فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      27 مايو .. وحَتمية الثورة الجَديدة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      ثورة 25 يناير لم تكتمل. ثورة 25 يناير خِداجٌ تَحتاج إلى إكمال. ثورة 25 يناير تحتاجُ إلى نقل دمٍ سريع وقوى ليُكتب لها الحياة. ثورة 25 يناير ابنة سبعٍ تحتاج إلى حاضِنة تكمل مِشوار نضجها. ثورة 25 يناير سرقتها جهات من الداخل والخارج. ثورة 25 يناير قد عادت القهقريّ بعد تمثيلية القبض على مبارك. كلها تعبيرات، وأكثر منها، تصف حالة الثورة التي هي، كما يراها العاقلون، في حالة إحتضارٍ بطئ، لكنه أكيد.

      إذا ألقينا نظرة فاحصة على القوى المختلفة التي تعمل في الساحة السياسية المصرية التي أصبحت تعج بكل طائفة وفكر وملة وإتجاه، أمكن ان يحصرها في التالي:

      الجيش: وعلى رأسه المجلس العسكرىّ. وهو الذي أعطى المهلة كاملة لرئاسة الجمهورية أن تتعامل وتقضى على الثورة، حتى إذا ظهرت جدية الثوار، في إستمراريتهم وبقائهم في الشارع، إنتزع الثورة وحوّلها إلى إنقلاب عسكريّ، وحكم عسكرىّ، وقوانين عسكرية، وبيانات عسكرية، تحت زعم "حماية الثورة"! ووالله إنْ هذا إلا إدعاء لا يسقط فيه إلا مغفل. وقد أفصح المجلس العسكريّ عن رغبته في إدارة البلاد في إتجاه معينٍ حين رفض تعيين مجلس رئاسيّ مدنيّ، واستغل فرصة عدم وجود قيادة للثورة للإنقضاض عليها.

      ممن يحمى الجيش الثورة؟ الجيش أكدّ من اليوم الأول حرصه على بقاء الإتجاه المباركيّ العام في علاقاته مع أمريكا وإسرائيل، فخرج العدو الخارجيّ من المعادلة. فلول النظام لا تزال تعبث بكل مجال من مجالات الحياة في مصر. الهَزل المُزرى في مسلسل صحة مبارك وقسطرة سوزان لا يصح وصفه إلا بالعمالة والخيانة العظمى. ثم، هل لهذا التدخل السّافر في تشكيل لجانٍ يحددها الجيش لمناقشة الدستور علاقة بحماية الثورة؟ هزلٌ وسُخفٌ وبرود، من يُصدّقه ويقع في شِراكه، يستحق أن يُحكم 300 عامٍ أخرى بعائلة مبارك.

      العسكر، في كلّ مراحل التاريخ، خاصة التاريخ الحديث، لم ولن يساعدوا الإسلام على الحُكم، وانظر، إن شئت، إلى كافة جيوش العالم الإسلاميّ من حولك، إلا ما كان في أيام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده في عهد بعض الخلفاء، حيث كان الجند هم الدعاة، وهم العامة المؤمنون، وهم المُجاهدون لأجل الجنة، لا لأجل قِطعٍ من الصَفيح على الأكتاف!

       وليس هذا الرَفض للإسلام إلا نتيجة عَاملين، أولهما أن هؤلاء ضَالعون في الفساد الماضى، مُشاركون فيه، ومن هنا لن يَسمحوا بمحاكمةٍ لمبارك لأنها تهديد مباشرٌ لكل من "التسعة عشر" القابعين على كرسىّ الحكم. ثم، لأن هؤلاء قد إتخذوا طريقاً في سلوكياتهم، يمليه الفَسَاد عادة، من إرتكاب المحرمات والتهاون في الواجبات، ، بل والتغاضى عن فعلها، اللهم ما يلزم من ذرٍ للرماد في العيون، مما ينخدع به الجَاهل والغَافل. وقد كشفت عدة مَصادر غربية، على سبيل المدح والإعجاب بالوسطية والتحرر، عن عادات بعضهم، في شرب الخمر في المناسبات العامة والأوقات الخاصة، دون مغالاة!! هؤلاء لن يكونوا حِصناً ولا دِرعاً لدولة إسلامية حتى يلجَ الجملُ في سَمِ الخِياط.

      الإتجاه العام، حسبَ تصوّر المَجلس العَسكري، الذي سَلب الثورة حقيقتها، وحوّلها إلى مجرد إنقلاب، في غيبة من حسن تقدير أبنائها، هو إتجاه يُحافظ على الوَضعِ القائمِ ما أمكن، ويتلاعبُ بالمَواقف ليتجنب المُواجهة مع الشَعب، لا درءاً لدماء الشعب، بل لأنه لا يأمن موقف القيادات الوسطى، إن صَدرت أوامر بضرب المتظاهرين.

      الحكومة: وهي مجرد صورة مؤقتة تلعب دوراّ محدداّ، لا يقصد به إنجازٌ حقيقيّ. والخطرَ كل الخطر في أنّ الوزارات السّيادية – كما يسمونها – لا تزال على هيكلها، ولا تزال كافة قياداتها، من ذيول النظام السابق، تعبث في ساحاتها. فالداخلية، كما أسلفنا في مقالات سابقة، لا تزال تخضعُ لزَبانية العادليّ، ولا تزال قياداتها تدين بالولاء له، وتترك الشارع المصريّ للفوضى والبلطجة. ولا يزال جهاز أمن الدولة يعمل بكل طاقته، وبكل ضبّاطه، تحت اسم جديد، إستهزاءا واستغفالاً للشعب، رغم تصريحات العيسوى التي يكذِّبها ما هو مُشاهَدٌ على الأرض. ووزارةالعَدل، خَاليةٌ من العدل، إذ أين التحقيقات الحقيقية مع مبارك؟ ولماذا لا يزال أعمدة نظام مبارك، كالجوهرى وعبد المجيد محمود، في مناصبهم؟ ثم الخارجية، التي استمر فيها نَبيل العَربيّ شهرا ثم دُفن في الجامعة العربية. وتحتمل ظاهرة العربيّ تأويلين، أولهما أن الرجل مخلصٌ وصاحبَ نظر مستقلٍ في قضايا العرب، فيكون دفنه في الجامعة مَقصوداً. الآخر أن موضوع المُصالحة الذي رفع أسهُمه لدى العرب، كان مَقصوداً لمَنع مُمثل قطر من النَجاح في الحُصول على مَنصب الأمين العام لهذه المنظمة الكرتونية.

      ثم إن كافة الأجهزة والمؤسّسات التي تخضَع لوزارات أخرى، كالتعليم العالى الذي لا يزال جُربوع مبارك، عمرو عزت سلامة، يقبع على رأسها، ومعه رئيس الأعلى للجامعات، وكافة العُمداء العملاء، لا تزال على حالها. كذلك المحافظون الذين نِصفُهم من العَسكر، ومن دوائر أمن الدولة! والإعلام الذي يندى جَبينُ الحُرية لذكره، وقد دوّنا في مَساوئه مقالاً مُفرداً فلا داعٍ للإعادة! وفي آخر القائمة يأتي شيخ الأزهر والمفتى اللذين لا لزوم لهما على كلّ حال.

      الحكومة إذن لا تمثل الثورة، ولا الشعب، ولا تقدر على أي تغيير في إتجاه مَطامِح الناس في عهدٍ جديد. هي مجرد شكلٍ حكوميّ، يرأسه وجهاً ألوفاً، لا يُعنى إلا بالحديث عن التنمية، ولا يتدخل في أي قضايا تخصّ أمن البلاد واستقرارها وحريتها.

      القبط والعلمانيون: وهم القوة ذات التأثير الإعلاميّ الهائل، وذات الرَصيدٍ الشعبيّ المُنعَدمن والتي تريد أن تصنع لنفسها وجوداً من عدم. وهى من أخطر القوى على الثورة، إذ إن الثورة قد مثلت الأغلبية المُسلمة، لإمتناع غالب أتباع الكنيسة عن المشاركةِ نظراً لمصلحتها مع نظام مبارك. والأغلبية ترفض هذه "النخب" الزائفة. فهي لا تمثل أحداً في الشارع المصريّ. وهي تسعى للسيطرة على الحكم وزرع الفساد وإقصاء الإسلام من الصورة بالكلية. أما القبط، فهم عبيد لسيدهم نَظير جيد، أينما يوجِههم لا يأتون بخير، وهو بدوره عبدٌ لأموال المَهجَر.

      المسلمون: وهم الأكثرُ نفيراً والأضعَفُ تأثيراً. وهم أصحاب الثورة وعمادها ودعامتها، لاغيرهم. وهم الذين يتلاعب بهم العسكر، والعلمانيون، ويستخفّ بهم القبط، وتخدّرهم كلماتُ الحكومة، ويهاجم الإعلام دُعاتهم ليلاً ونهاراً، وسِرّاً وجَهاراً. وهم، مع ذلك، المَنوط بهم تغيير هذا الوضع، الذي قضى على ثورتهم حقيقة، وتركها إسما، لا مسمّى له، يصح أن توصف بأنها "مظاهرات 25 يناير".

      الأمر إذن أن ثورة الغالبية المُسلمة قد فقدت طريقها، والتبست حقائقها بأوهام أعدائها، وأراد لها شانؤها أن تلبس لباسَ الزيف والنفاق والتمثيل، مرة أخرى، لتضّل عن أهدافها، وتنحرف عن مَسارها، وليظلّ الكذب والفساد والتضليل والعربدة السياسية والإقتصادية هي الحاكم الأعلى في البلاد

      الفرصة الوحيدة هي أن تقوم ثورة حقيقية، كاملة غير منقوصة ولا مبتورة، فالغالبية تعرف الآن أهدافها ، بعد تجربة الشهور الثلاثة الماضية، وتعرف أعداءها، وتعرف أنصارها، ومن سيقف في صفها ومن سيخذلها. ولا يخشى أبناء الثورة، من الغالبية المُسلمة، تسَرّب فئة لا يحسب لها حسابٌ من أعوان اللادينيين للمُناداة بخَطَلِهم وإلحادهم، فهم غير مَسموعى الكلمة إلا في أجهزة الإعلام، التي لا تزال تخدم الفساد والمفسدين، ولا تعكس رؤية الأغلبية الشرعية. كما أن الإخوان، كعادتهم، حين يرون الجموع الغفيرة قد تحركت، سينزلون بعدها إلى الشارع، فهم دائماً في حاجة إلى غطاءٍ، وهم دوماً في موقع المَفعول لا الفاعل، تزلفاً  للنصب القائم، وخوفا من أن ُيرفعوا من السَاحة! كما لا نأمن، في هذه المرحلة، ما هي الصفقة التي قد تكون مُبرمة بينهم وبين المجلس العسكرى.

      الثورة الجديدة، هي ثورة تحرير وتطهيرٍ. تحرير البلد من الحُكم العسكريّ وإعادة الحُكم المَدنيّ الذي هو عِماد أي ثورةٍ في تاريخ الثوراتِ الشَعبية، لا الإنقلابات العسكرية، ومن ثم، تطهير البلاد من الفساد، كله، لا أجزاء منتخبة منه، كما يحدث الآن.

      ثورة 27 مايو هي الثورة. هى ثورةٌ ناضجةٌ تؤتي أكُلها من واقعِ خِبرَتها. تطالبُ بالآتي:

      1.       عودة العَسكرُ إلى ثكناتِهم، فليس مَحلهم حُكم البلاد وسَنّ القوانين، وإبطال كلّ ما صدر عنهم من تشريعات.

      2.       تشكيل مجلس رئاسيّ مدنيّ، يمثل الغالبية، ويتكون من أربعة مسلمين (حقيقة لا بطاقة)، وعلمانيّ واحد، وقبطيّ واحد، وعضوية عَسكريّ كمراقبٍ بلا صوت (يصح شرعاً في المجلس أن يكون من أعضائه غير مسلم كالقبط والعلمانيين، على أن تكون غالبيته مسلمة، إذ المجلس استشارىّ مؤقت، خلافاً لمنصب الرئاسة الذي لا يصِحُ إلا لمسلم،)

      3.       إسقاط حُكومة شَرف، بعد شهرٍ من تاريخه، وإختيار من يقدر على تعيين الشُرفاء في كافة الوزارات، وتغيير كل طاقم الوزراء والمُحافظين وعُمداء الجَامعات والمَحليات والإعلاميين بكامل طاقمهم، ورؤساء المؤسّسات والهيئات الحرجة، واستبدال السفراء. ثم يكون دور كلّ وزير أن يبدّل الطبقة الثانية والثالثة في وزارته بأسرع وقت ممكن.

      4.       إيداع المجرم حسنى وعائلته في سجن حقيقيّ، دون أي تمييز، وإيقاف المُسلسل الهزليّ في محاكمة الفاسدين، وإرجاء محاكمتهم الفعلية ستة أشهر، حتى يتم تطهير النيابة العامة، ووزارة العدل، وضمان عدم تدخل الجيش في سير هذه المحاكمات، كما يُفعل الآن، وإلا ستصدر أحكاماّ ببراءتهم، ثم لا يمكن محاكمتهم مرة ثانية على نفس التهمة.

      5.       إطلاق سراح الثوار المعتقلين حتى الآن .. (شئ يجنن والله أن يُعتقل الثوار ويطلق سراح الفاسدين .. عجبى!)

      وأي أمر آخر، هو تابعٌ لما ذكرنا.

      الغالبية المسلمة مُطالبة شرعاً بالخروج يوم 27 مايو، وعدم العودة إلى المنازل حتى تتحقق مطالب الثورة كاملة.

      فوقفات الجُمع ليست بثورات، بل هي تظاهرات، ليس إلا. وكفى هذا التهريج الذي أضاع دماء الشهداء هَدراً، ووالله إن من لم يَخرُج، ليحْمِلنَ نَصيباً من هذا الدّم على رأسه يوم يقوم الأشهاد.

      ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.