فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ذكرى الغزو الصليبي والصمت المُتْعَب

      نقلت الصحف أنباء تلك التظاهرات التي عمّت أرجاء العالم شرقيه وغربيه في الذكرى الثالثة الغزر الصليبي للعراق، من بريطانيا، إلى الولايات المتحدة وايطاليا وسويسرا في الغرب وفي اليابان وكوريا واندونسيا وباكستان في الشرق. ونقلت التقارير كذلك أنه لم تخرج أية تظاهرات في البلاد العربية في تلك المناسبة!

      ترى ما سبب الصمت العربي إزاء تلك المناسبة؟ هل ملّت الشعوب العربية الحديث عن هذا الأمر بله التحرك والتظاهر والخروج إلى الشوارع؟ أم أن هناك اسباب أخرى جعلت الشارع العربي يخلد إلى الصمت حيال تلك المناسبة التي لها ثقل الجبال حين توزن بميزان الأحداث الحالية في وطننا العربي؟

      هناك عوامل مشتركة بين الشعوب العربية أدت إلىهذا الصمت حيال المناسبة، منها الشعور باليأس من التغيير لما رأوه من صمت حكوماتهم إزاء الأحداث الجارية صمتا لا يُقْرن إلا بصمت أصحاب القبور! وهو صمت غير مبرر إلا بالضعف إزاء الغطرسة الأمريكية والغوغائية البريطانية.

      ثم إن هذه الشعوب لا ترى في العراق إلا صورة نفسها، مهددة بهذا الغزو عاجلا أو آجلا، ولا ترى شعب العراق إلا قطعة من نفسها فحين يقتل العراقي برصاص المحتل فإنما هو مصاب المصرى والسوري والفلسطيني والمغربي على السواء، فكيف يُعزّون والمصاب مصابهم والقتيل من فلذاتهم؟ فالمظاهرات التي خرجت بها جماهير البلاد الشرقية والغربية إنما يشعر بها أبناء تلك البلاد نحو من يعتبرونه غريبا عنهم، أما العرب، فالعراقيون هم أهلهم وعشيرتهم، و التظاهر عن بعد لا يقبل من الأهل والعشير، إنما التضحية بالنفس في أرض المعركة هو ما ينتظره الأهل والعشير

      ثم إن المصائب المتتالية التي تتعرض لها العرب جعلتها تصاب بالدوار فلم تعد تدرى ما تفعل، كالمريض الذي تتوالى عليه الأمراض فلا يعرف من أيّها يألم أو يستصرخ، فلسطين المحتلة التي أطبقت الدولة اليهودية على أنفاسها وأوشكت على سلبها سبل الحياة، خاصة بعد فوز حركة حماس الإسلامية في أول تجربة ديموقراطية حقيقية في البلاد العربية، والسودان الذي يتعرض لإنتزاع الجنوب من جرّاء التدخل العنصري الصليبي، إلى الحملات التبشيرية التي تجتاح أرجاء البلاد والتي دفعت الجزائر مؤخرا إلى سنّ قانون يعاقب على الردة، إلى تلك المؤامرات المتواصلة التي تستهدف ثقافتها ودينها وتقاليدها من خلال تغيير مناهجها ومبادئها.

      هذا، ثم إن كل بلد عربي له ما يشغله من مشكلات محلية ما لتخرّ منه الجبال، مصر وخيانات بيع القطاع العام، والمسرطنات الغذائية، وانفلونزا الطيور وغرق العبّارة وتأجيل الإنتخابات المحلية ... والقائمة لا نهاية لها، ثم لبنان ودوامة التدخلات الخارجية، ومثلهما بقية البلاد ولا فرق. أيُستغرب ممن هذا حاله أن يَذَهل عن التظاهر وأن يستغرق في محاولة فهم ما يحدث حوله؟

      والشعوب العربية عريقة ذات حضارة لا تندثر، وهذا البعد الحضارى هو ما يمدها بقوة البقاء ويمهد لها سبل المقاومة ويقيم في حياتها معاييراً خاصة تواجه بها ذلك العدو الغاشم، وهذا الصمت المُتعب لا يعني الهزيمة بإذن الله ولكن يعني الترقب واستنهاض الهمة، وإن غدا لناظره قريب!