب السلطان يمدحهم ويستميحهم بشعره ثم خرج من) سامراء) سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين وادعى أنه من ولد علي بن أبي طالب ودعا الناس إلى طاعته فتبعه جماعة وأباه جماعة فوقع بينهم قتال على ذلك فانتقل عنهم إلى الإحساء فضوى إلى حي من بني تميم وصحبه جماعة من أهل البحرين ثم كان ينتقل في البادية من حي إلى حي ولم يزل أمره يقوى إلى سنة سبعين"[41]

      يوحى إلى صاحب الزنج بالاتجاه إلى البصرة!!:

      " وكان يقول‏:‏ أوتيت آيات من آيات القرآن إمامتي منها لقيت سورًا من القرآن لا أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة منها‏:‏ سبحان والكهف وص وألقيت نفسي على فراشي فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له وأقيم فيه إذ نبت بي البادية فأظلتني سحابة فبرقت ورعدت وقيل لي‏:‏ أقصد للبصرة فمضى إليها فقدمها في سنة أربع وخمسين. ونزل في بني ضبيعة فاتبعه جماعة منهم علي بن أبان المهلبي ووافق ذلك فتنة البصرة بالبلالية والسعدية فرجى أن يتبعه منهم أحد فلم يتبعه فهرب وطلبه محمد بن رجاء عامل السلطان بها فلم يقدر عليه فأتى بغداد فأقام بها فاستمال جماعة فلما عزل محمد بن رجاء عن البصرة وثب رؤوس الفتنة من البلالية والسعدية ففتحوا الحبوس وأطلقوا من كان فيها فبلغه ذلك فخرج إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين وأخذ حريرة وكتب عليها‏:‏ (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ‏.. وكتب اسمه واسم أبيه وعلقها على رأس مردي وخرج في السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان"[42]

      يأمر الغلمان بضرب مواليهم:

      " فلقيه غلمان فأمر بأخذهم وكانوا خمسين غلامًا ثم صار إلى مكان آخر فأخذ منه خمس مائة غلامٍ ثم صار إلى الموضع آخر فأخذ منه مائة وخمسين غلاما وجمع من الغلمان خلقًا كثيرًا وقام فيهم خطيبًا فمناهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم ولا يدع من الإحسان شيئًا إلا فعله لهم ثم دعا قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم وحملتموهم ما لا يطيقون فكلمني أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم فقالوا‏:‏ إن هؤلاء الغلمان أباق فهم يتهربون منك فخذ منا مالًا وأطلقهم لنا ‏.‏ فأمر بهم فبطح كل قوم مولاهم وضرب كل واحد منهم خمسين سوطًا أحلفهم بطلاق نسائهم أن لا يعلموا أحدًا بموضعه وأطلقهم"[43]

      صاحب الزنج يحرض العبيد:

      "ثم خرج حتى عبر دجيلًا واجتمع إليه السودان فلما حضر العيد ركز المردي الذي عليه لواؤه وصلى بهم وخطب للعيد وذكر ما كانوا فيه من الشقاء وأن الله سبحانه استنقذهم من ذلك وأنه يريد أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل ويبلغ بهم أعلى الأمر ثم حلف لهم على ذلك وكانوا جمعًا كبيرًا وليس لهم إلا ثلاثة أسياف وأهدي له فرس فلم يجد له سرجًا ولا لجامًا فركبه بحبل وسنفه بليف. وما زال ينتقل من مكان إلى مكان ويأخذ ما يقدر عليه وينتهب السلاح وغيره حتى صار له قوة وخاف الموالي منه أن يردهم إلى مواليهم فحلف لهم يوثق من نفسه وقال‏:‏ ليحط بي منكم جماعة فإن أحسوا مني غدرًا فليقتلوني ‏.‏ وأعلمهم أنه لم يخرج لعرض الدنيا بل غضبًا لله عز وجل ولما رأى من فساد الدين"[44]

      أول سبي لصاحب الزنج:

      "ومر على قرية فخالفوه فانتهب منها مالًا عظيمًا وجوهرًا كثيرًا وغلمانًا ونسوة وذلك أول سبي سباه وما زال يعيث وينتهب فجاءه رجل من أهل البصرة فسأله عن البلالية والسعدية فقال‏:‏ إنما جئت إليك برسالتهم يسألونك شروطًا فإن أعطيتهم إياها سمعوا لك وأطاعوا ‏.‏ فأعطاهم ما سألوا (..) إلى أن اجتمع عليه خلق كثير من أهل البصرة فقال‏:‏ اللهم إن هذه ساعة النصرة فأعني فزعموا أنه رأى طيورًا بيضاء فأظلتهم. ‏ وكان سبب هزيمة أعدائه وقتلهم فقوي عدو الله ودخل رعبه في قلوب أهل البصرة وكتبوا إلى السلطان يخبرونه خبره فوجه جعلان التركي ونزل الخبيث سبخة وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ وبثهم في القرى يغيرون"[45]

      وفي أحداث سنة 270 هـ يقول ابن الجوزي: "فمن الحوادث فيها‏:‏ وقعة كانت بين أبي أحمد وصاحب الزنج في المحرم أضعفت أركان صاحب الزنج واسمه) بهبوذ) وفي صفر قتل وشرح القصة‏:‏ أن أبا أحمد ألح على حربه ورغب الناس في جهاد العدو وصار معه جماعة من المطوعة ورتب الناس وأمرهم أن يزحف جميعهم مرة واحدة وعبر يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين فنصر ومنح أكتاف القوم فولوا منهزمين واتبعهم الناس يقتلون ويأسرون فقتل ما لا يحصى وخربت مدينة الخبيث بأسرها واستنقذوا ما كان فيها من الأسارى من الرجال والنساء والصبيان وهرب الخبيث وخواصه إلى موضع قد كان وطأه لنفسه ملجأ إذا غلب على مدينته فتبعه الناس فانهزم أصحابه وغدا أبو أحمد يوم السبت لليلتين خلتا من صفر فسار إلى الفاسق وكان قد عاد إلى المدينة بعد انصراف الناس فلقي الناس قواد الفسق فأسروهم وجاء البشير بقتل الفاسق ثم جاء رجل معه رأس الفاسق فسجد الناس شكرًا لله تعالى وأمر أحمد فرفع على قناة فارتفعت أصوات الناس بحمد الله تعالى وشكره وأمر أبو أحمد أن يكتب إلى أمصار المسلمين بالنداء في أهل البصرة والأبلة وكور دجلة والأهواز وكورها وأهل واسط وما حولها مما دخله الزنج بقتل الفاسق وأن يؤمروا بالرجوع إلى أوطانهم.‏  وولي البصرة والأبلة وكور دجلة رجلًا من قواده ومواليه وولى قضاء هذه الأماكن محمد بن حماد وقدم ابنه العباس إلى بغداد ومعه رأس الخبيث ليراه الناس فيسروا فوافى بغداد يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى في هذه السنة والرأس بين يديه على قناة فأكثر الناس التكبير والشكر لله تعالى والمدح لابن الموفق وأبيه ودخل أحمد بن الموفق بغداد برأس الخبيث وركب في جيش لم ير مثله من سوق الثلاثاء إلى المخرم وباب الطاق وسوق يحيى حتى هبط إلى الجزيرة ثم انحدر في دجلة إلى قصر الخلافة في جمادى هذه السنة وضربت القباب وزينت الحيطان"[46]

      3 ـ قول العلامة ابن الأثير:

      ذكر الحافظ  عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري في أحداث 257هـ وفيه أحرق الزنج مدينة البصرة وغدروا بأهلها:

      "فلما كان في شوال أزمعا الخبيث على جمع أصحابه لدخول البصرة والجد في اخرابها لضعف أهلها وتفرقهم وخراب ما حولهم من القرى ثم أمر محمد ن يزيد الدارمي وهو أحد من صحبه بالبحرين أن يخرج إلى الأعراب ليجمعهم فأتاه منهم خلق كثير فأناخوا) بالقندل) ووجه إليهم العلوي سليمان بن موسى الشعراني وأمرهم بتطرق البصرة والإيقاع بها ليتمرن الأعراب على ذلك ثم أنهض علي بن أبان وضم إليه طائفة من الأعراب وأمره بإتيان البصرة من ناحية بني سعيد وأمر يحيى بن محمد البحراني بإتيانها مما يلي نهر عدي وضم إليه سائر الأعراب‏.‏

      فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان و(بفراج) يومئذ بالبصرة في جماعة من الجند فأقام يقاتلهم يومين ومال الناس نحوه"[47]

      الغدر بأهل البصرة:

      "وأقبل يحيى بن محمد فيمن معه نحو الجسر فدخل علي بن أبان وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال فأقام يقتل ويحرق يوم الجمعة وليلة السبت وغادى يحيى البصرة يوم الأحد فتلقاه (بفراج) و(برية) في جمع فردوه فرجع يومه ذلك‏.‏ ثم غاداهم اليوم الآخر فدخل وقد تفرق الجند وهرب برية وانحاز بفراج ومن معه ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلبي فاستأمنه لأهل البصرة فأمنهم فنادى منادي إبراهيم‏:‏ من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملأوا الرحاب فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة لئلا يتفرقوا فغدر بهم وأمر أصحابه بقتلهم فكان السيف يعمل فيهم وأصواتهم مرتفعة بالشهادة فقتل ذلك الجمع كله ولم يسلم إلا النادر منهم ثم انصرف يومه ذلك إلى الحربية‏.‏ ودخل علي بن أبان الجامع فأحرقه وأحرقت البصرة في عدة مواضع منها المربد وزهران وغيرهما واتسع الحريق من الجبل إلى الجبل وعظم الخطب وعمها القتل والنهب والإحراق وقتلوا كل من رأوا بها فمن كان من أهل اليسار أخذوا ماله وقتلوه ومن كان فقيرًا قتلوه لوقته وبقوا كذلك عدة أيام"[48]

      أقول: هكذا كانت أمجاد صاحب الزنج؛  الغدر واحراق المساجد وقتل الأغنياء والفقراء.. فأين مبادئ ثورة الخبز ونصرة الفقراء كما يزعمون؟!!

      وفي أحداث سنة 256هـ يقول ابن الأثير: "ثم رحل إلى المدينة التي سماها صاحب الزنج المنيعة من سوق الخميس يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة