فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أزمَة الوَلاء والبَراء .. في فكرِ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من الأهم والأجدَر بالنظر من جانب شباب "السلفيون"، هو علاقة الطَرح الشَرعيّ الذي قدمته قياداتهم، أو بعضها على أقل تقدير، في ناحية العِلاقة بين المُسلم "السلفيّ" وبين النظم الحَاكمة، أو المتحَكِّمة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، وبين مفهوم الولاء والبراء في التوحيد، والذي هو إما ركن أو شرط في صحته، حسب ما يرى الأصوليون في هذا الباب. هذا لأن الأمر، إذن، ليس أمر فتوى شرعية، أو إجتهاد في مسألة فقهية تخضع للآراء وتقليب النظرت بل إنه، من هذه الفتوى، أمرٌ في صُلب العقيدة وقلبِ التوحيد، مما لا يجعله خاضعاً لإجتهادات، سواءً من شيوخ "السفيون" أو من غيرهم.

      وقد سبق أن حَذرنا من خطورة هذا الإتجاه، في كتابنا "فتنة أدعياء السّلفية وإنحرافاتهم"، عام 2004، والذي تناول متطرفيهم من المَداخلة الجَاميين، حيث صدّرت الكتاب بتقرير أن "خطورة الإنحراف الذي وقعت فيه هذه الفرقة - خلافاً للسلفية الشرعية - لا يكمن في مجرد خطأ تحقيق مناط "الحكم بما أنزل الله" في هذا العصر ، وإنما يكمن بشكل أساسي في إسقاط أحد أركان التوحيد، الذي يتمثل في مكانة الإذعان التام لأحكام الله في حياة الأمة، و هو ما يتجاوز في أثره الضار أخطار الإرجاء التقليدي، ويتناقض مع رسالة الإسلام كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما حملتها الاجيال المتعاقبة من اهل السنة والجماعة، مما يعرقل مسيرة الأمة نحو استعادة مكانتها التي أرادها الله سبحانه لها في قيادة البشرية نحو حاضر آمن ومستقبل واعد" http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-7 .

      والنظر في تصريحات أحد كبرائهم، المدعو "ابو قتادة الليبيّ"، من زاوية عقدية أخرى، وهي الولاء والبراء، يبين مدى الخطر التي تتعرض له العقيدة الإسلامية على أيدى هؤلاء الشيوخ، ليس فقط في بعد التّحاكم إلى شرع الله، بل في مفهوم الولاء والبراء على حدٍ سواء. يقول الرجل: "ونحن نقول ناصحين لولاة الأمر: إنكم لن تجدوا من يصدق في نصحكم وفي تحقيق الأمن في دولتكم إلا العلماء الربانيين..." وهو يعنى "بالعلماء الربانيين" شيوخ هذه السّلفية المُشتبَِهَة بعقائد السلف الصالح. وتتوافق هذه الكلمات مع مواقف عدد من الشيوخ الآخرين، وإن لم يكن من المستطاع الجزم بحقيقة ما يقولون لإحجامهم عن الوضوح في خطابهم، والإلتواء في تصريحاتهم، وليغفر لنا الله إن كنا تجنينا عليهم.

      يمثل هذا القول خروجاً واضحاً صريحاً على عقيدة أهل السنة وخطّ السَلف الصَالح، الذي يَتمثلُ في مُوالاة أهل العَدل، والبَراءة من أهل الظلم، أو الكفر بطريق الأولى. فإن الرجل يقول لرجال الحكم الظلمة، أو الكفرة، أنّ العلماء الربانيين هم أولياؤهم ونصحاؤهم، وأنهم الضامنون لإستمرار الأمن في دولة الظلم ونظم العلمانية، ضماناً لإستمرار الظلم والبغي واللادينية والعدوان والطغيان والكبت وقتل الدعاة المُخلصين ممن لا يُسلم أمْره لهؤلاء الشيوخ ويتابعهم في الوَلاء لهذه الأنظمة! ولا أدرى ما أقول، أو يقول أيّ مسلم، له عقل لا يزال يجرى فيه قطرة من دم!

      ولا أريدُ أن أُذكر هؤلاء الشيوخ "السلفيون"، ممن إعتمد هذا الخط، بآيات الكتاب في حُكم الولاء للظلمة والكفرة، ولا أريد أنّ أذكرهم بوقعة "حَاطب بن إلي بلتعة"، أو أرجع بهم إلى قول الله تعالى " فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓا۟ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا۟ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلًۭا ﴿88﴾ وَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَآءًۭ ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ" النساء89، وهي التي نزلت في بعض ممن نطقوا بالإسلام وموالاة أهله، ثم تذرّعوا بالمرض وخرجوا من مكة حتى لا يواجهوا ما يواجه المسلمين من هجرة، فانقسم فيهم المسلمون فئتين، فئةٌ قالت هم إخواننا تَعِبوا ولهم عذرهم، وفئة رأت خروجهم عن الشرعية الإسلامية وقواعد الولاء والبراء، فأنزل الله سبحانه هذ الآيات المُحكمات ليمنع المسلمين من موالاة هؤلاء حتى يُهاجروا، ويواجِهوا ما يواجه المُسلمين، وإلا فهم موالون لأعداء الدين. ولا يخفى على صَاحب العقل ما في الموقفين من تشابه. فإن الله سبحانه أمر المسلمين، ليس فقط بعدم موالاة من والى أعداء الله، بل ومن وقف موقف الحياد في الصراع بينهما، وهو حكمٌ  سارٍ سواء، كان أعداء الله كفاراً أو عصاة، إن اراد من دخلت عليه شبه الإرجاء أن ينزّل حكم هؤلاء على الطغيان لا الكفر. ولإن قال متمَحكٌ أن هؤلاء منافقون بحكم القرآن، قلنا نعم، هم نافقوا بفعلهم هذا، ولذلك لم تنزل فيه آية قبل فِعلهم، ولو لم يفعلوه لم تنزل فيهم القرآن.

      الولاء المَعنيّ في القرآن، يعنى المُظَاهرة والمُناصَرة لفئةٍ ما، وهو يعنى لزاماً البَراء من الفئة المضادة. وإنّ إعلان فردٍ من فئة المسلمين، أنه يُساعد (أي يظاهر ويناصر) فئة مضَادة للإسلام، لضمان أمنها واستقرارها، ومن ثمّ استمرارها، لهوَ ولاءٌ واضحٌ صَريحٌ لا يجدُر بمسلمٍ ينتمى لهذا الدين أن يقع فيه، ولو تأويلاً، ولا يصِح فيه إجتهادٌ، إذ المَسألة فيه عقديةٌ لا فقهية. ولإن كانت شُبهة الدليل قد تجعل هذا الولاء يقع في دائرة ولاء المَعصِية، إلا إنها كبيرة من الكبائر على اقل تقدير أن يُنسَبُ هذا الفعل للسُّنة النبوية، ولمَدلول الحَديث الشَريف، ولفعل السّلف الصالح!! هذا ما يرتفع بها درجاتٍ من الجهل المُردى، بل إلى تضليل العَامة، وأنصاف المتعلمين من الأتباع.

      اسأل الله تعالى أن يُرشد الشيوخ إلى ما فيه الحقّ، وأن يُريَهم ما في هذه التوجّهات من باطل، وأن ينزع من قلوبهم الخوف من الأنظمة الحَاكمة، وأن يُقدّرهم على توجيه الشباب فيما تمر به البلاد بلا تمويه ولا تعمية، فإنّ في أعناقهم مسؤولية آلاف من الأتباع الذين يتخذون من كَلِمَاتهم منهاجاً يُفهم بها القرآن، وتُقرأ بها الأحاديث، ويُتبعُ بها من يُتبعُ، ويبدّع بها من يُبدّع، وتكون معياراً للرجال، ومقياساً للحكم على الأفعال والأقوال. آمين.