عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "..فعن معادن العرب تسألون ( وفي رواية مسلم "تجدون الناس معادن)، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا." رواه البخاري".
صـدق رسـول الله فانّ الناس معادن، والمقصود أن للناس طباعا وأخلاقا خاصة تختلف من فرد إلى فرد كما أن المعادن لها خصائص أساسية تميّز أحدها عن الآخر، وتسبغ علي كلّ منها طابعها الخاص. وتلك الطباع والأخلاق الأساسية كالكرم والحلم والصدق، إنما تنشأ مع الفرد منذ نعومة أظفاره، بل قبل ذلك هي من الطبع والفطرة التي تولد مع الفرد، ثم تغذيها قيم العائلة وأعراف المجتمع. والأمر أعرق في النفس مما يمهد له الدين وأجدر أن يكون من قواعده التي يبنى عليها توجيهاته وتكاليفه.
وقد كان الناس في الجاهلية ممن حسنت أخلاقهم الأساسية، وامتلأت نفوسهم بمعاني القوة والشهامة والنخوة، بل انهم كانوا أفضل من تحمل الأرض آن ذاك فيما يخص ذلك الأمر، ولهذا أختارهم الله سبحانه لأمانة حمـل الرسالة دون غيرهم من الأمم، رغم غياب معاني التوحيد وأنوار الشرائع عن حياتهم. فقد كانوا يقرون الضيف و يأبون الضيم ويكرمون القريب ويجيرون البعيد. وان أحدهم كان ليموت دون عرض فرد من أفراد قبيلته، أو يدخل الحرب لكلمة أضرّت سمعة عشيرته، لا يحسب حسابا إلا لكرامته وشرفه، فالعرض عنده فوق المال والشرف فوق الحياة.
أما اليوم، فالمرء مشغول بأعراض الدنيا عن الدفاع عن عرضه، يعد فيخلف، ويتحدث فيكذب، يتلصص للوصول إلى غرضه بأدنى الطرق، اختلطت معاني الرجولة بمظاهر الذكورة في حسـابه، فظن أن ما عليه أهل هذا العصر من سوء المعدن هو الأصل وأن ما زاد علي ذلك إنما هو من الفضل، والله يعلم أنه قد انحط إلى دركات أهل الجاهلية، حين انحط عن الخلق الأساسيّ الذي يصاحب الدين ويكوّن ركيزته، وما ذلك إلا عرض من أعراض سوء المعدن. فمعدن الفرد يحدد كيف هو من الخير والشر ومن العدل والظلم، ومن الخسة والشرف قبل أن يوجهه الدين إلى ما هو من الحلال والحرام. فالفقه بعد الخلق وحسن الدين مبنيّ علي حـسن الخلق، والله أعلم..
د. طارق عبد الحليم