فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإخوان .. والأحزاب .. والجماعة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شك أن جماعة الإخوان هي الكبرى على سَاحة العمل الإسلاميّ، والأكثر تنظيماً وتأثيراً، رغم خلافنا مع الفكر الإخواني العقديّ في مباحث الإيمان، وإنعكاس ذلك على المنطلقات العملية على الساحة السياسية. ومن ثمّ، فقد مارس الإخوان الإشتراك في الحياة السياسية الفاسدة، اللادينية عقدياً وعملياً، طوال العقود الماضية، رغم عدم إحراز اي مكسب شرعيّ أو واقعيّ على الأرض. ولم تشفع تصريحاتهم المهادِنة للنظام قولاً، ودعمهم لشرعية النظام بالإشتراك فيه عملاً، من أن يواجهوا القتل والإعتقال والإضطهاد، مما دفعنا من قبل لنصحهم بالتنحى عن الإشتراك في الفساد السياسيّ، والرجوع إلى الدعوة ورحابتها (http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-396 ).

      والوضع الذي تمر به مصر اليوم، لا يمكن لأحد أن يدّعى إستقراره أو وضوح إتجاهه أوصلابة قاعدته. فالبلاد تحت حكم عسكريّ وأحكامٍ عرفية، وأذرعة النظام الفاسد لا تزال ممتدة وقوية ومتشعبة، إحتفظت بالكثير من امتداداتها في فلول أعضاء الحزب الوطني المنحلّ، وفي الجامعات والإعلام والطب الشرعيّ، وغير ذلك من المَصَالح الحُكومية، بل ولا زالت تحصد مراكزاً عليا في الحكومة، يشهد على ذلك تشكيلة حَركة المُحافظين الجديدة التي شملت، غالبها، وجوه عسكرية أومدنية من عملاء النظام السابق. هذا إلى جانب التخبط الواضح في الكثير من قرارات الحكومة، والتشكك المُستمر والمُبرر بنوايا مجلس العسكر الحاكم.

      لكن، مع هذا الإضطراب والتخبط والتشكك، فإن الوضع على السَاحة المصرية السياسية والأمنية جدّ مختلفٍ عن الوضع السابق ولاشك. وهو ما يسمح ببصيص أمل، في الوقت الحاضر على الأقل، في أن لا تعود الأمور إلى سابق عهدها، وأن تسير الأمور من سيئ إلى أقل سوءاً مع الوقت، عَكس إتجاهه من قبل.

      ومع الهَجمة الإعلامية اللادينية العلمانية، التي يقودها علمانيون معروفون كعمرو حمزاوى وبلال فضل وخالد صلاح، ورسميون مثل يحي الجمل الأجرب، ومع الأوجه المُرشحة لرئاسة الجمهورية التي يعلو فيها نسبة اللادينيين كالبرادعيّ وأيمن نور، أو اللادينيين الفاسدين كعمرو موسى، ومع خروج طبقة رجال الأعمال الفاسدين من أنصار النظام السابق كساويرس الذي يمثل قطبيّ الخيانة في الحياة السياسية المصرية حالياً، الكنيسة وفلول نظام مبارك، لتكوين أحزابٍ فاسدة مُفسِدة، فإن التصدّى لهذه القوى الآن أصبح ضرورياً لترسيخ الهوية الإسلامية، التي تأكدت في إستفتاء التعديلات الدستورية، ولدرأ مفسدة إحتمال سيطرة الفسَاد اللاديني العلمانيّ، الذي هم اقلية لا تتجاوز 15%، مع أنصارهم القبط، على عجلة القيادة في مصر، وهو ما لا يحلّ لمُسلم أن يتهاون فيه.

      من هنا، وفي ظل الإمكانية الحقيقية لإنتخاباتٍ صحيحة نزيهة، فإن قيام حزب للإخوان، مبررٌ ومفهوم. لكن، تبقى أسئلةٌ حائرة، تريد إجابات شافية، مثل:

      1.       ما هو موقف الحزب من القضايا التي تعج بها الساحة السياسية المصرية، مثل مفهوم الدولة التى يسمونها "المدنية"؟ فالجماعة تقول إنها تدعو "لدولة مدنية، ذات مرجعية إسلامية". لكن كذلك تدعو بعض الإتجاهات العلمانية، وحزب الوسط المحسوب على التيار الإسلامي، وما هو منه. فما هو معنى "الدولة المدنية" لدى الحزب الجديد؟ وما هي دلالة "المرجعية الإسلامية" وحدود تطبيقها على أرض الواقع؟ أتعنى تفعيل المادة الثانية، وجعل الشريعة حاكمة على كافة القوانين على أرض مصر؟ أم تعنى وجود المادة الثانية في الدستور، قولاً لا فعلاً، والإحتفاظ بالقرآن كتاباً للتبرك به في المساجد وخلفيات السيارات، كما يقصِد العلمانيون اللادينيون؟ يجب تحديد هذا الأمر بدقة ووضوح وصَراحة، حتى يمكن لمن يريد الإنتماء للحزب من خارج أعضاء الجماعة أن يعرف أسس الحزب ومبادئه.

      2.       ما المقصود من هذه النسب التي تُصِرُ الجماعة، أو حزبها السياسيّ الوليد، أن تحددها للمشاركة في الإنتخابات (30% ثم 45-50%)؟ ولماذا لا يكون هناك مُرشحٌ في كلّ دائرةٍ إن أمكن ذلك؟ أيظن الإخوان أن المتربصين بالإسلام سينخدعون بتحديد النسب أو تصريحات عدم الترشح للرئاسة؟ لماذا لا يستبدلون هذا التحديد والإقصاء الإختيارى بشرح مبادئ الإسلام بوضوح وصراحة؟ الواضح أنّ الإخوان لم يعوا الدرس الذي عاشوا فصوله طوال العقود السابقة. إن كان الفساد سيستهدفهم الآن، فسيستهدفهم بعد أربعة سنوات، أو بعد أي عددٍ من السنوات. ولن تكون هناك فرصة أخرى يكون فيها الفساد أضعف منه الآن. ولن يكون العَسكر أكثر حذراً منهم الآن في ضرب ممارساتٍ ديموقراطية حُرة. وسيكون نفس ردّ الفعل على الوجوه الإسلامية، في البرلمان أو الرئاسة، بعد أربعة سنوات هو نفسه ردّ الفعل الآن. والتنازلات التي يقدمها الإخوان، مهما انخفضت أرضيتها فلن ترضى بها العلمانية اللادينية، أو القبط، أو الفساد بكل أشكاله ، فكل شبرٍ من التنازل يقابله شبرٌ من رفع سقف المُطالبات اللادينية سواء علمانية أو قبطية.

      كذلك يقال في موقف القوى الغربية تجاه المَوقف المتجدد على أرض مصر. فإن إسرائيل لن ترحّب بدولة تتخذ القرآن ديناً الآن أو أي آن، رغم أنها تعلن صراحة عن يهودية إسرائيل، بل وتجعل الموافقة على يهودية الدولة شرطاً للمواطنة فيها! والسؤال لهؤلاء اللادينيين ممن تركوا دينهم جرياً وراء نظريات الغرب العلمانية أن: كيف ترون هذه العزة باليهودية التي يمارِسها الصهاينة بجانب ذِلتِكم في دينكم؟

      3.       ثم، هل ستخرج الإخوان عن دائرة ممارسة السياسة "غير الشرعية"، والتي إن نالت من كرامتهم، فإنها تنال أكثر وأعمق من كرامة كلّ مسلمٍ على أرض مصر، بل وعلى أي أرض، والتي لا يسوّغها إلا الشُعور بالضعف والمهانة والصَغار أمام الغير، شُعورٌ ربما تراكم مع سنوات الإضطهاد، ثم لاقى نفوساً هشة، وعلماً سطحياً، فتمشى مع هذا الإتجاه المهين. ومثال ذلك، الموقف المُخزى المهين من قضية المُسلمات المهاجرات إلى الله، والتي صمتوا فيها صمت اصحاب القبور. حتى بعد الثورة، سولت لهم انفسهم أن هذا الصمت خبرة وحنكة سياسية، ويعلم الله أنه مهانة وضعف وتحقير. ووالله لا ادرى ما سيقول هؤلاء حين العَرض على الله، حين يُسألون ماذا فعلتم في قضية النِساء المُختطفات؟ وأي سياسة ستنجيهم من عقاب الله على خذلان دينه بهذا الشكل الذى لا يقبله الرجال، لا نقول المسلمين! وهذا الأمر يلقى بظلالٍ كثيفة على جدية هذا الحزب، وسياساته، إذ كيف يثق الناس أن ممثليهم يمكن أن يقوموا بحق المساءلة إن أصاب أحدهم مكروهاً، وأن هؤلاء لن يلعبوا لعبة السياسة غير الشرعية، فيخذلونهم حين يحين حين النصرة. ولابد أن نسجّل هنا أن مفتي الإخوان عبد المنعم البر، قد أفتى وقت الإنتخابات المزيفة بوجوب الإنتخاب على اساس أن عدم الإقتراع هو "تولى وقت الزحف" أنظر مقالنا http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-453 ! إذن ليسائل الإخوان، والحديث إلى شبابهم خاصة، أيكون التخلف عن الإشتراك في إنتخاباتٍ مزيفةٍ، كما عَرَف تلميذ الإعدادية للوهلة الأولى، وعرفوا هم حقيقتها في دورتها الثانية، أيكون تولى يوم الزحف، ولا يكون صَمت القبور إزاء مسألة ولاءٍ وعزةٍ، تولى يوم الزحف؟ أي فقه هذا يا إخوان؟

      الأمر إذن أمر معرفةٍ بما يجب على القوة الإسلامية تحقيقه، وما هى الأهداف التي يجب الوصول اليها شرعاً وعقلاً في دولةٍ مسلمةٍ، وما هي المصلحة من التقوقع وإختزال النفس في هذه المرحلة، والتي فيها الحركة الإسلامية اقوى ما كانت، وأرسخ قدماًً مما ستكون. ولهذا وجدنا الإخوان تراجعوا عن نسبة ال30% إلى 50%، لمّا وجدوا أن حدّ الإختزال ليس له أي مبرر، وأن الفرصة المُواتية قد لا تعود مرة أخرى.

      أسئلة تجعل المراقب لهذا الحزب الوليد لا يعرف إن كان حزباً إسلامياً، أم حزباً "مدنياً" على قصد العلمانيين بالمدنية. والأهم أنها لا تخلق قدراً من الثقة، إلا عند عوام المتدينين ممن يسير وراء الشعارات وينبهر بالعبارات.

      العقلية التي كانت تدير حركة الإخوان في العقود السابقة، يجب أن تتغير، وممارسة العزة يجب ان تكون واقعاً على الأرض لا شعاراً على الورق. وليعلم الإخوان أن نصرَهم نصرٌ للإسلام والمسلمين، بلا تعيين أو تحديد، كما كان أذاهم، وأذى منتسبى بقية الإتجاهات، كانت شوكة في حلق كلّ مسلمٍ. ومن هنا وجبت علينا النصيحة في هذا الوقت، ووجب علي قيادات الإخوان الإستماع، حتى لا يصدق ما أشيع من قبل عن مبدأ التصويب المُطلق لمكتب إرشادهم. ونحن، مع كل مسلمٍ في إنتظار الجواب.