الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من المُمكن أن يفترض مُحلّلوا السّياسة المصرية الوليدة، في هذه الآونة، والتي بدأت تتكون ملامِحها في الأسابيع الأخيرة، أنّ هذه السياسة ستقوم على موقفٍ أشدٍ من إسرائيل نوعاً ما، حتى يتبين الموقف بكامل أبعاده. وما يؤكدُ ذلك هو الدور الحياديّ التى قامت به تجاه الإنقسام الفلسطيني-الفلسطينيّ يوم أمس الأول، والذى عانى على يد النظام المصرى السابق، وبالتحديد على يد المُخابراتي عمر سليمان، عميل إسرائيل، نتيجة المَيل الكامل نحو تحقيق أهداف إسرائيل بالتنازل الكامل عن كلّ حقٍ مشروعٍ للفلسطينيين دون مقابل، أياً كان. وهو، وإن كان شهادة إمتيازٍ على صَدر السياسة المصرية الوليدة، يبقى ما ستسفر عنه هذه المصالحة من قدر التنازلات التي سترضى بها حماس، قرباً أو بُعداً من دين الله.
لكن، وفي سياق هذه السياسة الجَديدة، نرى أنّ مصر أخذت تتجه إلى تحسين علاقاتها مع إيران، على ما يظهر أنه من نفس المنطلق المناوئ لإسرائيل، إو هكذا يظهر.
المُشكلة هنا أنّ هذا التوجّه في السياسات الخارجية، لم يعد يجدى كثيراً من ناحية، كما يمثل أضراراً بالغة في بعض الأحيان من ناحية أخرى. ونقصد بهذا التوجه، سياسة "الثنائيات"، التي تتشكل وتقوم على مبدأ "صديق عدوِّى عدوِّى "، أو "عدو صديقي عدوِّى "، ومثل هذه الثنائيات، التي هي نفاقٌ محضٌ إذ لا تعكس حقيقة العلاقات بين الدول المنخرطة فيها.
وحين ننظر إلى التقارب المِصرىّ الإيرانيّ الوليد، فإننا نرى مصداقية ذلك. فإيران، الصفوية، لها أجندة عملٍ محددة، وخريطة للعالم العربيّ من حولها، تشمل إمتداداً جغرافياً واسعاً في البحرين والعراق، ويمتد إلى سوريا ولبنان، وشرق السعودية وشمالها، واليمن وعدن. وهذه الأجندة لن تتغير بسبب تعيين سفيرٍ مصريّ في طهران، ومن إدعى ذلك لم يكن من السياسيين أولا، ولا من العقلاء ثانياً.
ثم لا نرى في المقابل أي سبب دفع مصر للإعلان عن هذه الخطوة الآن، إلا أن يكون مُجرد محاولة إثباتٍ أن مصر اليوم غير مصر أمس، لفائدة الداخل المصريّ. وهذا أمرٌ يعنى عشوائية القرارات، وهو ما يذكرنا بقرارات تعيين المحافظين، وما نشأ عنه من تذمّرٍ خاصة في محافظة قنا، وهو ما أجمع المراقبون على أنه كان قراراً خاطئاً إما من رئيس الوزراء أو من المجلس العسكريّ الذي أملاه على عصام شرف.
وقد تسبّب هذا القرار، قرارُ تطوير العلاقة مع إيران، في إحراج عصام شرف، بل في منع زيارته للإمارات، على رغم التصريحات الدبلوماسية المعتادة التي تنكر ذلك! وحَمَلته على إصدار ملحقات للقرار يوضح بها أنّ أمن الخليج خطٌ أحمر، حسب التعبير الدارج لألوان الخطوط بعد الثورة، وأن مصر تعتبر أمن واستقرار الإمارات جزء من أمنها القوميّ، ومثل ذلك من تصريحاتٍ يقصد بها علاج المَوقف الذي نشأ نتيجة هذا القرار المُتعجّل. وقد كان يمكن بمجرد دراسة مُبسطة لخريطة السياسة في العالم العربيّ اليوم، أن تمنع هذا الموقف السَخيف الذي وضعت الحكومة نفسها فيه، خاصة، كما ذكرنا، وليس هناك أيّ مبررٍ على الإطلاق لمثل هذه الخطوة الآن، إن كان لها مُبررٌ أصلاً، أو فيها مصلحة لمصر على وجه الإطلاق.
العلاقة مع الدولة الصفوية، علاقة محكومٌ عليها بالفشل، إذ هؤلاء، كما ذكرنا، لهم أهداف محددة غير قابلة للمُساومة. كما أنهم يكذبون، بحيث يصبح السياسيون، المعروف عنهم الكذب، بالنسبة لهم، آية من آيات الأمانة! ذلك أن الكذب بالنسبة لهؤلاء دينٌ يتقربون به إلى الله. ولا يعنى هذا أن نظام مبارك كان مُحقاً في موقفه من إيران، إذ إن دوافعه كانت مختلفة عما نعرض هنا من مسببات، فقصده الوحيد كان إرضاء إسرائيل لأهداف شخصية لا علاقة لها بمصالح مصر العليا.
ولإن ظنّت مصر أن علاقتها بالدولة الصّفوية سوف تهيئ لها أي سبقٍ في مجال تعامُلاتها مع إسرائيل أو الغرب، فإنها تكون في ذلك مخطئة خطأ فادحاً. الدولة الصفوية لن تقف إلى جانب مصر في أي موقف سَواءاً على مُستوى السياسة أو الحرب، اللهم إلا كلمات منتقاة هنا وهناك. وقد كان من الأولى أن تراعي الدبلوماسية المصرية الوليدة البعد العربيّ في هذه المعادلة قبل أن تنظر لأي بعدٍ آخر، خاصة ما ليس فيه خير قليلٌ أو كثير.
لا تريد أن نتعجل بنقدٍ او تجريحٍ للدبلوماسية المصرية الوليدة، لكننا نلفت الإنتباه إلى أن مثل هذه الولاءات الإستراتيجية لا يُمكن أن تؤخذ تعَسّفاً، أو تنشأ عفواً، من واقع نظرٍ قصيرٍ، بل يجب أن تكون هذه الولاءات مبنية على الولاء الإسلاميّ السُنيّ أولا، ثم العربيّ ثانياّ، وهو ما أثبتت الأيام جدواه، وفشل غيره، مهما ظهر غير ذلك لبادئ الرأي.