فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العفوُ عن مُبارك .. بين الرَحمة والتآمُر

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الحديث الذي يدور الآن في الصحف عن "تنازل" مبارك وزوجته عن "ممتلكاتهما"، وعن العفو "العسكريّ" الي ستوجه به الرجل إلى الشعب، هو قمة الإستخفاف بهذا الشَعب، وبحقوقه، وبدماء أبنائه وأموالهم، يجب أن يُحاكم المتحدث فيه بالخيانة العظمى، ليست أقل من خيانة مبارك، إن لم تكن اشدّ.

      ولو أنّ هذا الحديث جاء عَفو السّاعة، ونتيجة ظروف حقيقية واقعية، لأمكن أن يُثار، ثم أن يقابل بالرفضِ على كل حال. لكن ما يجعله خِيانة عظمى لله وللشعب والوطن، هو أنه أمر بُيّت بليل، يعلم ذلك الرضيع في مخدعه، والبهيمة في مَسرَحِها. ذلك منذ مرحلة التباطؤ الذي أفضى إلى التواطئ، ثم مرحلة ال15 يوما المَعهودة، ثم مرحلة السِباعي العميل، وإرتعاش الأذين! ثم مرحلة الطب النفسىّ وفقدان الشّهية، ثم مرحلة الصَمت التام بعد سُقوط السّباعيّ (الذي لم يحاسب على منكر فعله!)، ثم مرحلة سوزان والقسْطرة التي لم تتم لإرتفاع ضَغط الدم!...ثم يأتي حديث العفو والتنازل.

      الأمر، بل المؤامرة، حبكت أطرافها منذ يوم أعلن الفرعون "تخَليه" عن السُلطة، ثم هذه المراحل المخزية الأسيفة، ثم إقتراح العفو. ومتى كان مُبارك وحيزبونه تحت الحجز؟ في مستشفى سَبعة نجومٍ وفريقٍ طبيّ متكاملٍ، وأفضل اللباس والغذاء والدواء؟ جزاءاُ بما فعل في الشعب الذي ليست له حُرمة تُراعى ولا حَقاً يُحفظ.

      ثم أي مثلٍ تضْربونه لمن يأتي بعده؟ أن اسرق وانهب واقتل وأفسِد، فلا عليك فنحن حُرّاسك، وضَامنوا مَخرجك وأهلك؟ ولا عليك من هذا الشعب الذى يصلح أن يقال فيهم، إن كنا ممن يُطلق امثالا عامة، "طلعوا يجروا في الزيطة، ورجعوا حسرانين جنب الحيطة!".

      ثم انظر إلى تلك العَنجَهية الباردة في الألفاظ التي يستخدمها هؤلاء، في قولهم "يتنازل للشَعب"!! كيف يتنازل سارقٌ عن مسروقاته لمن سَرقها منه؟ في أي عُرفٍ هذا؟ وكأنه ليس سارقاً، بل هو متفضّل على هؤلاء الحَيارى السَكارى من أبناء الشعب، بما نهبَ منهم!!

      عيبٌ عليكم يا من وُلّيتم أمر الشعب أن تتلاعبوا بمقدراته التي ائتمنكم عليها، وأولها حقه في القصاص. عيبٌ عليك أيها "النائب العام"، يا من نُصّّبْتَ لتأتي للشعب بحقوقه، لا للتآمر عليه. أليس لك ضميرٌ يا رجل؟ الا تخشى الله طرفة عين أن يريك معنى العدالة في نفسِك أو أهلك أو بعض أهلِك؟ ألا تخشى يوم يقال لك، ولمن وراءك، "فَٱلْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍۢ نَّفْعًۭا وَلَا ضَرًّۭا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ" سبأ 42. ألم تعتبر بما حَدَثَ لوليّ نعمتك، ونعمة من ورائك، "فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةًۢ بِمَا ظَلَمُوٓا۟ ۗ إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَايَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ" النمل 52.  

      ليس هذا محلُ رَحمة، إنما هو تلاعبٌ بالألفاظ لخداع البُسطاء من الناس، والله سُبحانه، وهو الرحمن الرحيم، قد أمرنا بألا تأخذنا الرأفة في دين الله بحق الزناة، قال "ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُوا۟ كُلَّ وَ‌ٰحِدٍۢ مِّنْهُمَا مِا۟ئَةَ جَلْدَةٍۢ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌۭ فِى دِينِ ٱللَّهِ" النور 2. فكيف بمن قتل وسَرق واغتصبَ الحقوقَ وأهان الأمة، واستعلن بالعِلمانية، وداسَ كرامة شعبٍ بأسره، لا مرة واحدة، بل ألاف المرات، على مدى ثلاثين عاماً. أية رَحمة أو رأفة يطلبها هؤلاء لأولئك؟ وأنتم تسعون لهم فيها، إلا أن تكونوا لهم في الجناية شُركاء؟ هذا قصَاصٌ وجب في الدماء والأموال والأعراض، لا يحلُ لأحدٍ ان يتنازل عنه، ولا أن يتلاعب به. ووليّ الدم هو وحده من له التنازل عن حقه في الدم، إن كان القتل خطأ، لا عمداً، فهذا حدٌ من حدود الله.

      بئِسَ عهدٌ يبدأ بالتعدى على حُرمات الله، والتغاضى عن حقوق الناس، ويكون مثالاً لمن جاء فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" البخارى،  ولا يعتبر بما قال بن تيمية في شرح أصل من أهم أصول الحكم "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة"، وهو قمةُ الفقه السياسيّ الرشيد. أي دولة نصبو اليها إذا بعد أن ظنّ الجَمْعُ أنهم خرجوا من ظلمات الظلم إلى نور العدالة!؟

      لا والله، لا يرضى حُرّ أن يُقايض على دين الله، وعلى دمِ الأبرياء. ولو أن أحداً ممن يتشَدّقون بالرَحمة ويتنادون بالرأفة، وتفيض قلوبهم بالحنان، قتلت له ابنة أو ولدٌ، لخَرجَ مولولاً صَارخاً رافضاً، بحقٍ.

      ثم إنه من البينُ الواضح الآن أن الأمر تعدى إلى إخراج كلّ رموز النظام السابق بالفعل، زكريا عزمى وفتحى سرور، في يومين متتاليين، وكأنه إفراجٌ قانونيّ؟ ما الأمر إذن؟ ما الذي يدبرُ لهذا البلد؟ بدلاً من قطع رؤوسهم جملة وفوراً، تمَحّكنا بالعدالة، وكأن إثبات جرمهم يحتاج إلى محاكمة وأدلة، ثم تركناهم يعبثون من وراء جدران طرة في أمن الدولة وسلامتها، فماذا نفعل إذن؟ الجواب أن نطلقهم أحراراً في البلاد، ليقضوا على الدولة قضاءاً مبرماً!! هذا هو منطق العسكر، وعدل وزير العدل، وترتيب يحي الجمل، وتنفيذ النائب العام والداخلية. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

      ليس هذا الأمر موكولاً إلى مَجلس العَسكر، فما هم الذين سُلبت حقوقهم، ولا قتلت أبناؤهم، فليرفعوا أيديهم عن حِماية هذا السَارق والسَارقة، والقاتل والقاتلة، وليوكِلوا هذا المِلف لأحدٍ غير هذا "النايبة العامة" الذي ابتلانا الله به. وإلا فميدان التحرير لا يزال مفتوحاً لرد الحقوق، وإقامة العدل. وليحذر هؤلاء فتنة ستصيب الذين ظلموا خاصة.