الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابدأ بأن أقرّر أننى، ككلّ مسلمٍ واعٍ، لست من أعداء "الوحدة الوطنية" فيما يَصِح من مفهومها تحت مِظلة الشريعة، ولست ممن يعمل على هَتك "النسيج الإجتماعيّ"، ولا قتل القبط أو إهدار حقوقهم، على الرغم من الدعاية العلمانية اللادينية في هذا الصدد. لكن أن تكون هذه العناوين مُبرّراً لتغليب الأقلية القبطية على الأغلبية المُسلمة السَاحقة، بل وإهدار حقوقها، فهذا ما لا يرضاه مسلمٌ عاقلٌ أو قبطيّ عادلٌ.
وحين كنا نكتب عن قضية كاميليا وأخواتها فيما قبل 25 يناير، كنا نشعر كأننا نصرُخ في وادٍ أو ننفخُ في رمادٍ. وحين قامت الثورة، جاءت معها أحلام الحرية والعدل، وسيادة القانون وحماية الفرد وحقوقه. ثم إذا بنا نفيق من هذا الحلم، على استمرار واقع الحدث الذي لم تشهد دول العالم كله مثيلاً له في عصرنا هذا، وهو أن تقوم جهة دينية بإختطاف أفرادٍ مواطنين في دولة حرةٍ ذات سِيادة، تحت سَمع الدولة وبَصرها، قبل وبعد الثورة، فلا يُعرف لهم مَكان ولا عنوان، لا لشيئ إلا لأنهم قرروا تبديل دينهم وإعتناق دين الغالبية من أهل هذه الدولة "وَمَا نَقَمُوا۟ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ"البروج 8.
أين القانون الذي ظننا أنه سيكون مظلة تحمى حرية المواطن وحقه في التعبير والإختيار؟ أين دعاة الليبرالية ودهاة اللادينية العلمانية، أين ما يبشرون به من حقوق الإنسان وحرية الأديان والمُساواة في الأوطان؟ أين وزير العدل، وقضاة مصر، وحقوقييها؟ أين رئيس الوزراء الذي يُنتهَك دينه كلّ يومٍ يَسكت فيه على هذا الوضع المُزرى؟
السؤال الآن: إن لم تكن كاميليا وأخواتها محتجزون من قبل الكنيسة، فلماذا لا يظهرن في ميدان التحرير، أو في أجهزة الإعلام؟ ولماذا تتحدث الكنيسة عن إحتمالات ظهور كاميليا في النيابة، إن لم تكن في حوزتها؟ ولماذا يَخشَون من ظهورها إن لم تكن أسْلمت بالفعل؟ وهل لا تزال على قيد الحياة؟
الأمر ليس أمر سياسة يا سادة. الأمر أمر دين يُنتهك، وأعراض تُستباح، فكاميليا، كمُسلمة، لا يحلّ لنصرانيّ أن يعايشها. والسكوتE على هذا الوضع عارٌ على كلّ رجلٍ يحمل صفة الإسلام في بلادنا. وليسأل الطنطاوى نفسه، وليسأل عصام شرف نفسه: إن خَطَفت الكنيسة ابنته، هل كان سيتعامل مع القضية سياسياً، أم يقيم الدنيا فلا يقعدها؟
ثم، لماذا لا يحرص القبط أنفسهم على "الوحدة الوطنية" الأحادية الجانب ، ولماذا لا نسمع أحدٌ من اللادينيين العلمانيين من الإعلاميين وأشباه المثقفين، يطالب القبط بإحترام "الوحدة الوطنية" الأحادية الجانب وإخراج كاميليا وأخواتها؟ فإن في هذا إحترامٌ للأغلبية المسلمة التي تتركهم يتنفسون هواءها ويشربون ماءها ويطعمون غذاءها؟ ثم ما هو قدر "الوحدة الوطنية" الأحادية الجانب، إلى جانب هتك العرض وخطفِ النساء المسلمات؟ لماذا لا يطلقون سراح المَخطوفات، ولتهدأ الأمور، ولتلتئم عُرى النسيج، وليتعايش الناس، مُسلمُهم ومَسيحيّهم كما كان الوضع قرون عديدة؟
أين شرفكم يا رجال مصر؟ أين عِرضكم يا أهل الصَعيد؟ هل ثرتم من أجل تنصيبِ محافظٍ، وتركتم عرض نساء المسلمات يُنتهك في بلادكم؟ أالسلفيون هم وحدهم أولياء كاميليا وأخواتها، بينما يتبرأ منها الإخوان في وقعة من أجبن ما صدرت عنه قراراتهم، وأكثرها بعداً عن الشريعة، أن يلزَموا الصَمت.
عار عليك يا عصام شرف أن تقف مكتوف الأيدى، تتحدث عن التنمية والتطوير، وتدع قضية العدل والتطهير. أنت المسؤول الأول عن عِرْضِ هذه المَرأة وأخواتها، وحمايتهم واجبٌ في عنقك ستقابل به الله يوما ما. فإن لم تقدر على حمايتهم، فعليك بلزوم بيتك، فإنه ما هكذا يكون الرجال.
ولسنا نلقي بلومٍ على مَجلس العسكر، فهؤلاء لا يتحاكمون لمَا يتحاكم اليه أمثالنا من المدنيين، الذين لا يزالوا يعتبرون قواعد الشرف ومبادئ الإخلاق وقيم العدالة جزء من منظومَة حياتهم، بل هم يرون أنفسهم أرفع قدراً من أن يشوّشوا على هذه الرفعة بالتدخل لصيانة عِرضِ نساء عفيفات، ولديهم العذر جاهزاً "الوحدة الوطنية" الأحادية الجانب، فحسابهم على الله، وللظالم يومٌ لن يُفلته.
حديثنا مع عصام شرف، أولا، كرئيس سلطة تنفيذية تجد أمامها إنتهاكاً صَريحاً واضِحاً لسيادة الدولة، ثم حديثنا، ثانياً، مع سلطات القضاء التى لا يجب ان تروّعها فزّاعات "الوحدة الوطنية" الأحادية الجانب، بل يجب أن تخرج مُدافعة عن الحق والعَدل، في محكٍ حقيقيّ لإختبار مصداقية هذه السلطات.
ومع الأسف، فالظاهر أن هذه السُلطات لا تحمل رَغبة حقيقية في إقامة العدل والعودة إلى الشَرعية، شرعية الغالبية، شرعية القاعدة الشعبية، التي قامت بهذه الثورة، بل الظاهر أنّها تحمل مُسكناتٍ، نحسب أنها لا تغنى من جوعٍ في هذا المَقام، إذ لا يصِحُ تأجيل رفع الظلم للعمل على نشر العدل، وهو من باب درأ المفسدة مقدمٌ على جَلبِ المَصلحة. رفع الظلم عن مواطنةٌ مسلمة وأخواتها لا يصح أن يتأخر من أجل العَمل على قوانين النِقابات أو تعيين المُحافظين أو ما شئت من الأعمال، بل هو مطلبٌ حالٌ يتقدم كلّ مطلب آخر.