الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه التشنجات والمِخاضات التي تموج بها السَاحة السياسية المصرية حالياً، متمثلة في تلك المؤتمرات والمنتديات والملتقيات والتجمّعات، الفكرية والثقافية والوطنية والمصرية، بين "حوارٍ وطنيّ" و"لقاء وطنيّ" و"تجمعٍ ثقافيّ" و"بناءٍ إنسانيّ"، وما شئت من أوصاف، كأنها دعاية على مُعلبات، يراد للشارى ابتياعها على ضَمانة عُنوانها! والتي أصبَحت لا تذكرُني إلا بيوم المُولد في "الليلة الكبيرة"، يقف الناظر عند أحدها، ينصت قليلاً، ويمصمص شفتيه كثيراً، ثم ينطلق إلى موقفٍ آخر في بوتيك آخر من بوتيكات "المُولد" السياسيّ، هذه التشَنّجات ليست إلا إنعكاساً لما يراد بالعمل السياسيّ في القريب العاجل، وفي البعيد المُرتقب على السواء، الفوضى والضبابية وإنعدام التوجه، ثم إحتقار رأي الأغلبية الشعبية، وعدم الثقة في رأيها، أو قصد إبعادها والعمل على إخراجها من المُعَادلة السياسية، والتي عبر عنها ذلك الدَعيّ عمرو حمزاوى بأنها "ديكتاتورية الأغلبية!".
لا أدرى ماذا تعنى هذه التشنّجات التي تستبقُ العمل السياسيّ الحقيقيّ، المتمثل في إجراء الإنتخابات البَرلمانية التي يُصوت علي ممثليها أبناء الشعب، ثمّ تكوين اللجنة التأسيسية للدستور من الأعضاء المنتخبين بمعرفة الأغلبية الشعبية، ثمّ يوضَعُ التصوّر الدستورىّ بمعرفة هذه اللجنة التي تمثل الشعب بكافة طوائفه، ثمّ يتم إستفتاء الشعب على هذه الدستور. في هذا التصور، يأخذ الشعب المركز المحورىّ في تقرير مصيره ودستوره، حسب ثقافته، ومن خلال العَملية التي يطالب بها الكلّ دون تمييز، وهي عملية الإلتزام برأي الأغلبية.
هذا اللون من التشنج العَصبيّ في العملية السياسية، قطعيّ الدلالة على إنعدام القاعدة الشعبية التي تقوم عليها هذه المؤتمرات والمنتديات والملتقيات والتجمعات، ثم على نيةٍ خبيثةٍ في خلط الأوراق و"برْجَلة" العَقل العاميّ بين مقولات مشّتتة، لتضيع منه الحقائق ويغيّب الهدف وتتوه المَقاصد. كما أنه إنقلاب حقيقيّ على كلّ ما تمثلة الثورة من معانى الحرية والعدل وإحترام الشعب.
لماذا، يتساءل المُتحيرُ، لا يُترك أمر الناس للناس؟ لماذا تنشغل فِئات بعينها بوضع ضَوابط ومعايير تُلزم اللجنة التي ستوكل اليها مهام إعادة صياغة الدستور، أو توجّهها، أو تساعدها، أو تعينها؟ وهل طلب الشعب أن تكون هذه المؤتمرات والمنتديات والملتقيات والتجمعات، نائبة عنه في هذا التوجيه والعون والمساعدة؟
هذه التشنّجَات، ما هي إلا نوعٌ من الإنقلاب على الشَرْعية السياسية لرأي الأغلبية، ومُحاولة التأثيرِ على مَسَارِ الثورةِ الطبيعيّ، والذي يَعكسُ رأي الأغلبية، وإملاء رأيّ الأقليّة التي تسِمُ نفسها بأنها "مثقفة"، وكأن من يختلف معها متخَلفٌ جَاهلٌ أحمق!
هذا "الحوار الوطنيّ" المزعوم، الذي يرأسه كبير عملاء العلمانية "الجمل"، ويشارك فيه اللواء "شاهين". والحق أن لا أحد يدرى من هو اللواء شاهين هذا؟ ما هي خبرته في الحكم؟ ما هي كفاءاته التي يدير بها البلاد؟ منذ ثلاثة أشهر لا غير لم يكن له اسمٌ ولا وصفٌ يرِدُ في أي مجال، وعلى أيّ مستوى. فإذا بشاهين يقفز إلى غاية المقدّمة في واجهة حكم مصر بعد ان إنزاح ألدو (عفوا، أقصد مبارك)!، يأمرُ وينهى، ويبيّن ويوضّح، ويُصْدرِ ويُعلق، وهو، في حقيقة الأمر، الآمر الأوحد في البلاد! عجيب هذا، ولا تراه إلا في مصر، كالعادة. وها هو "الجمل" يُصَرّح، في جريدة اليوم السابع، أن الجيش مُصمِمٌ على تسليم البلاد "للشعب المصريّ"! وبإختصار، لا يريد مجلسٍ رئاسيّ، يكشفُ عوراتٍ لا يريد لها المَجلس أن تُكشَفَ، ولا يريد أن يُسلم السلطة إلا إلى من يعرف أنه لن يتتبّعها أو يكشِفها، وهو دور "حُمار طُروادة" في هذا المُسلسَل التشَنجيّ.