فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حين تفقد أمـة رأسها!

      تعتمد الأمم الناهضة في بنيان عمرانها على الجهد المشترك والمنسق بين قطاعيها الحكومي الرسمي والشعبي العامل لتحقيق أفضل النتائج في المجالات المختلفة من ناحية ولضمان الحدّ من الخسارة التي تلحق بالمجتمع من جرّاء التعدى والسرقة والنصب وما إلى ذلك من أمور مضرّة بالعمران وتقدمه. وهذا التنسيق والترابط لا يتم إلا بإشراف الحكومة عليه وتحقيق التوازن بين المؤسسات الوطنية العامة والخاصة، وذلك بسنّ القوانين التي تحكم هذه العلاقة بين هذه المؤسسات، فلا تجور أحدها على الأخرى بل تعمل كلها في صالح الشعب، وما ذلك إلا بجهد التنسيق الذي تقوم به رأس هذه الأمة ومؤسستها السياسية.

      والأمم في هذا أشبه بجسد الإنسان، فالجسد فيه الكثير من الأعضاء والأجهزة التي تعمل جزئيا بتنسيق داخلي ذاتي ناشئ من طبيعة تركيبها، وتعمل بتناسق مع بقية الأعضاء والأجهزة لضمان صحة الإنسان الجسدية والعقلية. ودعونا نتصور أن إنسانا فقد رأسه أي عقله المدبر، وإن ظلّت خلاياه وأعضاؤه سليمة عاملة، وأقل ما يحدث في هذه الحالة أن تتحرك هذه الأعضاء بعشوائية أقرب إلى الجنون، ثم يتبعها بعد فترة الأجهزة الداخلية التي وإن كانت أطول أمدا في القدرة على القيام بوظائفها دون جاجة إلى الرأس المدبر، فإنها ولاشك ستفقد ترابطها وتتوقف وظائفها ويتدهور الجدسد الإنساني ليمرض أولا ثم يشتد مرضه وهو في كل هذا مجنون أو أشبه بالمجنون، تتحرك أعضاؤه بلا تنسيق بل كلّ عضو يعمل مفردا ويسعى للقيام بوظائفه دون إعتبار لغيره من الأعضاء.

      أليس هذا أشبه بحال أمتنا، بعد أن فقدت رأسها! فالحكومة التي يجب أن تلعب دور المنسق أصبحت لا عمل لها في مجال التنسيق أو الإصلاح أو سنّ القوانين العادلة، بل أصبح همّ أعضائها أن يحقق كلّ منهم الكسب السريع العريض لنفسه، ولهذا تسنّ القوانين ويسحل الناس وتضرب أبشارهم وتسلب حرياتهم، أصبح همّ الرأس أن تبقي على منصبها ولو مات الناس ولو خربت الدنيا، فيعلو من يكذب وينافق، ويسجن ويشرد من يقول الحق ويسعى للصالح! وترى عمل الرأس منحصرا كلية في إبرام الصفقات المشبوهة في مجالات الزراعة والصناعة والتسليح والطاقة، وغير ذلك من المجالات التي تحيا بها الأمة، ولو أدى ذلك إلى هلاك الحرث والنسل وضياع ثروة الأمة المادية والعقية، إذ أن تراث الأمة ودينها أصبح سلعة تباع في السوق الدولي يباع لإرضاء الأسياد ممن لهم القدرة على جزّ هذا الرأس المجنون واستبداله بمن هو أخبث طريقة وأشرّ طوية، إن وجد مثل هذا الرأس الأخبث!

      وحين يرى الجسد العمل من أبناء الأمة أن رأسه قد جنّ بنفسه وأصبح لا فائدة منه في تنسيق أو تدبير، سعى كلّ من ابنائه لصالح نفسه دون رعاية للصالح العام أو إعتبار لمصلحة الأمة ككل. وينشأ من هذا جيل أناني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. وتظهر على أجهزته علامات المرض والإعتلال، ثم تلاقى الأمة حتفها وتصبح ذكرى في ذاكرة التاريخ.

      كلّ هذا لأن الرأس قد جُنّ، جُنّ بحب ذاته ومصلحته، لا يراعي غيرها ولا يعمل إلا لأجلها،سيطرت الأهواء على هذا الجهاز الحاكم فباع ضميره وخان أمانته وخاصم ربّه وألقى دينه وراء ظهره!

      والله لا أدرى أي إنسان وأي ضمير يمكن أن يسقط هذا السقوط، ويسمح لنفسه أن يطلق الجسد، جسد الأمة، مجنونا بلا ضابط ولا مدبر، لدنيا يصيبها، وما هو بمخلد فيها!