الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجهٌ مصرىّ صميم، تشِعُ الطيبة من مَلامحه، وحين يتحدث، تجد في نبرةِ صوته هدوءاً وتلجْلجاً مُحبّباً، جعله محل ثقة الناس وقبول الشعب. لكن، هل الأمر أمر وجه طيبٍ ولعثمَةٍ مطمئنةٍ، حين يتعلق برئاسة وزراء مصر، وفي هذه المَرحلة الحاسِمة من تاريخها الحديث؟
عصام شرف يشغل أهم منصبٍ في الحياة السياسية المصرية الآن، في المرحلة التي يفترض أنها مَرحلةَ إعدادٍ وترتيب لدولةِ يسودُ فيها القانون، تحت مِظلة الشريعة الإسلامية ومن خلال أحكامها التفصيلية، وتكون حرية المصرىّ وكرامته هي أساس التعامل بين السلطة الحاكمة وأبناءالشعب. من هنا فإن الإعداد لهذه الدولة، وتمهيد الأرضية لإقامتها، يحتاج إلى عزيمةٍ هائلة، وإرادة حديدية، ومنهجية صَارمة، وقبل ذلك صِدق في التوجّه، ووضوح في الهدف، وبعدٌ عن الفساد والمفسدين، بحيث لا تأخذه في الحق لومة لائم. ترى حقق عصام شرف المتوقع منه، طبقاً لما ذكرنا؟
الشعوب عادة ما تنظر إلى الحكومة التي تدير البلاد، تثنى عليها فيما يستحقُ الثناء، وتلقى عليها اللوم فيما يستحقُ اللوم. فلو نظرنا إلى ما يحدث في مصر لوجدنا أن الحكومة غير فاعلةٍ على أي مستوى. ولنضرب مثلا بأهم ملفين على طاولة الحكومة اليوم. ملف الداخلية وملف العدل.
ملفُ الداخلية، التي أُسندت إلى منصور العيسوى، هو من أفشل ما تجلى فيه ضَعف هذه الحكومة، إن أحْسَنّا الظن. الرجل لم يتمكن من إعادة الشرطة إلى عملها، وخضع لإبتزازها، وترك العادليّ يملى على عُملائه، من رجال الصَفّ الثاني، الذين لا يزالوا في مَناصبهم بالداخلية، ولا يزالوا يدينون بالولاء لحبيب العادليّ، أن يوجّهوا الشُرطة، للعَمل كيفما شاء. فالعادليّ في حقيقة الأمر أقوى سَيطرة على الداخلية من العيسوى! ثم، إنه أعاد جهاز أمن الدولة للعمل، بكامل هيئته، تحت مُسمى الأمن الوطنيّ، وكأن المِصريين "مختومين على قفاهم" كما يقال! وهذا، في حدّ ذاته مؤشرٌ يشكك في صحة ولاء العيسوى، ومن ورائه عصام شرف، ويضع علامات استفهامٍ كبيرة أمام حسن نواياههم تجاه الشعب.
ثم ملف العدل، الذى لا نرى للعدلِ فيه أثراً، إبتداءاً من النائب العام، ربيب مبارك، الذي يختار البَلاغات التي يصَعِّدها، والقضَايا التي "يركنها على الرف" على هواه، وهوى الفساد السابق. فلم نسمع عن البلاغات المقدمة ضد السباعيّ العميل، بينما تحرك البلاغ المقدم من السِباعيّ ضد الموظف المِسكين الذي قام بالإبلاغ عن فَسَاد السِباعيّ، كأنه رُصاصة ثاقبة! وتم حَجز صَاحبِ البلاغ الذى، لولا بقية الشُرفاء في هذا البلد، لأودع في غَيابَة الجُبّ، دون أمَلٍ في سَيارةٍ! ثم النكبة الثانية، التي هي أيضاً من صنيعة مبارك، وهو عاصم الجوهرى، رئيس جِهاز الكَسبِ غير المَشروع. هو كارثة وحده. يطلق سراح زكريا عزمي، ثم يعيده إلى الحبس بعد ساعاتٍ من الزمن، وصيحات استنكار وتهديد من الملايين! أيّ مُستشار هذا؟ أي أدلة هذه؟ وأي تهريج يقوم به هؤلاء، ولِحسابِ من؟ مرّة أخرى، تَحومُ الشُبهات حول محمد عبد العزيز الجندى، ومن ورائه عَصام شَرف.
ثم لا ننسى أن محاولات السباعيّ لتزوير تقارير مبارك الصحية، كانت تجرى تحت سمع وبصر العدل والداخلية، ورئيس الوزراء. فهم كلهم مشتركون في جرم تزوير التقارير! ثم، لمْ يقال السباعيّ الفاسد إلا بعد فضائحه على برنامج "آخر كلام". كما لم يحدث أن تقدمت النيابة بأي طلبٍ إلى الطِبّ الشَرعيّ بعد عَهد السُباعيّ، للكشفِ على "المحروس".
الغرض هنا أنّ عِصام شرف، مَسؤولٌ شخصياً عن هذه المَهازل التي تعيشها البَلد، سواءاً بشَكلٍ مُباشرٍ لتعيينه من لا يصْلح في منصب الوزارة، أو بشكلٍ غير مباشرٍ بالسكوت على هذه المهازل.
عصام شرف، رئيسٌ لجهاز من الفاسِدين، في كافة الوزارات، تمكن الشعب من إسقاط بعضِهم، ثم طَالب بقية الفاسدين بمحاكمة الساقطين! كيف يستقيم هذا في عَقل؟ كيف نطلُب من فاسد أن يحاكم فاسد مثله؟ النائب العام، رئيس جهاز الكسبِ غير المشروع، عمداء الكليات، المحافظين، المحليات، الداخلية، جهاز أمن الدولة الجديد، وكلّ جهازٍ آخر في هذه الدولة، هو ممثل للفاسدين.
لا أدرى كيف أحكم على عصام شرف، فوجه الحَمَل الوديع الذي يحمله، يرُد ظنّ السُوء والعمالة، لكن، كم من وجه يخدع ببراءته، والأعمال تتحدث عن نفسها أوفي حديث، أقول:
وَجهٌ إذا اطّلَعْتَ حَسِبتـــه مَلَكا، ونفسٌ دونَها شيطـانُ
احذر، فالسُمَّ أنـّى وجَدُته أنقعْ بأيدٍ أصحَابُهن حِسـَـانُ
واحكم، ولكن كنْ متيقّنــاً بالحـق، لا ظلمُ ولا عـدوانُ
(ولا يشغل القارئ الكريم نفسه بالبحث عن مَصدر الأبيات، إذ جرى بها القلم فور الإنتهاء من المقال، ليس إلا)