الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا أحد يرضى عما يجرى في مصر من أحداثٍ تتتابع سراعاً، وتخَلِف وراءها قتلى وجرحى من أنفسٍ حرّم الله قتلها إلا بالحق. ثم يعلم الله وحده ما يمكن أن ينجم عن تفاقمها وإتساع رقعتها من أهوال قد تؤدى إلى تدمير ذاك البلد العظيم.
وبنظرة مُنصِفة، نجد أنّ المُسلمين، الأغلبية في هذا البلد، والقبط، الأقلية فيها، قد تعايشا قروناً دون أية مشاكل حقيقية تهدّد كيان المجتمع أو تخرّب لُحمَته. والتعايش بين المسلمين وبين الأقليات غير المسلمة هي سمة من أروع سمات الحضارة المسلمة، التي نشرت نورها على أكبر رقعةٍ بشرية في التاريخ الإنسانيّ، بشهادة كلّ منصفٍ من باحثى التاريخ. بل، قد كانت السّمة التي ارتضتها سُنة رسول الله صلى الله عليه وسَلم في المدينة، حتى أثبتت الأقلية اليهودية أنها طابور خامس، يسعى لتدمير الدولة المُسلمة الوليدة، ولا يستحقُ حقّ الجوار.
وحين ننظر إلى الواقع الحقيقيّ على الأرض، نرى أنّ هناك سببٌ مباشرٌ لهذه الأحداث، يظهر في الصورة كأنه المسبب الوحيد لها، وسبب غير مباشرٍ هو الذي يُغذى هذه الأحداث ويروّج لها بين الناس.
فأما السبب الظاهر، فهو ما تكرر من حوادث خَطفِ السّيدات اللاتي ارتضين الإسلام ديناً، وما صاحب ذلك من رفض الكنيسة الإفصاح عن مكانهن، وهو، كما عبّرنا سابقاً، أمر لا يحدث إلا في ظلّ قانون الغاب، ولا يصح في ظل أي قانون بشري، شَرعيّ أو وَضعيّ.
وقد ساعد النظام السّابق السّاقط على استمرار مثل هذا الحَدث، وتكرارِه مرة ومرات، دون أن تتعبَ الكنيسة نفسها بمحاولة تبرئة ساحتها من أي من هذه الإتهامات، بل وبدت كأنها تسعى لتأكيدها بشكلٍ أو بآخر.
من هنا يأتي الواقع الذي يكشف عن السبب غيرالمباشر في مثل هذه الأحداث المؤسفة التي يظهر أنها أصبحت مصيدة للمسلمين، ومحاولة استدراجهم لمواجهة مع الجيش، حتى يمر المخطط المرسوم. وهذا الواقع الأسيف الذي تحولت اليه مصر بعد الثورة، هو واقعٌ يرسم ثلاثة تكتلات متوازية، لكلٍ منها رعايا، وإقتصادٍ مستقلٍ، وقرارٍ سياسيّ سياديّ في المنظومة الحالية، حسب ترتيب قوة هذه التكتلات. وهي القوى السياسية الحقيقية، لا الأحزاب الخرشوفية التي تمتلأ بها الساحة. أولها، وأقواها، المجلس العسكريّ، الذي يخضع له الجيش، ويبدو كأنه المتسلط بالقرار في هذه المنظومة، رغم ما يعترض هذه السيطرة من قوى تجْعلها شِبه صُورية، وغيرَ مُتكامِلة. وثانيها، قوة وتمَكناً، هي دولة الكنيسة، التي يرأسها نظير جيد، رأس الفتنة، وعبد الله بن أبي بن سَلول العَصْر، ويخضَع له ما يقرب من سَبعة ملايين قبطيّ في أنحاء مصر خضوعاً أعمى، ويسيطر على مصادر تمويلها الذاتي، وسيادة قراراتها القانونية، إلى حدّ تجاهل قرار النيابة بمثول كاميليا أمامها. ثم ثالثها، وأضعفها، هي الدولة التي يرأسها عصام شَرف، شَرَفياً على الأقل، ويمثل رعاياها الكمّ الأكبر من سكان الرقعة المصرية، ويمثل المُسلمون فيها أكثر من 95%، وقلةٌ من العلمانيين اللادينيين، وبعض شرفاء القبط. وهذه الدولة الأخيرة هي الغِطاء العَام لهذه التكتّلات الثلاث.
- وتكتلُ الجيش، هو الأقوى ظاهراً، هو الذي يجب، نظرياً، تحت واقع الحكم العسكريّ الحاليّ، أن يعمل على إذابة هذه التكتلات في دولةٍ واحدة ذات سيادة واحدة، بأن يضرِبُ على يد المعتدى، ويعلى القانون، ويعيد التكتل الكنسىّ إلى محله من الإعراب، نَكِرَة مُسَكّنّة! إلا أن التحليلَ الدقيقَ للموقف المصريّ يرى أنّ الأقوى في هذه التكتلات هو التكتل الكنسيّ، إذ إن الجيش له مشكلاته الداخلية، وهو قوة ظاهرة فقط، تظهر على التلفاز في مجلس موقر، لكنها تخشى التصدى بأي نوعٍ من أنواع القوة لأي طائفة من طوائف الشعب أو الكتلة الكنسية. ذلك لأن الولاء لهذه القيادة، داخل وحدات الجيش، له حدود تقف به عند ضَرب أي مدنيّ لأى سبب كان. ومن هنا فإن هذه القيادة تتحدث عن رَدعٍ وحزم، لكن لا يخرج هذا عن حدّ المحاكمات العسكرية أو التهديد على الفيسبوك. لذلك رأينا الجيش يصدر قراراً بالتصدى للتظاهرات أيا كان سببها، بينما خمسة عشر ألفا من القبط يجتمعون في ماسبيرو بالفعل، دون أن يعارضهم مُعارضٍ. فهذه التهديدات إذن إما مقصودٌ بها التجمعات المسلمة وحدها، ممن ينتمون إلى التكتل الثالث الضعيف، أو إنها خاوية جوفاء لا يمكن له أن يحملها محمل التنفيذ.
وكنا نودُّ لو أن الجيش فيه من القوة والحَزم ما يَجعله يضْرِب على يد العَابثين بالأمن، المعتدين على الحرمات، الداعين إلى الفتنة من فلول الحزب الوطنىّ وشركائهم في الدولة الكنسية التي يعرف الجيش تماماً أن ولاءها لنظير جيد قبل الوطن، ثم لمبارك، لما يمثل من دعمٍ للقبط وكراهة للإسلام. لكنّ الجيش كما ذكرنا، يخشى الإنقسام الداخليّ بين صفوفه، ولهذا يحاول الإسراع في انهاء المرحلة الإنتقالية ليعود إلى ثكناته وسَكناته، التي لا يعكر صفوها عليه أحد.
- والتكتل الكنَسيّ، في هذه المَنظومة، هو الذي يَستأسِدُ في ظلِ السِيادة الكنَسِيّة المُسْتقلة، التي نمََت وترَعْرَعت إبّان النظام المُباركيّ، ولازالت ترعى فضله وتهتف باسمه كما حدث أمس في مظاهرة ماسبيرو القبطية، وهو الذي يدبّر لإعادة النظام الفاسِد، بتلك التمثيليات المَكشوفة، وإلصَاقها في التيار السلفيّ البرئ من هذا الأمر.
- أما عن كتلة الغالبية الشعبية فهي الأكبر حجماً والأقل نفوذا وقوة في مصر، قوة الشعب المسلم، صاحب الثورة الحقيقيّ، وآخر من له كلمة في إدارتها اليوم، والذي يتصَدّر واجِهة حُكمِه عصام شرف. هذا الشعب هو الذي يُهان دينه، وينتهَكُ عرض من يؤمن بعقيدته، وتسرق ثورته، ويقبع على رأس مؤسساته الدينية خائنان لله والوطن، هما الطيب وجمعة، ، اللذان لا يساويان معا، شسعٍ في حذاء نظير جيد، في إخلاصِه لدينه المُحَرّف، وخيانتهما للدين الحق، أرانا الله فيهما يوماً.
الحلّ الآن يتلخّص في إعادةِ الكنيسة إلى حَجمها الطبيعيّ داخل الدولة، وتجفيف منابع الفتنة بوأد أسبابها، مع حفظ حقوق القبط ،ممن يبدى ولاءه للوطن، وكلما تباطأ الجيش في إتخاذ هذا الإجراء، وواصل تغطية التصرفات الرعناء بما يدعم الكنيسة، لم يأمن أحدٌ ما قد تنفضّ عنه، وقد رأينا ما يولّد الضغط على الغالبية الشعبية، والرهان على الأقلية، ومن ثمّ مُواجهة كارثة وطنية مُرعبة تأكل الأخضر واليابس، ولا ينجو من فتنتها أحد "وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ" آل عمران 118.