فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      دُستور الجَمل ... حِمار طُروادة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الحقيقة التي طالما أشرنا اليها في الشهور الماضية، وهي أن العَسكرَ، وإن استبدلوا وَجها بوجهٍ، حريصون على ثوابت لا تتغير. من هذه الثوابت وعلى رأسها، أن لا تُحكم مصر بشرع الله. هذا ما قاله أحدُ كبرائهم من قبل، تصريحاً لا تلميحاً. وهو مقتضى وعدّهم للصليبية والصُهيونية، غداة الثورة، أن لا إسلام سيسود مصر وهم حُرّاسُها. ومن هنا جاءت طُمأنينة الولايات المتحدة وإسرائيل لهذه الثورة، أن الإسلام لن تعلو كلمته في مصر. وهو القدر المُتفق عليه بين العِلمانيين والأقباط والمجلس العسكريّ.

      وكان زرع يحي الجمل، العدو الأول للإسلام في مصر، المُسلم ظاهراً، القبطيّ باطناً، في منصب نائب رئيس الوزراء، بلا وظيفة، إلا الهجوم على الإسلام والمسلمين، والتحضير لدستورٍ علمانيّ لادينيّ، رغم ما أعلنته الأغلبية في إستفتاء التعديلات الدستورية. وكان أن إتخذ المَجلس العَسكرى بعدها عدّة قراراتٍ تهدف إلى عَرقلة هذا الزَحف الإسلاميّ، وتمييع القضية الإسلامية، كمنع إستخدام شعارات دينية (أي إسلامية)، ومنع إدخال الخطاب الدينيّ في دعاية الإنتخابات. وما ذلك إلا للتمويه على الأغلبية العَامة من المسلمين. هذا إذن سبب إختيار يحي الجمل ليلعب دور "حِمار طروادة" (والإعتذار للحمار)، الذي تتسلل منه الأقلية اللادينية، المتوافقة مع الأقلية القبطية، لزرع دستور علمانيّ في البلاد، يُضَاد هويّتها وتاريخها وحضارتها ودينها.

      وقد جاء توضيح هذا الدور مؤخّراً ما توقعنا على لِسان المكروه لوجه الله، حيث ورد عنه – فيما جاء في الصُحف "وكشف شاهين عن انطلاق مؤتمر للوفاق القومي يوم السبت القادم برئاسة المستشار يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء يضطلع بوضع تصور للمبادئ الأساسية للدستور الجديد. وقال ان مؤتمر الوفاق القومي يختلف عن الحوار الوطني حيث ان الاول يعني باعداد تصور للدستور تسترشد به الجمعية التأسيسية التي ستنتخب بعد مجلس العشب بحيث تقدم له دراسة يستعين بها لإعداد الدستور الجديد، أما لجنة الحوار الوطني برئاسة عبد العزيز حجازي فمعنية بمناقشة الموضوعات القومية وليس الدستور". إذن، الدستور ليس من إختصاص الحوار الوطنيّ، بل هو من إختصاص يحي الجمل؟! من الذي وَكّلَ العَسكر في هذا التقسيم؟ ولأي وجه يُتعدى على عمل اللجنة التي ستنبثق عن مجلس "العشب"، كما ورد اسمه في التقرير، ولعله وصفا مقصودًا للمجلس القادم!؟

      لا ندرى، ولا يدرى معنا غالب المصريين ماذا يريد بهم العسكر؟ أولاً حكومة شفيق، ثم إمهال مبارك وعائلته لتهريب أموالهم وترتيب أوضاعهم القانونية، ثم مأساة السباعيّ، ثم مأساة النائب العام، ثم إلغاء الإستفتاء الشعبي وإعلان أنه كان "ليستضئ به المجلس في إعلانه الدستوري"!! وما كان المُستفتون يعلمون أن رأيهم مجرد "لمبة" تضيئ ظلمة الحيرة التي وقع فيها المجلس!!

      وإن طَرَحنا – جدلاً - التكليف الرّبانيّ جانباً، وإتخذنا الجانب الكفريّ في المسألة لترى ما يعرضُ علينا هؤلاء ، لراينا أن كافة شَواهد العصر الحديث على جدوى هذا التوجّه من تبنّى العلمانية في بلاد المسلمين، لم ولن يجدى نفعاً. وهاكم كافة دول الشرق تطبقها عملياً منذ عقود، فأين ذَهبت بنا هذه العِلمانية؟ ولم لا نعتبر بالتجربة التركية، إذ  ظل تركيا تزحف في موكب التخلف والفاقة منذ أعلن أتاتورك العلمانية ومحا الخلافة، حتى إذا توجه مسؤلوها قِبَلَ الإسلام درجتين، لا أكثر، إنفرجت لهم الدنيا عدة درجات، ولو زادوا لزادهم الله. وقد يقال إن العلمانية في دول العَرب قد إقترنت بالديكتاتورية، مما أفقدها مزيتها. لكنّ هذا بالضبط هو حجر الرحى في ثقافتنا، وما لا يمكن أن ننتزِعَه منها، أن الكرامة والحرية قرينتا الدين، والعلمانية  اللادينية قرينة الديكتاتورية والإستبداد في الشرق المسلم. هذه هي سمة ثقافة العرب، وهاكم أربعة عشر قرناً من التجربة بين أيديكم، إن كنتم دارسين.

      نكرر مرة بعد مرة، أن العسكر انقضّ على الثورة لعدم وجود قيادات لها. فهم لا يمثلون رأي الأمة، ولا رأي غالبيتها. بل رضوا أن يسايروا مُخطط الثورةِ المُضادة، التي تريد لمصر أن تسير في طريقٍ مُحدّدٍ معلوم، يختصرُ تأثير الثورة إلى أقل ما يمكن، ويحفظ للأقلية العلمانية المتواطئة مع القبط مصلحتِها، ويتوافق مع الإتجاه الصليبيّ الأمريكيّ الموافق لهوى الجهات الحاكمة.

      الأمرُ سهلٌ بسيطٌ ميسرٌ، لا يحتاجُ إلى ذكاءٍ أو ألمعيةٍ، أو خبرة سياسية. يحي الجَمَل هو قائد الطابور الخامس لمن يطلقون على أنفسهم "المتحررين - الليبراليين"، والذين يقودون الحِراك الحَاليّ لتفصيل دُستورٍ لادينيّ دكتاتوريّ، وهم – يعلم الله – "خيبة" لا "نخبة".

      وما لم يتدارك الشَعب هذا الخَلل، وما لم يخرُج عن بَكرة أبيه يوم 27 مايو، ولا يرجع إلا بعد أن يُعلن الجَيش عودته إلى ثكناته، وتسليم السلطة لمجلسٍ مَدَني يمثل الغَالبية الجَماهيريّة، فسوف يعلمون!